مع الأحزاب الدينية فى العالم الإسلامى الرهان على الشعب فى حماية مدنية الدولة.. ولا مستقبل للتيار الثالث والأمل فى الاندماج الحزبىشن الدكتور محمد أبو الغار، رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، هجوما حادا على جماعة الإخوان المسلمين وعلى الرئيس محمد مرسى، معتبرا أن الحاكم الفعلى لمصر هو مجلس شورى الجماعة الذى يخطط ويتخذ القرارات المصيرية بينما محمد مرسى يقوم بدور الرئيس «رمزيا» فقط. واتهم أبو الغار فى حواره ل«الشروق» الإخوان المسلمين بأنهم لا يعملون من أجل مصلحة مصر، قائلا إن للجماعة هدفين؛ الأول: «تحقيق مصلحتها وتحكمها فى مقاليد الأمور» والثانى: «بناء دولة الخلافة بالتعاون مع الأحزاب الإسلامية فى العالم الإسلامى».
فى الوقت نفسه، أكد أبو الغار غياب رؤية واضحة لتنظيم التيار المدنى سواء من خلال التيار الثالث أو التيار الشعبى لغياب القائد الذى يمكن أن يجمع الأحزاب المختلفة مع بعضها البعض... وإلى نص الحوار.
•ما رأيك فى أداء الرئيس محمد مرسى؟
لست مؤمنا على الإطلاق بأن مرسى يقوم بوظيفة رئيس الجمهورية، هو يقوم بهذه الوظيفة رمزيا من خلال السفريات ومقابلة بعض العمال المعتصمين وحضور اجتماعات، لكن هو ليس المخطط أو المقرر، فصاحب القرار هو مجلس شورى الإخوان، بخلاف هذا لا يوجد شخص له كلمة.
•لكن مرسى أعلن برنامج النهضة فى حملته الانتخابية الذى يدعمه الإخوان ولو فاز آخر بالرئاسة كان سيمضى على نهج حزبه؟
الشعب انتخب شخصا ليكون الرئيس، ولم يختر مجلس شورى الإخوان، المفروض والطبيعى أن يرأس مرسى اجتماعات مجلس شورى الإخوان ويطرح أفكاره على أعضائه ويقنعهم بها لتنفيذها ودعمه سياسيا فى تطبيقها، ولكن هم الذين يقررون.
•ما رأيك فى طريقة إدارة الدولة بعد وصول الإخوان للحكم؟
مصر وبناء الدولة المصرية ليس من أولويات الإخوان المسلمين، هم لديهم هدفان أساسيان الأول: تحقيق مصلحة الجماعة وتقويتها لتتحكم فى مقاليد الأمور وضمان استمرارها، والثانى: التخطيط لدولة الخلافة وهو يعملون على تحقيق ذلك على المدى البعيد بالتعاون مع الأحزاب الإسلامية التى خرجت من رحم الإخوان المسلمين، ليس فى العالم العربى فقط بل العالم الإسلامى كله.
هذه هى الهموم الأساسية للإخوان لذلك نجدهم لا يعملون على إصلاح وهيكلة أجهزة الدولة، فهم غير مهتمين بإصلاح جهاز الشرطة لضبط الأمن بل يهمهم التحكم فى جهاز الشرطة وإدخال عناصرهم فيه.
كما أنهم يريدون إدخال أعضاءهم الكلية الحربية، وهذا «تهريج»، الجيش المصرى حسب القانون المصرى يجب أن يكون أفراده مستقلين لا ينتمون لأى تيار أو حزب سياسى، ولم يحدث أن سيطر حزب سياسى فى تاريخ مصر على الجيش المصرى، لا الوفد ولا أى حزب آخر قبل ثورة يوليو أو بعدها ولا حتى أيام جمال عبد الناصر، حين كان موجودا الاتحاد الاشتراكى، أو حتى أثناء حكم مبارك لم يسطر الحزب الوطنى على الجيش.
الإخوان المسلمون أيضا يريدون التدخل فى القضاء وليس إصلاحه، مشكلتهم ليست فى أن القضاء غير مستقل تماما، وإنما يريدون إفساد استقلاله وجعله منحازا لهم فيفقد دوره وقوته تماما لأنه منحاز لتيار معين.
