افتتاح النسخة الثانية من معرض كنوز مطروح بمحافظة الدقهلية    الهلال الأحمر الفلسطيني: فقدنا 29 طفلا خلال أيام بسبب الجوع في غزة    ترامب: المحادثات النووية مع إيران تسير في الاتجاه الصحيح    بيراميدز يخوض مرانه الأول في بريتوريا استعدادا لنهائي دوري الأبطال    وزير الشباب والرياضة يفتتح تجديدات ملعب استاد المنصورة    وزارة الثقافة تصدر كتاب قراءات في النقد الأدبي للدكتور جابر عصفور في هيئة الكتاب    تعرف على قرارات النيابة في حادث دائري البساتين    جيش الاحتلال: إصابة قائد دبابة اليوم بجروح خطيرة خلال المعارك في شمال غزة    نتنياهو: مستعد لهدنة مؤقتة مقابل الإفراج عن الأسرى    البيئة تنظم فعالية تشاركية بشرم الشيخ بمشاركة أكثر من 150 فردًا    رئيس جامعة المنيا يشهد مهرجان حصاد كلية التربية النوعية 2025| صور    عرض رسمي جديد من الزمالك لعبدالله السعيد «تفاصيل»    المجلس القومي للمرأة ينظم لقاء رفيع المستوى بعنوان "النساء يستطعن التغيير"    خسائر بالملايين.. قائمة السيارات المحترقة في حادث الواحات (نص كامل)    وزير الشباب والرياضة يشارك في مناقشة دكتوراه بجامعة المنصورة    كيف علق نجوم الفن على رقص أسماء جلال بعيد ميلادها ال 30 ؟    إشادات نقدية للفيلم المصري عائشة لا تستطيع الطيران في نظرة ما بمهرجان كان السينمائي الدولي    محمد مصطفى أبو شامة: يوم أمريكى ساخن يكشف خللًا أمنيًا في قلب واشنطن    المسجد الحرام.. تعرف على سر تسميته ومكانته    رئيس الوزراء يلتقي وفد جامعة أكسفورد (تفاصيل)    ماغي فرح تفاجئ متابعيها.. قفزة مالية ل 5 أبراج في نهاية مايو    40 ألف جنيه تخفيضًا بأسعار بستيون B70S الجديدة عند الشراء نقدًا.. التفاصيل    تعمل في الأهلي.. استبعاد حكم نهائي كأس مصر للسيدات    طلاب الصف الخامس بالقاهرة: امتحان الرياضيات في مستوى الطالب المتوسط    الحكومة تتجه لطرح المطارات بعد عروض غير مرضية للشركات    رئيس الوزراء: تعزيز جهود زيادة التبادل التجاري والاستثماري بين مصر وبلغاريا    تفاصيل مران الزمالك اليوم استعدادًا للقاء بتروجت    بوتين: القوات المسلحة الروسية تعمل حاليًا على إنشاء منطقة عازلة مع أوكرانيا    «الأعلى للمعاهد العليا» يناقش التخصصات الأكاديمية المطلوبة    نماذج امتحانات الثانوية العامة خلال الأعوام السابقة.. بالإجابات    الأعلى للإعلام يصدر توجيهات فورية خاصة بالمحتوى المتعلق بأمراض الأورام    البابا تواضروس يستقبل وزير الشباب ووفدًا من شباب منحة الرئيس جمال عبدالناصر    السفير الألماني في القاهرة: مصر تتعامل بمسئولية مع التحديات المحيطة بها    وزير الصحة ونظيره السوداني تبحثان في جنيف تعزيز التعاون الصحي ومكافحة الملاريا وتدريب الكوادر    محافظ البحيرة تلتقي ب50 مواطنا في اللقاء الدوري لخدمة المواطنين لتلبية مطالبهم    تعرف على قناة عرض مسلسل «مملكة الحرير» ل كريم محمود عبدالعزيز    إحالة أوراق 3 متهمين بقتل بالقناطر للمفتي    محافظ أسوان يلتقى بوفد من هيئة التأمين الصحى الشامل    «العالمية لتصنيع مهمات الحفر» تضيف تعاقدات جديدة ب215 مليون دولار خلال 2024    أدعية دخول الامتحان.. أفضل الأدعية لتسهيل الحفظ والفهم    الأمن يضبط 8 أطنان أسمدة زراعية مجهولة المصدر في المنوفية    أمين الفتوى: هذا سبب زيادة حدوث الزلازل    الأزهر للفتوى يوضح أحكام المرأة في الحج    كرة يد - إنجاز تاريخي.. سيدات الأهلي إلى نهائي كأس الكؤوس للمرة الأولى    "سائق بوشكاش ووفاة والده".. حكاية أنجي بوستيكوجلو مدرب توتنهام    "آيس وهيدرو".. أمن بورسعيد يضبط 19 متهمًا بترويج المواد المخدرة    ضبط 9 آلاف قطعة شيكولاته ولوليتا مجهولة المصدر بالأقصر    عاجل.. غياب عبد الله السعيد عن الزمالك في نهائي كأس مصر يثير الجدل    وزير الداخلية الفرنسي يأمر بتعزيز المراقبة الأمنية في المواقع المرتبطة باليهود بالبلاد    الكشف عن اسم وألقاب صاحب مقبرة Kampp23 بمنطقة العساسيف بالبر الغربي بالأقصر    الزراعة : تعزيز الاستقرار الوبائي في المحافظات وتحصين أكثر من 4.5 مليون طائر منذ 2025    سعر الريال القطرى اليوم الخميس 22-5-2025 فى منتصف التعاملات    محافظ القاهرة يُسلّم تأشيرات ل179 حاجًا (تفاصيل)    راتب 28 ألف جنيه شهريًا.. بدء اختبارات المُتقدمين لوظيفة عمال زراعة بالأردن    "صحانا عشان الامتحانات".. زلزال يشعر به سكان البحيرة ويُصيبهم بالذعر    طلاب الصف الأول الثانوي يؤدون اليوم امتحان العلوم المتكاملة بالدقهلية    هبة مجدي بعد تكريمها من السيدة انتصار السيسي: فرحت من قلبي    حكم من يحج وتارك للصلاة.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب البطالة لحسين عفيف وثيقة مجهولة فى ميراث الإصلاح الليبرالى
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 06 - 2012

