أبراج السعودية تتوشح بعلمي المملكة وباكستان احتفاء باتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك    مسؤول أمريكي: مقاتلات إسرائيلية أطلقت صواريخ باليستية من البحر الأحمر في هجومها على قطر    إعلام عبرى: "حكومة الدماء" تسعى لتحويل إسرائيل إلى أوتوقراطية دينية متطرفة    بريطانيا.. حفل خيري ضخم في ملعب ويمبلي دعما للفلسطينيين في غزة    التاريخ يكرر نفسه.. تورام يعيد ما فعله كريسبو منذ 23 عاما ويقود إنتر للتفوق على أياكس    مورينيو: من المدرب الذي سيقول لا لبنفيكا    محمود وفا حكما لمباراة الأهلي وسيراميكا.. وطارق مجدي للفيديو    تصريح بدفن جثة ربة منزل بعد ذبحها على يد زوجها بالعبور    وزير التعليم يعلن تفاصيل النظام الدراسي الجديد للصف الثالث الثانوي (العام البكالوريا) 2025 /2026    السيطرة على حريق شب داخل محل ألعاب أطفال بمدينة نصر    سعر الذهب اليوم الخميس 18-9-2025 بعد الارتفاع القياسي بالصاغة.. عيار 21 الآن بالمصنعية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/9/2025 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    هنيئًا لقلوب سجدت لربها فجرًا    بعد تعرضه لوعكة صحية.. محافظ الإسماعيلية يزور رئيس مركز ومدينة القصاصين الجديدة    جمال شعبان ل إمام عاشور: الأعراض صعبة والاستجابة سريعة.. و«بطل أكل الشارع»    مقتل 3 ضباط شرطة وإصابة اثنين آخرين في إطلاق نار بجنوب بنسلفانيا    تصدرت التريند بعد أنباء زواجها بشاب، ماذا قالت إيناس الدغيدي عن الطلاق (فيديو)    وزارة العمل: 50 فرصة عمل لسائقين بمرتبات 10 آلاف جنيه    محافظ شمال سيناء يتفقد أعمال تطوير بوابة العريش وبفتتح مقراة الصالحين لتحفيظ القران الكريم (صور)    فائدة 100% للمرة الأولى.. أفضل شهادة إدخار بأعلى عائد تراكمي في البنوك اليوم بعد قرار المركزي    صراع شرس لحسم المرشحين والتحالفات| الأحزاب على خط النار استعدادًا ل«سباق البرلمان»    قبل أيام من انطلاق المدارس.. تحويلات الطلاب مهمة مستحيلة!    إصابة سيدة فى انهيار شرفة عقار بمنطقة مينا البصل في الإسكندرية    "أوبن إيه.آي" تتجه لإنتاج شريحة ذكاء اصطناعي خاصة بها.. ما القصة؟    أسامة فراج بعد محمد محسوب .. ساحل سليم تتصدر قائمة التصفية خارج إطار القانون من داخلية السيسي    مكافحة الإدمان: علاج 100 ألف مدمن خلال 8 أشهر    لأول مرة.. ترشيح طالب من جامعة المنيا لتمثيل شباب العالم بمنتدى اليونسكو 2025    محمد صلاح يتجاوز ميسي ومبابي ويكتب فصلًا جديدًا في تاريخ دوري الأبطال    أخبار × 24 ساعة.. الخارجية: لا بديل عن حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية    تكريم أمينة خليل.. تفاصيل حفل إطلاق النسخة السابعة من مهرجان ميدفست مصر (صور)    عمرو منسي: مهرجان الجونة مساحة أمل