علي الرغم من أن الاهتمام بالقدرات الإستراتيجية الإيرانية قد تركز خلال 2007 علي البرنامج النووي لتخصيب اليورانيوم في إيران، إلا أن ذلك العام قد شهد تطورات لاتقل أهمية علي مستوي تطوير الصواريخ متوسطة المدي، وربما يتضح في المستقبل القريب أن الإنجاز الحقيقي الذي أحرزته إيران كان "صاروخيا" وليس نوويا، إلا أنه إنجاز يثير أيضا مثل خيارها النووي أسئلة محيرة، فعلي الأرجح يوجد قدر من المبالغة بهذا الشأن أيضا. إن أهمية الصورايخ الباليستية في الشرق الأوسط لاتأتي فقط من انتشارها علي نطاق واسع لدي حوالي 7 دول في الإقليم هي إسرائيل ومصر وسوريا وليبيا والسعودية وإيران واليمن، لكن لأنها قد استخدمت فعليا في المعارك الإقليمية 5 مرات علي الأقل، بصورة بدت مدمرة أحيانا كما حدث بين إيران والعراق في الثمانينيات، أو مرعبة كما حدث بين العراق وإسرائيل عام 1991، فهي بمنطق الشرق الأوسط أسلحة للاستخدام وليس للتهديد. يضاف إلي ذلك أن إستراتيجيات استخدام الصواريخ ظلت تلقي بمفاجآت مستمرة، قياسا علي ماهو مستقر نظريا بشأنها، كما حدث عندما استخدمت في صراع سلطة داخلي في عدن عام 1986، أو عندما بدا أن مجرد صواريخ مدفعية قصيرة المدي مثل كاتيوشا يمكن أن تستخدم كسلاح إستراتيجي كما جري في حرب لبنان عام 2006، وبالتالي ظلت الصواريخ تطرح تساؤلات طوال الوقت. إن إيران تحديدا تعرف جيدا مالذي تعنيه الصواريخ متوسطة المدي، فقد عانت من تجربة قاسية خلال حرب ال 8 سنوات مع العراق، عندما قرر الطرفان استخدامها بصورة مكثفة ضد عاصمتي الدولتين، مما أدي إلي خسائر فادحة قادت إلي نزوح واسع إلي خارج طهران، كما أن الأطراف الأخري المعنية بقدرات إيران العسكرية تدرك جيدا ما الذي تعنيه تلك الصواريخ، علي ضوء ثلاثة عوامل رئيسية، هي : 1 _ أن برامج تطوير الصواريخ الإيرانية تتسم بالطابع المحلي، فقوة إيران الصاروخية لاتعتمد علي الشراء من الخارج وإنما علي التطوير من الداخل، ومن الصحيح أنها تعتمد علي نماذج خارجية وتعاون خارجي، لكنها اكتسبت القدرة علي التطوير المحلي، بما يفتح آفاقاً واسعة تتعلق بأعداد الصواريخ ومدياتها الجغرافية ورءوسها الحربية. 2 _ أن أعمال التطوير الصاروخية في إيران قد توازت مع ما قيل عن سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية، ومن هنا أتت كل المخاوف، فالصواريخ الحاملة لرءوس عادية لاتمثل في حد ذاتها_ في معظم الأحوال _ سوي سلاح تقليدي يتمتع بقدرة واسعة علي الاختراق والوصول للهدف، لكن إذا تم تحميلها برءوس نووية تتحول إلي سلاح مرعب. 3 _ أن أعمال التطوير الصاروخية الإيرانية تجري في ظل حالة حرب محتملة في المنطقة بين الولاياتالمتحدةوإيران، وبالتالي تطرح مشكلات الاستخدام الفعلي لها، في منطقة ذات أبعاد جغرافية ضيقة، وتتمركز فيها مصالح حيوية قابلة للاشتعال كحقول النفط، والقواعد العسكرية، والمدن الحديثة. 4 _ أن الصواريخ هي السلاح الوحيد تقريبا الذي يتمتع بمصداقية عالية في استمرارية استخدامه في حالات الحرب، كما حدث في عام 1991 مع العراق، فقد توقفت كل أنظمة التسليح العراقية عن العمل، ماعدا الصواريخ التي ظل العراق يطلقها حتي أيام الحرب الأخيرة، وظلت تصل لأهدافها رغم وجود أنظمة باتريوت المضادة لها. إن النقطة الأخيرة هي الأكثر أهمية، فهناك تقديرات متفاوتة بشأن الفعالية المحتملة لعناصر القوة النظامية الإيرانية، وقدرتها علي العمل في ظل خبرة حروب الخليج السابقة، التي جرت بين العراق وإيران أو بين الولاياتالمتحدة والعراق. إن الفكرة التي لايمكن تجاهلها هي أن الصواريخ تمثل أهمية خاصة في حسابات ألعاب الحرب المتصورة مع إيران، لكن بعد تلك النقطة تبدأ التعقيدات، فلم يعد يمر شهر واحد دون أن تعلن إيران عن امتلاكها نظاماً صاروخياً جديداً، أو جيلاً أكثر تطورا من نظام صاروخي قائم، أو نوعية غير معروفة شديدة التقدم لنظم صاروخية مختلفة، لدرجة أصبح من الصعب معها، حتي بالنسبة للمتخصصين، أن يتم حصر أو تقييم مالدي إيران بالفعل من صواريخ، وما إذا كان الأمر يتعلق بمشروعات وتجارب أو بأنظمة نهائية دخلت