•ما رأيك فى قرارات الرئيس بعزل المشير ورئيس الأركان وإلغاء الإعلان الدستورى المكمل؟
كنت أتوقع انتهاء دور الجيش تماما فى العمل السياسى وعودته لممارسة مهمته الأساسية فى حماية البلاد، ودور الجيش بدأ يتراجع منذ الانتخابات البرلمانية وأعتقد أنه انتهى منذ انتخاب الرئيس، مرحلة حكم العسكر انتهت تماما وبصفة نهائية بعد انتخاب مرسى.
وتوقعاتى كانت تستند إلى أن المجلس العسكرى قدراته السياسية ضعيفة وارتكبوا أخطاء متتالية منذ اليوم الأول، هم أخطأوا فى عدم الاستعانة بمجلس مدنى فى ادارة البلاد بالإضافة للأخطاء التى ارتكبوها فى الاستفتاءات والإعلانات الدستورية، هذا بخلاف الدماء التى سالت فى الميادين فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء.
•بعد قرارات مرسى طالب عدد من النشطاء بمحاكمة أعضاء المجلس العسكرى على الجرائم التى ارتكبوها خلال المرحلة الانتقالية، هل تؤيد هذه الدعوات؟
أعتقد أننا فى الفترة الحالية نركز فى بناء الوطن، الثورة أنتجت آثارا إيجابية ضخمة ويجب استغلال التطورات فى الإصلاح وانهاء حالة الفوضى، والبناء بدلا من التركيز على المحاكمات التى ستؤدى الى انقسامات فى الشارع وتعاطف مجوعات من المواطنين مع أعضاء المجلس العسكرى. هذه مرحلة انتهت وعلينا النظر للمستقبل.
•ما رأيك فى اختيار المستشار محمود مكى نائبا للرئيس؟
هذا رجل عظيم ومحترم، غاية فى النقاء ولا ينتمى للإخوان المسلمين وليست له ميول إسلامية.
•بعد غياب المجلس العسكرى عن المشهد السياسى.. من التيار الذى يمكن أن يلعب دورا مؤثرا غير الإخوان المسلمين فى المستقبل؟
حتى الآن لا يوجد شىء واضح.
•وماذا عن التيار الثالث أو التيار الشعبى؟
التيار المدنى الموجود فى مصر، وهو كبير جدا أكثر من الإخوان بكثير وكان واضحا جدا فى الانتخابات الرئاسية، فمن المفارقات أن آخر رئيس وزراء لمبارك يحصل على 50% من الأصوات وهو ليس له أى شعبية، تلك أصوات التيار المدنى الذى اضطر للتصويت لشفيق أمام مرسى.
ومرسى فى الجولة الأولى حصل على 24% فقط، يعنى 76% من الأصوات هم التيار المدنى هذا التيار غير منظم لأسباب كثيرة.
•وما هى أسباب فشل التيار المدنى؟
جزء من هذا التيار ينتمى للأحزاب القديمة وتلك لديها مشكلات منذ زمن بسبب تدخل أمن الدولة والحكومة فى اختيار رؤسائها.
ولكى تتمكن هذه الأحزاب من النهوض لابد أن تغير دمها من خلال ضخ الشباب قادرين على تغيير نظامه وليس رئيسه فقط، فالأحزاب قبل الثورة لم يكن لها وزن ولا قيمة، ولم يتغير بعد الثورة الموقف.
عمر الأحزاب الجديدة قصير، لم يتجاوز أكثر من عام، فنحن فى الحزب المصرى الديمقراطى حاولنا خلال هذا العام بناء الحزب ودخول الانتخابات والصراع على وضع الدستور وسندخل الانتخابات مرة أخرى، هذا يعنى استنفاد الطاقة. والتمويل أيضا مشكلة فالأحزاب الإسلامية المنافسة لديها تمويل ضخم جدا ولا توجد سيطرة عليه، جماعة الإخوان والسلفيون يمكن أن يتلقوا الأموال من الخارج من دون أن تدخل فى حسابات أو تخضع لرقابة، هم دولة فوق الدولة، والإخوان حتى الآن جماعة ليس لها أى وضع قانونى ينظمها.
