«المرشح على قائمة الحكومة»، هكذا كان يطلق عليه أثناء خوضه انتخابات رئاسة نادى قضاة مصر. كان التوقيت حرجا والمرحلة مصيرية فى تاريخ القضاة، إما أن ينتصر تيار الاستقلال الذى ينادى برفع يد النظام السابق عن عنق العدالة، أو تجهض تلك الشرارة التى أشعلها المستشاران هشام البسطويسى ومحمود مكى بعد انتخابات برلمان 2005، وتخمدها قائمة المستشار أحمد الزند المحسوبة على وزير العدل الأسبق ممدوح مرعى. بلهجة حادة وتهكم واضح وانفعال غير محسوب اتسمت المؤتمرات الصحفية لرئيس نادى قضاة مصر، كان ختامها ذلك المؤتمر الذى هدد فيه أعضاء برلمان الثورة، مستخدما عبارات قاسية فى وصف المنتقدين للأحكام الصادرة على مبارك وأعوانه، وبلغة جسد وأداء اعتبره كثيرون لا يليق بهيبة القضاء، ولا يتناسب حتى مع أناقة مبنى النادى المميز الواقع بين شارعى عبدالخالق ثروت وشامبليون بوسط القاهرة، قال «لولا الانتخابات البرلمانية ما شوفنا وشكم».
اعتبر الجميع أن ذلك المؤتمر هو ختام جولات الزند العنيفة، خصوصا بعد الانتقادات الشديدة التى وجهت له عقب بعده، الا أن رجل المفاجآت ظهر من جديد ممهلا رئيس الجمهورية المنتخب 36 ساعة حتى يعود إلى رشده ويعتذر عن قراره بعودة مجلس الشعب للانعقاد مرة أخرى.
قالها الزند بحدة ونبرة تهديد «قادرون على وقف مهزلة عودة البرلمان»، ثم طل صوته هادئا مبشرا توفيق عكاشة على قناة الفراعين بأنه بين النخبة والمثقفين، حين قال له «صرت علامة على الوطنية والشهامة والرجولة، وصدقنى الكل يعمل لك ألف حساب، سر على بركة الله، لن يستطيع أحد أن يمسك بسوء لأنك مخلص».
فجر رئيس نادى قضاة مصر الجدل حوله من جديد، وبدأت ردود الأفعال تتوالى على الزند عقب المؤتمر، الذى اعتبره البعض إهانة لرئيس الجمهورية، فذكرته جماعة 6 أبريل وعدد من النشطاء بمواقفه أثناء تزوير الانتخابات، بينما طالبه اتحاد المحامين العرب على صفحته على فيس بوك بتقديم استقالته.
أزمات وأزمات بدأها الزند قبل عامين عندما هاجم المحامين أثناء أزمتهم مع أعضاء النيابة العامة والقضاة فى طنطا، واستخدم ألفاظا عنيفة فى وصفهم فى بيان قال عنهم فيه إنهم «القلة الباغية».
وتحولت الأزمة فى جانب منها إلى أزمة شخصية بين الزند، وحمدى خليفة نقيب المحامين وقتها، وبدأت تتصاعد وتيرة التصريحات الساخنة بينهما، وصلت إلى الحديث عن مسائل شخصية، عاير خليفة فيها الزند بارتدائه الجبة والقفطان أثناء عمله فى الإمارات، وفى المقابل، رد الزند قائلا: «أبقى خطيب بدلا من أن أكون لصا».
وفى أزمته مع المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض السابق حول تعديلات قانون السلطة القضائية، تخطى الأمر حدود الاختلاف القانونى، ووصل إلى حد التراشق اللفظى والاتهامات بالظلم والتحيز.
ورغم أن رئيس نادى قضاة مصر قد اشتهر فى السابق بكونه مرشح الحكومة المدعوم من النظام لوأد التيار المسمى باستقلال القضاء، الا أنه فاز بشكل طبيعى فى انتخابات التجديد النصفى للنادى، فى الوقت الذى شن فيه مرشحو تيار الاستقلال فيه هجوما عنيفا على مجلس ادراة النادى برئاسته، مروجين فى دعايتهم إلى تقاعس المجلس عن اتخاذ مواقف جادة إزاء حالات الاعتداء التى تعرض لها عدد من القضاة، وأشاروا إلى تدنى الخدمات المقدمة لهم وفشل المجلس فى تحقيق البرنامج الذى أعلنه قبل فوزه فى الانتخابات الأخيرة.