للمواهب وصناعة السينما    الشاعر الغنائي فلبينو عن تجربته مع أحمد سعد: "حبيت التجربة وهو بيحكيلي عليها"    أحمد سعد مداعبا المؤلف الغنائي محمد الشافعي: "بكلم مامته عشان يألف لي"    محمد عدوي يكتب: الخفافيش تعميهم أنوار الشمس    مصفاة "دانجوت" النيجيرية تصدر أول شحنة بنزين إلى الولايات المتحدة    "سندي وأمان أولادي".. أول تعليق من زوجة إمام عاشور بعد إصابته بفيروس A    90.2 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال تداولات جلسة الأربعاء    نقيب المحامين يكرم400 طالب متفوق من أبناء محامي الإسكندرية    ب 3 طرق مش هتسود منك.. اكتشفي سر تخزين البامية ل عام كامل    هتتفاقم السنوات القادمة، الصحة تكشف أسباب أزمة نقص الأطباء    أسباب الإمساك عند الطفل الرضيع وطرق علاجه والوقاية منه    حكم مباراة الأهلي وسيراميكا كليوباترا في الدوري المصري    نتيجة وملخص أهداف مباراة ليفربول ضد أتلتيكو مدريد في دوري أبطال أوروبا    موعد مباراة برشلونة ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقناة الناقلة    "بعد هدف فان دايك".. 5 صور لمشادة سيميوني ومشجع ليفربول بعد نهاية المباراة    بهاء مجدي يحدد مفتاح الزمالك للفوز على الإسماعيلي    سعر الموز والتفاح والمانجو والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 18-9-2025    إنتاج 9 ملايين هاتف محمول محليًا.. وزير الاتصالات: سنبدأ التصدير بكميات كبيرة    إعلام إسرائيلي: ديرمر التقى وزير الخارجية السوري في لندن بحضور المبعوث الأمريكي براك    استشهاد 99 فلسطينيًا في غارات الاحتلال على غزة خلال يوم    بريطانيا: زيارة الدولة الأمريكية جلبت 150 مليار باوند استثمارات أجنبية    مواقف وطرائف ل"جلال علام" على نايل لايف في رمضان المقبل    رئيس جامعة طنطا يشهد حفل تخريج الدفعة ال30 من كلية الهندسة    «الأرصاد» تُطلق إنذارًا بحريًا بشأن حالة الطقس اليوم في 8 محافظات: «توخوا الحذر»    "أصحاحات متخصصة" (1).. "المحبة" سلسلة جديدة في اجتماع الأربعاء    هل الحب يين شاب وفتاة حلال؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندى: الإنسان غير الملتزم بعبادات الله ليس له ولاء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 17سبتمبر2025 في المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أين وثائق حرب‮ 1967؟
نشر في الوفد يوم 05 - 01 - 2011

