مع اقتراب عام الانتخابات، ومع قلق المانحين اليهود وجامعى التبرعات بشأن موقف أوباما من إسرائيل، ألقى الرئيس أوباما بخطاب شجاع قال فيه لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إن «الاحتلال الدائم لا يمكن أن يحقق الحلم بدولة يهودية وديمقراطية» وحثه على قبول حدود إسرائيل على خطوط 1967 أو بالقرب منها. وكان الرئيس قد حصل على 78 فى المائة من أصوات اليهود فى انتخابات 2008. وربما تكلفه هذه الكلمات بعض هذه الأصوات على الرغم من أن مشاعر اليهود الأمريكيين تجاه إسرائيل تشهد تغيرا بطيئا. لكن الأصدقاء الحقيقيين أصدقاء حاسمون. والمصلحة الوطنية الأمريكية ليست فى الوضع المسموم الراهن بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولا شك أن نتنياهو، الذى سيلقى خطابا أمام الكونجرس الأمريكى الأسبوع المقبل، سوف يحاول تجاوز الرئيس والتوجه رأسا إلى تلك الجهات المانحة وجامعى التبرعات. فهو زعيم إسرائيل، لكنه يعرف أن دائرة انتخابية أساسية توجد فى الولاياتالمتحدة. وسوف يحاول تخطى أوباما، مدركا أن جمهوريا يأمل فى الترشيح مثل ميت رومنى، يتحدث بالفعل عن أن أوباما رمى «إسرائيل تحت عجلات حافلة». وسوف يحاول إعاقة الحركة، فوجود عملية بلا نهاية فى صالح إسرائيل. وهنا تكمن المعركة السياسية التى ستدور على مدى الأشهر المقبلة. وأفضل ما يمكن لأوباما ونتنياهو عمله هو تغطية خلافاتهما بورقة توت ديكورية. ويعتبر انعدام الثقة أسوأ أنواع السموم القاتلة، وكل من الرجلين يكن للآخر مقدارا كبيرا منه. والآن، يقول أوباما إن الحدود بين إسرائيل وفلسطين يجب أن تقوم على أساس «حدود عام 1967». وهذا صحيح، وهى المرة الأولى التى يقول فيها رئيس أمريكى ذلك. ولكن أوباما لايزال يتحدث عن «يهودا والسامرة»، وهو مصطلح، طبقا لبرنامج حزب الليكود الانتخابى، لا يعترف بهذه الخطوط، ولا يرى سوى أرض واحدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط. ويعتقد كل زعيم أن أمن إسرائيل فى الأجل الطويل، يعتمد على هيمنة رأيه. وبأذرع مفتوحة، ينتظر الكونجرس ذو الأغلبية الجمهورية نتنياهو وكذلك منظمة إيباك، اللوبى القوى المؤيد لإسرائيل. ولا تقل قابلية نتنياهو للتأثر بالإطراء عن أى شخص عادى. وهذه ليست خلفية تشجع على اتخاذ خيارات صعبة. ولكن عليه أن يتخذ هذه الخيارات، وإلا سيشهد تزايد عزلة إسرائيل وعدم استقرارها. فهل يستطيع نتنياهو، وسط التغير الديمقراطى والحراك الذى يجتاح المنطقة، تجاوز التكتيكات قصيرة الأجل، إلى وضع استراتيجية لأمته تنتشلها من عقلية الحصار؟ أشك فى ذلك. وأعرف أنه سيعتبر فاشلا إذا رفض، الآن، إبداء حسن النوايا لمعرفة ما إذا كان يمكن ضمان أمن إسرائيل مع إقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وغزة. فهذا يعنى رفع يد إسرائيل من على الحدود بنفس الوضوح الذى أظهره الرئيس. وكما أشار أوباما، فالاحتلال يعتبر «إذلالا». وهو إذلال يشبه ما تعرض له من قبل بائع الفاكهة التونسى الشاب الذى أطلق الربيع العربى الباهر. وليس هناك ما يضمن أن يتوقف هذا النضال من أجل الكرامة والحكم الذاتى عند باب فلسطين، أو أن سعى إسرائيل للأمن يمكن مواصلته من خلال الجدران وحدها. لقد تغلب عشرات الملايين من العرب على حالة الشلل من الخوف. وقد فات الوقت على إسرائيل أن تفعل نفس الشىء. يمكن دائما استدعاء أى شبح: إيران، حماس، حملات نزع الشرعية من أجل رفض السلام. وهذه التهديدات قائمة، لكننى أعتقد أن أكثر ما سيسبب تدهور إسرائيل هو استمرار هيمنتها على شعب آخر. وهذا هو السبيل الأخطر. وقد كان أوباما محقا؛ فالمقايضة الأساسية يجب أن تكون الأمن الإسرائيلى مقابل السيادة الفلسطينية. وعلى كل طرف إقناع الآخر بأن السلام سيحقق ذلك. ويبدأ الأمن الإسرائيلى بتعهد حماس وفتح المتصالحتين بعدم اللجوء نهائيا للعنف، مع قبول فلسطينى لدولة منزوعة السلاح، وقبول فلسطينى بأن السلام القائم على دولتين ينهى جميع أشكال المطالبة بالأراضى. وتبدأ السيادة الفلسطينية مع ما اسماه أوباما: «الانسحاب الكامل والتدريجى لقوات الأمن الإسرائيلية» بما فى ذلك من حدود منطقة نهر الأردن. ومع إزالة جميع المستوطنات التى لا تقع فى المناطق «المتفق على تبادلها». وهذا أمر صعب، لكنه ممكن. فخطوط 1967 ليست «الدفاع عنها غير ممكن» كما أعلن نتنياهو فى رده الفورى على خطاب أوباما. وإنما ما «لايمكن الدفاع عنه» بمرور الوقت هو استعمار أرض شعب آخر. وهى عملية استمرت مع توسيع المستوطنات فى تحد لمطالبة أوباما. ومن ثم، كان الرئيس محقا عندما تراجع عن قبول الرئيس جورج دبليو بوش «للمراكز السكانية الإسرائيلية الكبرى القائمة بالفعل» ما وراء خطوط 1967. وقد ظل الفلسطينيون يتخذون خطوات خاطئة لا تحمد عواقبها. فيجب مقاومة إغراء التصرف الأحادى المتمثل فى المطالبة باعتراف الأممالمتحدة بدولة فى سبتمبر: فهذا يمثل عودة إلى رمزية غير مجدية، وإلى حكاية الضحية. فمثل هذا الاعتراف وبطبيعة الحال لن تقدمه الأممالمتحدة لن يغير حقيقة واحدة على الأرض، أو يحسن كثيرا من وضع الفلسطينيين. فالأمر الذى حقق أفضل تحسن لأوضاعهم هو قيام رئيس الوزراء سلام فياض ببناء المؤسسات فى الضفة الغربية، وتبنيه لسياسة اللاعنف، ورفضه السماح لأحزان الماضى بالوقوف فى وجه بناء المستقبل. وأمام ذلك كله لم يعرض نتنياهو سوى الإحجام بدعوى أن إسرائيل ليس لديها شريك تبنى معه السلام. ولكن هذا الشريك لديها؛ إذا أدركته فحسب ودعمته، فهناك شخص ما يوجد وراء السياج.