فى محافظة الغربية ولد المستشار أحمد الزند، وتدرج فى السلك القضائى حتى وصل إلى منصب رئيس الاستئناف بمحكمة استئناف القاهرة، وقت أن أصبح رئيسا لنادى قضاة مصر.
قبل أن يظهر الزند على الساحة كرئيس للنادى، لاحقته ايضا بعض الأزمات، أبرزها كان تقديم النائب السابق عن الاخوان المسلمين أحمد أبوبركة طلب إحاطة لمجلس الشعب فى 2005 طالب فيه المجلس الأعلى بالتحقيق فيما تردد عن عمل الزند فى وظيفة أخرى غير قضائية أثناء إعارته 4 سنوات لدولة الإمارات، وكان قد أشيع عنه أنه تميز بإلقاء خطبة الجمعة هناك.
خرج الزند فى مؤتمره قبل الأخير الذى دافع فيه عن هيبة القضاء التى لغا فيها نواب الشعب، على حد قوله، وطعنوا فى حيادها ونزاهتها، وتحسس أسلحته أمام من يحاول النيل من القضاة، فاعتبر أن طريقة بعض ضباط الشرطة العسكرية فى تحققهم من بطاقات الهوية لبعض القضاة قبل دخولهم اللجان، تمثل «إهانات بالغة»، وفى المقابل اكتفى ببيان يشجب ويندد فيه ما حدث مع المستشار وليد الشافعى الرئيس بمحكمة الجيزة الابتدائية فى انتخابات 2010، عندما تعرض للاعتداء عليه من قبل رئيس مباحث البدرشين الذى أهانه ومنعه من أداء عمله بالكامل.
توعد الزند يومها بأن يكون هناك موقف رادع، وأصدر النادى بيانا يستنكر فيه ما حدث للقاضى، «ما وقع من تجاوزات واعتداءات لن يمر مرور الكرام ولن يفلت مرتكبوه من العقاب»، ثم لم يحدث شىء، ولم يطالب الزند قاضيا واحدا حينها بالامتناع عن المشاركة فى الانتخابات.
صمت الزند حين كان عليه أن يتكلم، فواجهه المنتقدون بموقفه عندما تعاملت قوات الأمن مع شيوخ القضاة فى وقفتهم الشهيرة أمام ناديهم فى 2006، وحشد نظام مبارك لهم عشرات الآلاف من جنود الأمن المركزى والقوات الخاصة وقوات مباحث أمن الدولة، فى إهانة عظيمة لاستقلال وهيبة القاضى، الذى لم يخرج الزند مدافعا عنه حينها ولو بالمشاركة.
وعندما ثار الشعب ضد الظلم رفض الحاصل على أصوات رعاة الحق مشاركتهم فى الميدان، وقال فى تصريحات تليفزيونية، «من فى الميدان لا يمثل قضاة مصر، لأن القضاة يجب ألا يشاركوا الغوغاء والعامة».
«لن يتم تعديل قانون السلطة القضائية عبر هذا البرلمان»، قالها رئيس نادى قضاة مصر، وصفق الحضور لحماسه، ففتح الباب أمام حرب جديدة مع نواب الشعب، من ناحية، ومع المطالبين بتطهير القضاء من ناحية أخرى، لكنه علق على أداء القضاة ايضا قائلا «اللى هيغلط هنقطع رقبته».
جولات الرد على الزند بدأها قبل شهر الموقع الالكترونى لجماعة الاخوان المسلمين عندما نشر مقالا بعنوان «المستشار أحمد الزند تاريخ من الفشل والفتن»، سرد كاتبه بعض الوقائع عن تاريخ رئيس النادى منذ توليه رئاسته، فقال «تورط الزند فى بداية عهده فى محو أى آثار لمجلس النادى فى عهد سلفه المستشار زكريا عبدالعزيز، حيث أغلق الموقع الإلكترونى للنادى، وأنشأ موقعا جديدا، وحذف منه تاريخ النادى منذ عام 1963 وحتى الآن».
وبسرعة غير متوقعة دقت الجولة الثانية أجراسها، بين الزند والمستشار محمود الخضيرى عضو مجلس الشعب ونائب رئيس محكمة النقض المستقيل. انتقض الأخير تصريحات الأول، فباغته الزند قائلا «للخضيرى شرف التعليق على كلامى، وأقول له أنت آخر من تتكلم، ولتصمت عندما يتحدث رئيس نادى قضاة مصر، وتحدث باحترام عمن حلمت بتبؤ مكانه أنت وغيرك».