لم أكن أتصور أن موضوعا جديدا عن هزيمة‮ يونيو‮ 1967‮ سيشدني‮ اليه من جديد بعد كل هذه السنوات وأن آراء ثابتة سوف تستبدل بأخري‮.. قد لا‮ يكون ثمة جديد بشكل جذري‮ بالنسبة للمتخصص الذي‮ قرأ وفتش في‮ الكتب‮ والناس عن شهادات الأحياء والأموات من أبطالها‮.. أما بالنسبة لذوي‮ المعلومات العسكرية المحدودة فقد وجدتني‮ مهتمة بأن‮ يلقي‮ شعاع من الضوء علي‮ المعلومات،‮ وأن ترتب الأحداث في‮ سياق‮ يعطيها مدلولات واضحة‮. كنت قد عايشت‮ يونيو المشئوم في‮ صباي‮ وصدقت وغيري‮ الصور والهتافات والأحاديث التي‮ كانت تزدحم بها تلك الأيام بشكل صادم ومخطط من أولئك الذين احترفوا تحويل كل شيء الي‮ نصر وضجيج وأبواق دعائية لا تمل من تمجيد الزعيم‮.. نعم هو جمال عبدالناصر صاحب الكاريزما الطاغية هو نفسه الذي‮ يمكنا أن نراجع مافعل باعتباره المسئول الأول عن الهزيمة كما أعلن صادقا في‮ 9‮ يونيو‮ 1967.‬
هذه المراجعة قد تبدو مملة ومكررة وخاصة أن البعض قد أسماها النواح علي‮ هزيمة‮ يونيو‮. ليس القصد بالطبع الإساءة الي‮ شخصية رحلت عن عالمنا ولكن المقصود أن نبصر المدي‮ الرهيب الذي‮ أوصلتنا إياه هذه الهزيمة لنؤكد ونعرف الأجيال أن الاستبداد هو أس الفساد مهما كانت الحبكة التمثيلية للمستبد العادل الذي‮ لن‮ يكون أبدا أن‮ يختزل فردا أيا كان سواء كان خالدا أو منسيا كل السلطات في‮ يده ويسيطر علي‮ الكلمات في‮ أفواه المصريين في‮ البيوت قبل الإعلام‮.. كل هذا لا‮ يمكن أن‮ يفضي‮ إلا الي‮ كارثة أو كوارث متوالدة ما بين الحرب المجنونة والسلام المفرط‮.‬
كان لقائي‮ بالأستاذ عصام دراز أثناء حضوره ندوة في‮ نقابة الصحفيين دعا اليها د‮. أشرف بلبع وأدارها الكاتب محمد عبدالقدوس موضوع الندوة هو مستقبل مصر السياسي‮ فكان لي‮ مداخلة بدأتها متفقة مع‮ غيري‮ أن مستقبل مصر‮ غامض،‮ وذلك أنه مغ‮ استئثار السلطة بكل آليات الحكم وحجب رأي‮ المعارضة تماما كل هذا‮ يشير الي‮ أن الانفجار الجماهيري‮ العشوائي‮ قادم حتي‮ وإن كنا لا نتمناه‮.. شبهت ذلك بما حدث في‮ ثورة‮ 1919‮ ثم أيضا الموقف من التنحي‮ لجمال عبدالناصر بخروج الجماهير لإجباره علي‮ استكمال المسيرة‮.‬
الجملة الأخيرة هي‮ التي‮ استوقفت الأستاذ عصام ودعته الي‮ محادثتي‮ قائلا‮: أريد أن أكلمك لأنه لو لم‮ يكن هناك سوي‮ شخص واحد‮ يعرف الحقيقة فأنا أحمل نفسي‮ واجبا أن أقولها له ولقد دهشت كيف تقولين وأنت كاتبة أن خروج الجماهير كان تلقائيا‮.. أجبته قائلة‮: ذلك بكل بساطة لأنني‮ كنت واحدة من المندفعين الي‮ الشارع فور سماع خطاب عبدالناصر في‮ 9‮ يونيو وما كان لأي‮ قوة أن تمنعني‮.‬
في‮ لحظات تم تجاوز هذه النقطة بينما فتحت موضوعات كثيرة قد تدافعت من رجل متحمس شارك في‮ حرب‮ 1967‮ وتعرض لمحنة كبيرة من نظام عبدالناصر ثمنا لكلمات نطق بها‮ »‬نعم رغم مأساة الهزيمة التي‮ تعرض لها جيش مصر ظلما فإن بعض عناصره تعرضت للاضطهاد والسجن وكأن الألم ممنوع بالضبط كما منع الرأي‮«.. هذا ما كتبه عصام دراز في‮ مقدمة كتاب‮ »‬ضباط‮ يونيو‮ يتكلمون‮« وأكثر منه سمعته في‮ حوارات معه،‮ كان لابد منها لكي‮ أتمكن من تصديق المهزلة التي‮ عاشتها مصر وجيشها فأنجبت طفلا لقيطا اسمه‮ »‬الهزيمة‮«.. بمحاكمات قادة الطيران وأحكامها‮ غير المرضية للشباب بدت الهزيمة‮ غامضة ومسجلة ضد مجهول وارتفع صوت الكذب وسط ضجيج إعلامي‮ ودعائي‮ تم به طي‮ الصفحة تحت شعار بدا مقنعا آنذاك وهو‮: »‬لا صوت‮ يعلو فوق صوت المعركة‮«.‬