أما الأحزاب المدنية فتقدم كشف حساب ويراجعها الجهاز المركزى للمحاسبات وهذا يعنى غياب تكافؤ فرص.
•لكن بعد الانتخابات انطلقت دعوات لتنظيم التيار المدنى فى تيار ثالث وكنتم طرفا فى هذه المحاولات فكيف انتهت؟
لم تنته ولاتزال توجد اتصالات، لكنى اعتقد أن بناء تحالفات أو ائتلافات أو أى شىء غير حزبى ليس له مستقبل فى الفترة المقبلة، فالعمل الشعبى فى الميدان واللف فى الشارع له وقت محدد ولا يمكن أن يستمر طول الوقت.
الإخوان المسلمون، لأنهم براجماتيون، تركوا الميدان والثورة وركزوا فى تنظيم صفوفهم من أجل الانتخابات فلم يهتموا بالثورة وعودة حقوق الشهداء. والبعض يعتقد أن التيار الشعبى قادر على جمع الناس لكن الأحزاب هى من يتمكن من جمعهم وتنظيمهم.
•يمكن بناء التيار الثالث من خلال تكوين ائتلاف بين الأحزاب فما سبب التأخير؟
لبناء ائتلافات حزبية تواجهنا مشكلتان، الأولى تتعلق بالرؤية، إذ يجب أن تكون رؤاها قريبة ومتجانسة إلى حد ما، أما المشكلة الثانية فهى أن الأحزاب تحتاج قائدا له كاريزما وقادرا على جمع الأحزاب حوله.
•بعد وصول حمدين صباحى للمركز الثالث فى الانتخابات الرئاسية توقعنا ان يكون تيارا شعبيا ما رأيك؟
الناس توسمت خيرا فى صباحى لكنه لم يقم بالمبادرة فى جمع الناس حوله، هو قال إنه سيؤسس التيار الشعبى وأعلن أنه لن ينشئ حزبا ولن يعمل مع أحزاب. وفى الحقيقة لا نتواصل معه فى محاولة تشكيل التيار الثالث لكن نتواصل مع أعضاء حملته الذى يحضرون أحيانا اجتماعات التيار.
•كيف يمكن الخروج من تعقيدات الائتلافات الحزبية؟
أنا على اقتناع بضرورة الاندماج بين الأحزاب، الذى لا ينتج عنه مشكلات كثيرة مثلما يحدث فى حالة الائتلاف بينها، فعندما ننخرط فى حزب واحد تختفى المشكلات.
•لماذا تعطل الاندماج بين حزبى المصرى الديمقراطى والعدل؟
حدثت مفاوضات للاندماج، لكن الأمر توقف على اختيار الاسم، هم يريدون وضع كلمة العدل فى المصرى الديمقراطى ولم نصل لصيغة مرضية.
•ألا يعكس الخلاف على الاسم فقط مشكلة ضخمة؟
نعم لدينا مشكلة ضخمة عندما يتوقف اندماج حزبين بسبب الاسم، لكن فى الأحزاب الديمقراطية الحلول ليست سهلة، لأن القرار ليس فى يد رئيس الحزب، مثلما كان يحدث فى أحزاب ما قبل ثورة يناير أو فى الأحزاب الشمولية مثل الإخوان.
•وماذا عن إمكانية الاندماج مع حزب الدستور الذى يؤسسه محمد البرادعى؟
لا أتوقع الاندماج معه، لكنى أيضا لا أرفض الفكرة، فعندما يتأسس حزب الدستور ويكون البرادعى رئيسه ستتوافر فرصة جيدة لأحزاب مثلنا فى أن تتحد معه، فهو أيضا مبنى على الفكر الديمقراطى الاجتماعى.