الخدمة، أو حتي إدراك الفارق الدقيق بين طرازات صواريخ شهاب المختلفة. وبعيدا عن كل التفصيلات الفنية الخاصة بقوة إيران الصاروخية، يمكن الإشارة إلي مايلي : 1- أن إيران تمتلك أعدادا كبيرة وطرازات متعددة من صواريخ المدفعية أو الصواريخ الساحلية قصيرة المدي، التي يتراوح مداها المؤثر بين 25 _ 150 كلم، وهنا تأتي كل المسميات الشائعة أو المعدلة مثل فجر وشاهين أو رعد وزلزال وفتح وذو الفقار وشفق ونور، وغيرها من الصواريخ التي هدد أحد قادة الحرس الثوري بإمكانية إطلاق 11 ألف صاروخ منها علي الفور في حالة وقوع أية حرب ضد إيران. 2 _ أن إيران تمتلك طرازا مطورا واحدا مؤكدا من الصواريخ الباليستية متوسطة المدي "داخل الخدمة" هو شهاب 3- الذي يتراوح مداه بين 1000- 1300 كلم، إضافة إلي الطرازات الأقل مدي منه، وقد تم تطويره فعليا فيما يبدو ليتمكن من حمل رءوس تقليدية تتكون من قذائف عنقودية، ولايوجد تقدير محدد لأعداد تلك الصواريخ، ومنصات إطلاقها، فهناك إشارات إلي عشرات أو مئات. 3 _ أن إيران تقوم بتطوير صواريخ أكثر تقدما من شهاب-3، في اتجاه امتلاك صواريخ طويلة المدي تصل إلي 3600 كلم، أو كما يقال صواريخ عابرة للقارات، استنادا علي طرازات تايبودونج الكورية الشمالية أو س. س- 4 الروسية، لأغراض عسكرية أو مدنية خاصة بإطلاق الأقمار الصناعية، وهي لاتزال تحت الاختبار، ولاتوجد مؤشرات حول مدي اقترابها من ذلك. لقد أدي هذا الوضع إلي سيطرة تقييمات متباينة حول قوة إيران الصاروخية، مثلما حدث بشأن قدراتها النووية، وساهمت المناورات والعروض العسكرية والتصريحات المتتالية في زيادة الارتباك، لكن المؤكد أن إيران لديها قوة صاروخية فعالة، فحتي تلك الصواريخ قصيرة المدي، يمكن أن تمثل أهمية في ظل سيناريوهات محددة تتعلق بالقوات الأمريكية في الخليج أو مضيق هرمز الملاصق أو قواعد الكويت القريبة. لكن الصواريخ الأطول مدي هي التي كانت تثير عادة ضجة أكبر من غيرها، بفعل إمكانية استخدامها داخل الإقليم ضد إسرائيل، أو إمكانية أن يتجاوز مداها حدود المنطقة إلي مسرح عمليات أوروبا، أو أنها وفقا لتقديرات الرئيس بوش _ يمكن أن تصل إلي الأراضي الأمريكية بحلول عام 2015. هنا تبدو الصورة معقدة، فقد سبق وشهدت المنطقة مثل تلك الحالة عامي 1989 1990 عندما توالت الإعلانات العراقية عن وجود صواريخ مطورة كالحسين والعباس، أو صواريخ مضادة للصواريخ مثل "تقاطع الفاو"، أو صواريخ متعددة المراحل مثل "العابد"، قبل أن يتضح أن الصواريخ المطورة ليست شديدة الفعالية، عندما استخدمت فعليا عام 1991، أو أن بقية الطرازات المتقدمة كانت مشروعات أو "دعاية". في حالة إيران تميل الولاياتالمتحدة إلي التضخيم من قدرات إيران الصاروخية، علي النحو الذي أدي بها إلي إلي إثارة مشكلة برنامج الدرع الصاروخي في أوروبا، أو مشروع إقامة نظام مضاد للصواريخ في الخليج، والحديث أحيانا عن احتمالات حرب عالمية ثالثة، بينما تؤكد روسيا علي ماتسميه ضرورة وجود "رؤية واقعية حول مدي توافر الخطر الصاروخي علي أرض الواقع"، في ظل تقدير بأن الدرع الأوروبي يستهدف صواريخها هي وليس صواريخ إيران. إن مشكلة ترجيح وجهة نظر علي أخري لاتخل من مشكلات، فكل من طهران وواشنطن معا تبالغان علي الأرجح في تقدير مدي فعالية أو خطورة قدرات إيران الصاروخية، ولكل منها هدفه الخاص، بينما تبدو روسيا الأكثر قربا من الصناعة العسكرية الإيرانية متحفظة نسبيا في تقديراتها، ولديها هي الأخري مايدفعها إلي ذلك. من جانب آخر، فإن من المؤكد أن مايثار بشأن طرازات تلك الصواريخ وأعدادها المحتملة لدي إيران، ومدياتها الجغرافية، وربما وزن رءوسها الحربية، أكثر مصداقية مما يثار بشأن خصائصها الأكثر تطورا. وتظل في النهاية، ثمة مشكلة تتعلق بإستراتيجية استخدام تلك الصواريخ في لحظات الحقيقة، فقد كتب علي أحد طرازاتها في أحد عروض إيران العسكرية "شطب إسرائيل من الخريطة"، ومن الممكن الجدل طويلا حول مثل تلك التوجهات، لكن المهم أنه إذا لم تكن هناك إستراتيجية استخدام منضبطة لها، فإن تلك القوة يمكن أن تعاني من فقدان الهدف.