هذه المرحلة أفرزت شاعرا وطنيا عبقريا من بين صفوف الشعب هو أحمد فؤاد نجم ومعه ملحن أغانيه الشيخ إمام كان ذلك هو البوق الشعبي‮ الوحيد الذي‮ شق طريقه ليقول للمصريين أشياء رهيبة عن حكامهم والهزيمة المنكرة للجيش‮ »‬وإن شاء الله‮ يخربها مداين عبدالجبار‮«. بالطبع تم سجن نجم وإمام مرات‮.‬
قبل أن أدع الأستاذ عصام دراز‮ يسترسل احتفظت لنفسي‮ بنسبة من الشك حضرتك تقول إنك تعرضت لمحنة بسبب رفضك لبعض أساليب الخبراء السوفيت في‮ مصر ألا تري‮ أن لديك مرارة انسانية ربما صبغت رؤياك لعبدالناصر باللون الأسود؟‮! أجابني‮ مؤكدا‮: لا توجد أي‮ مرارة علي‮ الإطلاق فقد كنت من مؤيدي‮ عبدالناصر الي‮ أن حدثت الهزيمة ورأيت فداحتها الظالمة علي‮ الجيش والشعب المصري‮ واقتربت من شحصيات عسكرية كبيرة ولقاءات عامة مع المشير عبدالحكيم نائب القائد الأعلي‮ للقوات المسلحة‮.. امتد الحديث الي‮ مقتل المشير الغريب فيما قالت الكثير من المصادر أو فيما أشيع عن انتحاره‮.. ثم‮ غضبة الطلاب أبناء نظام عبدالناصر عقب صدور أحكام الطيران‮.‬
في‮ هذه الفترة الحالية كان هناك حوار الأستاذ عمرو الليثي‮ مع الزوجة الثانية للمشير عامر برلنتي‮ عبدالحميد فسمعت منها ما أثار أكثر من علامة استفهام‮.‬
الفنانة والسياسة
كان لابد من لقاء مع الأستاذ عصام دراز لخبرته العسكرية في‮ القوات المسلحة في‮ حروب‮ 1967‮ والاستنزاف والإعداد لحرب أكتوبر‮ 1973‮ فضلا عن عضويته في‮ اتحاد الكتاب وفوزه بالعديد من الجوائز الأدبية‮.‬
سألت الأستاذ عصام عن رأيه في‮ مدي‮ مصداقيته هذه الفنانة في‮ الدخول في‮ عالم السياسة والإدلاء بآراء تجزم فيها بأمور خطيرة‮.. أجاب قائلا‮: بالطبع حديث برلنتي‮ عبدالحميد لابدأن‮ يؤخذ باعتباره شاهدة‮ غير متخصصة فهي‮ ليست مرجعا‮.. فضلا عن كونها زوجة مجروحة مما حدث للمشير عامر وهذا لابد من القول بأنه ليس هناك ادعاءات كاذبة فيما قالت‮.. ربما فقط بعض المبالغات‮. أضاف قائلا‮: إن التجارب الصعبة تصقل الإنسان ولعلها فعلت أثرها مع برلنتي‮ عبدالحميد بحكم معاناتها ومقابلتها مع شخصيات رئيسية حول المشير‮.‬
هل تعتقد أن المشير عامر قد قتل؟ كل الدلائل وشهادات الشهود المقربين تعطي‮ هذا الرأي‮ وجاهة‮.‬
سألته‮: ماذا عن نكسة‮ 1967؟ إنه حدث تاريخي‮ يستحق أن أكرس حياتي‮ لكشف أسراره الحقيقية ليعرف المصريون لماذا هزمنا فيها‮.. وأعلم أنني‮ أحد المصادر الوحيدة التي‮ التقت بكبار الشخصيات مثل صدقي‮ محمود قائد القوات الجوية الذي‮ صدمني‮ بما حدث ولم‮ ينشر عنه أي‮ شيء لكون المحاكمة سرية وخرجت المظاهرات تدين الأحكام المخففة فما رأيك؟ قال الأستاذ عصام الموضوع هو أن صدقي‮ محمود قال إنه رفض تلقي‮ الضربة الأولي‮ لكن عبدالناصر أصر علي‮ أن‮ يتلقاها الجيش‮.. قلت له‮: أليس في‮ ذلك حكمة حتي‮ لا نبدو أمام العالم كمعتدين؟ قال كيف بعد قرار حشد الجيش الخاطئ الذي‮ تم إعداده في‮ أسرع ما‮ يمكن بينما الحشد للحرب كان‮ يحتاج الي‮ عام علي‮ الأقل‮.‬