•ما رأيك فى رئيس الحكومة الجديد هشام قنديل؟
لم أسمع عنه قبل توليه الوزارة، رغم أنه كان وزيرا، فمعظم الوزراء فى وزارة شرف والجنزورى لم نسمع عنهم، لكن بعدما عرفت عنه فهمت لماذا أتوا به رئيسا للوزراء، فهو رجل ليس سياسيا وليس له الحق فى اتخاذ أى قرار سياسى، هو عبارة عن وكيل وزارة جيد بدرجة رئيس وزراء، فالقرارات السياسية كلها لمجلس شورى الإخوان صاحب القرار. ولا أصدق أنه اختار الوزراء فالشخصيات التى التقاها قنديل، لإجراء مشاورات التشكيل أرسلها له شورى الإخوان.
•ما رأيك فى الجبهة الوطنية التى ساندت مرسى وطالبت بإسناد الوزارة لشخصية وطنية مستقلة؟
تضم الجبهة أشخاصا وطنيين ناضلوا كثيرا من أجل مصر، وهم فى هذه اللحظة الفارقة شعروا بأن وصول شفيق للرئاسة مصيبة على مصر، لذا طلبوا من مرسى ضمانات مقابل تأييده، وهم يعرفون جيدا، ولديهم خبرات طويلة مع الإخوان، أنهم غير صادقين ولا يوفون بالوعود، والدليل أنهم حصلوا على وعود وتعهدات موقعة، ومع ذلك خالف الإخوان الاتفاق.
مرسى هو الذى اتفق مع الجبهة الوطنية، وهو ليس له علاقة بالموضوع فالمسئول عن إدارة مصر، هو مجلس شورى الإخوان، فالوضع بالنسبة لرئيس الوزراء مثل عصر مبارك، رئيس الوزراء سكرتير، والرئيس مدير مكتب الإرشاد.
•على ماذا تراهن فى الدفاع عن هوية مصر ومدنية الدولة؟
نراهن على الشعب المصرى فى الحفاظ على مدنية الدولة، والانتخابات المقبلة لن يحصل الإخوان على المقاعد التى حصلوا عليها فى الانتخابات الأخيرة التى كانت نسبتها 44% وأتوقع أن تقل بنحو 10 إلى 15 % والأمر ذاته يتعلق بالسلفيين لأنهم أرهبوا الناس، وسيحصل المحسوبون على الحزب الوطنى أو الأحزاب الجديدة على نسبة مرتفعة من المقاعد.
•هل ستشارك فى التظاهر ضد الإخوان فى 24 أغسطس؟
أنا عن نفسى لن أشارك والحزب اتخذ قرارا بعدم المشاركة لكن يجب التأكيد على حق كل من أراد التظاهر السلمى، ويجب أن يتسع صدر الإخوان والرئيس للتظاهر والانتقادات ويجب أن يتوقفوا عن ملاحقة الصحفيين والإعلاميين.. رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء يجب أن يتسع صدرهما للنقد الشديد نظرا لطبيعة وظيفتهما.
كما أن غلق قناه تليفزيونية وصحيفة خطأ كبير وإحالة الإعلاميين للمحاكمة كارثة يجب أن يرجع عنها الرئيس فورا لأن محاولة قفل أبواب الصحافة والحرية الإعلامية تأتى بنتائج عكسية ضدهم وضد مرسى والوزارة.
•ما تقييمك لأداء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور؟
حتى الآن هناك عمل ومجهود جيد، لكنى لم أطلع على كل الصياغات وأترقب الفصل الخاص بالحقوق والحريات والمادة الخاصة بالأزهر.
ورئيس الجمعية شخصية محترمة، واللجنة بها أشخاص جيدون لكن أقلية، وللأسف بعض الشخصيات الليبرالية بالجمعية لعبت دورا ليخرج تشكيل الجمعية بهذا الشكل، الليبراليون فى مصر منقسمون تاريخيا، فهناك المنتمون لأحزاب ما قبل الثورة، الذين تعاملوا مع السياسة بنفس المنطق الذى تعاملوا به طول الوقت فى العهد السابق وخانوا قضية مدنية الدولة فى سبيل مكاسب شخصية، والقوى الليبرالية القديمة تبحث عن مصالحها الضيقة وغير منشغلة تماما بمدنية الدولة ومستقبلها.