ما هى فائدة الحدود القابلة للدفاع عنها فى زمن الصواريخ؟ يذّكر أكثر من جنرال أمريكى أنه فى أثناء حرب الخليج الأولى فى سنة 1991، قصفت الولاياتالمتحدة العراق بآلاف الصواريخ والقذائف، لكن صدام حسين لم يستسلم للائتلاف الذى كانت تقوده الولاياتالمتحدة إلا بعد احتلال وحدات مدرعة أمريكية ثلث العراق، وباتت الطريق إلى بغداد مفتوحة. وهذا ما حدث أيضا فى سنة 2003، فالحسم لم يتم بواسطة الهجوم الصاروخى. وهذا الأمر ينطبق على إسرائيل أيضا. فالحدود القابلة للدفاع عنها لم تُعتبر، ولا فى يوم من الأيام، العامل الذى سيحمى إسرائيل بصورة محكمة من المخاطر التى تتهددها، وإنما هى التى ستمنع قوات العدو البرية من استغلال قلة عدد الجيش الإسرائيلى النظامى من أجل تحقيق نصر صاعق بواسطة الغزو واحتلال أراض. وفى الواقع، فى زمن الصواريخ، من المفترض أن تصبح الحدود القابلة للدفاع عنها أكثر أهمية. فعلى سبيل المثال، تحتاج إسرائيل إلى 48 ساعة من أجل استكمال عملية تعبئة الاحتياط، لكن فى حال تعرضت الجبهة الداخلية فى إسرائيل لهجوم بالصواريخ الباليستية أو حتى بالصواريخ القصيرة المدى، فإن ذلك من المحتمل أن يؤدى إلى عرقلة تعبئة الاحتياط. فى مثل هذا الحالة، سيضطر الجيش النظامى إلى القتال مدة طويلة من دون الدعم الكامل من قوات الاحتياط. علاوة على ذلك، فإن مهمة سلاح الجو الإسرائيلى ستكون تحديد وتدمير مواقع إطلاق الصواريخ فى أنحاء الشرق الأوسط كافة، ولن يكون فى قدرته تقديم الدعم الجوى للقوات المحاربة فى المراحل الأولى للقتال. وفى مثل هذا الوضع، سيكون مهما جدا نشر قوات نظامية على طول الحدود القابلة للدفاع عنها. ربما هناك من سيقول إن مصطلح الحدود القابلة للدفاع عنها فى الضفة الغربية كان مهما حتى سنة 1991 فقط، عندما تخوفت إسرائيل من انضمام ثلث الجيش العراقى إلى الجبهة الشرقية، وقيامه بمهاجمة إسرائيل كما فعل فى سنوات 1948، و1967. و1973 لكن يجب ألاّ نضع أُسسا للتخطيط الاستراتيجى استنادا إلى حقيقة موقتة ربما تتبدل بسهولة. فإيران تقيم علاقات وثيقة بعدد كبير من السياسيين الشيعة الذين يحكمون العراق الجديد، وقد كشفت وثائق ويكيليكس أن إيران تصرف ما بين 100 و200 مليون دولار سنويا على السياسيين العراقيين. ولا تستبعد التقديرات إمكان تحوّل العراق إلى دولة تابعة لإيران، بعد أن تُخرج الولاياتالمتحدة قواتها من العراق. وإلى جانب أهمية الحدود القابلة للدفاع عنها فى الحروب التقليدية، فقد بات من الواضح اليوم مدى أهميتها فى الحرب على الإرهاب أيضا. فإسرائيل هى الدولة الوحيدة التى واجهت الإسلام الراديكالى فى ساحة القتال من دون أن تضطر إلى مواجهة آلاف المتطوعين الآتين من الخارج، مثلما جرى فى أفغانستان واليمن والعراق والصومال. علاوة على ذلك، نجحت إسرائيل فى منع دخول سلاح إلى الضفة الغربية من شأنه أن يخرق التوازن القائم، وذلك بفضل سيطرتها على غور الأردن (بعد الانسحاب من محور فيلادلفيا، دخل هذا النوع من السلاح إلى غزة بكميات كبيرة)، وفى حال تنازلت إسرائيل عن غور الأردن وعن حقها فى الحدود القابلة للدفاع عنها فى الشرق، فإن المعركة ضد حماس ستتغير كليا. فى الختام، فإن الذين يرفضون مصطلح الحدود القابلة للدفاع عنها بحجة أنه بات نظرية قديمة، يؤمنون، بصورة عامة، بقدرة إسرائيل على استخدام سلاح شديد القوة قادر على القضاء على أعدائها فى الحرب المقبلة. ففى الماضى كان هناك من قال بعدم أهمية الحدود القابلة للدفاع عنها لأنه «بعد الانسحاب، فإننا، فى مقابل كل كاتيوشا تُطلق علينا، سنمحو بلدة بأكملها». وهذا كلام لا ينطوى على خلل أخلاقى فحسب، بل يتجاهل الحقائق أيضا. فمن الدروس المهمة التى تعلمتها إسرائيل فى الحروب الأخيرة، وجود حدود لاستخدام السلاح يعتبرها العالم شرعية، وحتى فى حرب مبررة تماما. على دولة إسرائيل أن تقيم التوازن بين رغبتها فى حل النزاعات الإقليمية مع جيرانها، وبين واجبها فى تقليص نقاط الضعف التى ربما يستغلها الأعداء ضدنا. وضمن هذه المعادلة، على إسرائيل ألاّ تتعلق بأوهام خطرة مثل عدم فائدة الحدود القابلة للدفاع عنها فى العقيدة الأمنية الفعلية لإسرائيل.