أوضح قائلا‮: المفروض أن‮ يكون الإنذار للجيش بالحرب أمرا سريا ثم عندما تأتي‮ الظروف المتوقعة بالحظر عندها‮ يصدر الأوامر بالتحرك الفوري‮ الي‮ سيناء دون استعدادات،‮ الأخطر أن الجيش معظمه كان موجودا في‮ اليمن بالضرورة وكانت قيادات الجيش مهتمة بالحرب الحقيقية الدائرة هناك،‮ ولوجود حرب في‮ اليمن اضطر الجيش الي‮ تخفيض تدريباته وامكانياته‮.. أدت هذه الحرب أيضا الي‮ ضعف كفاءة القوات الموجودة في‮ مصر‮.‬
صداقة عبدالناصر والمشير
هذهالشهادة قرأتها علي‮ لسان أكثر من قائد عسكري‮ سجلها لهم عصام دراز في‮ كتابه‮ »‬ضباط‮ يونيو‮ يتكلمون‮«.. تحدث د‮. عبدالفتاح التركي‮ ضابط استطلاع فقد بصره في‮ حرب‮ 1967‮ تحدث عن أثر حرب اليمن السلبي‮ علي‮ الجيش المصري‮ حيث لم‮ يكن هناك في‮ تلك الفترة أي‮ تصور محدد لدي‮ الجيش عن امكانية حرب مع إسرائيل‮.. ويضيف أنه في‮ السنة السابقة للحرب في‮ سنة‮ 1966‮ لوحظ نوع من الانكماش في‮ مقررات التدريب وكان تأثير حرب اليمن سيئا علي‮ مستوي‮ الجيش وكانت الوحدات تعود منخفضة الروح معنويا‮.. مستواها التدريبي‮ سيئ‮. سألت الأستاذ عصام دراز عن مسئولية المشير عامر الأساسية في‮ الهزيمة وإفساد الجيش؟ قال‮: لكي‮ تقدرين هذه المسئولية علي‮ حقيقتها لابد من شرح موضوعي‮ إنساني‮ لعلاقة جمال عبدالناصر بعبدالحكيم عامر ومدي‮ الارتباط بينهما أو التكامل الذي‮ تم في‮ ظروف دكتاتورية جعلت صورة الجيش تبدو علي‮ النحو الذي‮ ظهرت به‮.. قال‮: إن مفتاح شخصية جمال عبدالناصر هو الشك والتكتم،‮ أما عبدالحكيم عامر فقد كان‮ »‬منفتح وحبّوب وابن بلد‮« هذا الخلاف بين الشخصيتين جعلهما‮ يكملان بعضهما البعض‮.‬
يجدر أن‮ يذكر أن فكرة تنظيم الضباط الأحرار هي‮ فكرة عامر أصلا لكن رأس التنظيم كان هو عبدالناصر هذه الصداقة القوية كما قال لي‮ كمال الدين حسين زميلهم في‮ الثورة‮ »‬وهي‮ لم تنشر من قبل‮« إنهم كانوا متفقين أن‮ يكملوا بعض‮.. ناصر لها لقرار بحكم شخصيته المهيمنة وعامر هو المساند المؤيد لناصر وقراراته وهذا أعطاه القوة‮.. بهذا الاتفاق أو التعاهد بينهما منذ البداية لم‮ يعد هناك أي‮ امكانية لعامر أن‮ يختلف أويختار السياسة العسكرية بنفسه كما‮ يبدو في‮ الظاهر‮.. لقد كان عامر شخصيته طيبة ومخلصة جدا للزعيم‮ يؤيده ظالما أو مظلوما ليس بالمعني‮ السليم للحديث الشريف،‮ فالمفروض أن‮ يمنعه عن الظلم ولكن في‮ الجيش حيث القواعد العسكرية الصارمة لا مفر من تنفيذ أوامر عبدالناصر بحكم ذلك التعاهد القديم بينهما‮.. تسلسل الأحداث‮ يظهر مقدار تورط عامر ربما أكثر مما كان هو‮ يستحق بسبب هذا الولاء المفرط،‮ فضلا عن الطابع الدكتاتوري‮ العام للنظام الناصري،‮ أدي‮ الي‮ أحداث منها أن عامر هو الذي‮ اختار محمد نجيب رئيسا للثورة ولكنه هو الذي‮ اعتقله بنفسه متوحدا مع رغبة عبادلناصر‮.. نفذ المبدأ في‮ تقسيم الأدوار بحذافيره القرار لناصر والتأييد والتنفيذ لعامر‮.. فقد تم لأول مرة تعذيب الضباط في‮ أزمة مارس سنة‮ 1954‮ وتم بعدها تعذيب الإخوان المسلمين‮.. وذلك كان أخطر اتفاق بين عبدالناصر وعامر وقد ظهر بشكله الأسوأ في‮ حرب‮ 1967.‬
معلومات روسية
سألت الأستاذ عصام دراز كيف؟ قال‮: إن حالة القوات المسلحة لم تكن تسمح بالحرب‮.. عبدالناصر كان‮ يعلم هذا مثلما‮ يعلمه عامر لكن حدث أن معلومات سربها الروس الي‮ مصر بوجود قوات إسرائيلية علي‮ حدود سوريا‮.. وقد بدا هذا مقنعا مع تهديدات إسرائيل الخطابية،‮ لكن هناك من الشهادات المبهمة المصرية التي‮ كان‮ يجب الاستماع إليها جيدا حيث سافر الفريق محمد فوزي‮ يوم‮ 14‮ مايو بعد إعلان الحشد ليتأكد من وجود هذه الحشود الإسرائيلية وعاد مبلغا عبدالناصر أنه لا توجد حشود فلا داعي‮ للطوارئ في‮ الجيش المصري‮.. أيضا ذهب الفريق عبدالمنعم رياض الي‮ سوريا وعاد بشهادة قاطعة أنه لا توجد حشود علي‮ سوريا وأبلغ‮ عبدالناصر،‮ فلماذا كان اختيار الحرب؟
توقفت بشدة عند هذه الفقرة،‮ وسألت مباشرة‮: هل تقصد أن حرب‮ 1967‮ لم‮ يكن لها مبرر ضروري؟ أجابني‮ مضيفا أن عبدالمنعم رياض نفسه قال في‮ تقرير سري‮ لعبدالناصر أن‮ يوقف التصعيد لأن هذا كمين للجيش المصري‮ ورأي‮ أن تحل المشكلة سياسيا‮.. رغم الثقة الكبيرة من عبدالناصر في‮ الفريق عبدالمنعم رياض إلا أننا فوجئنا بتصعيد خطيرمن عبدالناصر للأحداث تمثلت في‮ الخطب المشتعلة‮.. الإعلام الزاعق الذي‮ حمل مغبته والمذيع أحمد سعيد،‮ بينما كان هذا‮ يتم بأمر مباشر من الرئيس ناصر‮ »‬فرقع علي‮ قد ما تقدر،‮ وعندما تحفظ علي‮ هذه الخطة أحمد سعيد وقال‮: إن ذلك قد‮ يحدث رد فعل سيئا رده بعد شهرين من النكسة أو الهزيمة‮.‬
القاهر والظافر
أتوقف قليلا لأقرأ في‮ الكتاب عن شهود‮ يونيو‮.. أقرأ للمهندس محمد فؤاد‮ غانم عن صاروخي‮ القاهر والظافر وما أشيع عنهما بطريقة استعراضية،‮ قال‮ غانم‮: إن القاهر والظافر مجرد صواريخ هيكلية مزيفة‮.. الصواريخ التي‮ أطلقت أمام عبدالناصر وعامر لا تمت الي‮ الصواريخ بصلة فقد سقطت علي‮ مسافة قريبة‮.. وكان تعليق المهندس أحمد‮ غانم أن هذه القصة أشعرته بالخوف علي‮ مستقبل البلد بسبب شيوع هذا الأسلوب فكم من مواطن مصري‮ قبل حرب‮ 1967‮ كان‮ يعرف أن إسرائيل كانت تمر علنا من شرم الشيخ؟ كم ضابط مصري‮ يعلم أن مضايق تيران تحت رحمة إسرائيل‮.‬
هذه النقطة ركز عليها الأستاذ عصام دراز حيث أظهرت في‮ 1967‮ الإخفاء المتعمد لفتح خليج العقبة بعد حرب‮ 1956‮ التي‮ أسموها حربا مظفرة‮.. وأن هذا أدي‮ الي‮ إنشاء إيلات كمدينة وميناء مهم،‮ سألته ما قيمة فتح خليج العقبة لإسرائيل عسكريا؟ أجاب‮: أن هذا الحدث الذي‮ أخفي‮ عن الشعب المصري‮ وساهم في‮ زيادة القوي‮ العسكرية الإسرائيلية بلا حدود لأنه بناء علي‮ ذلك تم تعمير النقب وإنشاء المستعمرات بها،‮ هذا أحدث تفوق استراتيجيا لإسرائيل في‮ المعركة‮. جاءهذا التفوق من ازدواج القوة المسلحة والجغرافيا ذلك أن المستعمرات لها شق عسكري‮ وشق اقتصادي‮ مما‮ يقلب الموازين العسكرية في‮ المنطقة لأن سيناء جغرافيا وتعد امتدادا للنقب ولكنها تركت خالية من السكان بوجود فراغ‮ سكاني‮ وعسكري‮ في‮ سيناء تحت مظلة‮ »‬استرخاء عسكري‮« متفق عليه في‮ سنة‮ 1956‮ بين عبدالناصر وإسرائيل ورغم قدمها فقد بدت كلمة‮ »‬استرخاء عسكري‮« غريبة‮!‬
ما تفاصيل بدء حرب‮ 1967؟ في‮ لحظات الخطر وتكثيف الاستفزاز قبل دخول حرب‮ 1967‮ تم تصعيد احتمالات الحرب بحيث تصبح بلا رجعة في‮ وقت ثابت فيه نقص في‮ الاستعداد والتدريب ومعظم الجيش في‮ اليمن‮. استطرد الأستاذ عصام أن الأسلوب الذي‮ أديرت به هذه الحرب‮ ينم عن خطورة بدت نتائجها من هزيمة بلا حرب فرضت علي‮ الشعب المصري‮ وعلي‮ الجيش المغوار‮.‬
لقد أعلن عبدالناصر في‮ 22‮ مايو‮ 1967‮ في‮ قاعدة جوية أمام الطيارين وقيادة القوات المسلحة قائلا‮: »‬أهلا بالحرب لن أضرب الضربة الأولي‮« وأعطي‮ الحق لإسرائيل بتوجيه الضربة الأولي‮.. صرخ الطيارون وقتها لا‮ يا ريس وقد أصر صدقي‮ محمود علي‮ رفضه لقبول الضربة الأولي‮ من جانب إسرائيل،‮ فيما قال عصام دراز‮.‬
أشرد بذهني‮ وأتساءل في‮ هذا السياق المضطرب بقرارات‮ غير مدروسة هل كان عبدالناصر‮ يعول علي‮ المجتمع الدولي‮ ليهب لينقذ مصر إذا ما بدت في‮ شكل المعتدي‮ عليه؟ ولكن ماذا كان الداعي‮ لهذه المغامرة أصلا؟ هل كانت واحدة من استعراضات‮ يوليو التي‮ اعتاد الرئيس أن‮ يتلقفها الإعلام مهللا؟
في‮ حواري‮ مع الأستاذ عصام دراز ركز كثيرا علي‮ نقطة تواردت في‮ شهادات أخري‮ لقيادات‮ يونيو هو عدم وجود دوشم لحماية الطائرات المصرية وهو أمر خطير إذ‮ يجعل الطائرات والممرات مكشوفة للعدو‮.‬
في‮ حديث محمد‮ غانم وهو مهندس في‮ القوات الجوية ما‮ يؤكد وجود معاناة شديدة عند طلب ميزانية معقولة تمكننا من العمل بكفاءة،‮ كان الرد دائما لا‮ يوجد اعتماد،‮ ويضيف أن كل ضابط‮ يعرف أن ميزانية استعراض‮ 23‮ يوليو السنوي‮ بعد الثورة كانت تكفي‮ لإنشاء عشرات من الدوشم التي‮ كان أساسية للحماية أدي‮ هذا الي‮ أنه بعد الضربة الأولي‮ التي‮ قامت بها إسرائيل في‮ حرب الساعات لم‮ يبق إلا‮ 12‮ طائرة سوخوي‮ سليمة وكانت الطائرات الميج‮ 21‮ قد دمرت تماما‮.. أما الميج‮ 19‮ فلم‮ يبق منها إلا ثلاث طائرات‮.‬
قال تحسين زكي‮ قائد لواء السوخوي‮ في‮ شهادته متسائلا‮: من الذي‮ يجب أن‮ يحاكم،‮ هل الذي‮ أساء اتخاذ القرارات أم الذين حاربوا‮.. لقد حاربنا من أجلهم وتحملنا أخطاءهم‮.. ألم‮ يحارب ضباط الصاعقة الذين أدخلوا السجون‮.. ألم‮ يحاربوا من أجلهم في‮ اليمن واستشهد منهم الكثيرون ضاعوا بلا سبب؟
سألت بدوري‮ عندور صدقي‮ محمود قائد القوات الجوية الذي‮ اتهم بالخيانة من متظاهري‮ 1968‮ من الشباب الذين رفضوا أحكاما عليه متهافتة‮.. قال إن الأحكام البسيطة سببها الحقيقي‮ أن السياسة العليا‮ التي‮ أديرت بها حرب‮ 1967‮ هي‮ المسئولة عن الهزيمة حيث بدأت بلاضرورة ولا استعداد فضلا عن أوامر الانسحاب العشوائي‮ التي‮ صدرت للجيش فكانت خسائر الانسحاب أكبر بكثير من خسائر القتال في‮ الحدود التي‮ سمح فيها بالقتال بعد تدمير الطيران في‮ الساعات الأولي‮ من‮ 5‮ يونيو‮ 1967.‬
أعدت السؤال مجددا‮: لماذا دخل الرئيس عبدالناصر الحرب إذن جاءت الاجابة‮: أنه لم‮ يحدد أحدا ماذا في‮ ذهن عبدالناصر‮.. هل رأي‮ في‮ الحرب مظاهرة عسكرية أم ماذا؟ لقد صدر لكل القوات قرارات بالانسحاب في‮ 6‮ يونيو وهناك من صدرت له قرارات الانسحاب في‮ 5‮ يونيو‮ 1967.‬‮. من الذي‮ أصدر أمر الانسحاب؟ بالتأكيد هو عبدالناصر وتجيء شهادة محمد‮ غانم أن أمر الانسحاب لا خلاف عليه كما صار الادعاء للبعض فكل قائد عسكري‮ يعرف خطورة أمر الانسحاب بدليل أن كليهما استمر في‮ موقعه أثناء الانسحاب‮ »‬يوم‮ 5‮ يونيو ويوم‮ 6‮ ويوم‮ 7‮ ويوم‮ 8‮ ويوم‮ 9‮«.‬
سواء كان عبدالناصر موافقا أم لا فقد دخل حجرته بالقيادة ونام ثم ذهب الي‮ منزله حتي‮ يوم‮ 8‮ يونيو‮.. لا توجد وثائق أمينة حول هذه الأحداث،‮ وهذا ما‮ يفسر سرية محاكمات قادة الطيران والأحكام الهزيلة التي‮ لا تتناسب مع حجم الهزيمة وهو ما‮ يفسر أيضا أهمية القضاء علي‮ عبدالحكيم عامر‮. كما‮ يقول لي‮ عصام دراز‮: إنه حتي‮ الأشرطة التي‮ سجلت اللقاء بين عبدالناصر بالطيارين‮ 22‮ مايو تم مسحها بواسطة سامي‮ شرف‮.‬
كلها أسرار‮.. لكنها أسرار فاضحة‮ يجب ألا تموت‮.. كيف‮ يخفي‮ عن الشعب المصري‮ أسرارا تتعلق بأمنه ومستقبله مثلما حدث بشأن فتح خليج العقبة‮.. كيف‮ يدفع بجيشنا لحرب بغير استعداد‮.. ما مبرر الحرب إذا كانت الحشود الإسرائيلية علي‮ إسرائيل لم تحدث وفقا لشهادة الفريق عبدالمنعم رياض ومحمد فوزي؟ لماذا تترك الطائرات المصرية ليتم‮ تحطيمها في‮ ساعات دون حماية لها؟ لماذا‮ يعلن أن مصر ستتلقي‮ الضربة الأولي‮ وهو إعلان‮ يبدو جرسه‮ غريبا بعد مرور هذه الفترة‮.. كيف‮ يستبد بنا زعيم ملهم بينما هو الذي‮ أصدر تلك المجموعة البشعة والقرارات ومنها أمر الانسحاب العشوائي‮.‬
ما الأسرار الحقيقية لأكبر عملية تزييف لحقيقة حرب‮ 1967‮ ودوافعها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.