يثير النقاش الدائر فى مصر الآن بشأن تصورات النخبة المصرية لخطوات الإصلاح السياسى والاجتماعى المنشود تساؤلات عن علاقتنا بالإرث الذى تركه جيل من المفكرين المصريين عمل طوال النصف الأول من القرن العشرين على طرح تصورات لعملية الإصلاح فى مفهومها الشامل.

وفى طليعة مفكرى هذا الجيل الشاعر حسين عفيف الذى يعرفه البعض كرائد من رواد التجديد الأدبى بسبب مغامرته فى كتابة قصائد الشعر المنثور، وفى المقابل تجهل النخبة المصرية بصورة تامة كتاباته الفكرية التى سعت إلى وضع برنامج ليبرالى لعملية الإصلاح التى كانت الشغل الشاغل لمثقفى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى.

والأسبوع الماضى مرت الذكرى الثالثة والثلاثين لوفاة عفيف الذى ولد عام 1902، واشتغل بالمحاماة ثم دخل سلك القضاء عام 1943، وانتهت حياته الوظيفية رئيسا لمحكمة استئناف الجيزة (1962/1965). وقبل التحاقه بالقضاء اشتبك حسين عفيف كسائر شباب جيله مع الحياة السياسية والاجتماعية منذ ثورة 1919، وكتب المنشورات الثورية، ثم انضم فى مرحلة لاحقة فى الثلاثينيات إلى حزب العمال الذى أسسه النبيل عباس حليم، كما كان من مؤسسى جمعية الشبان الحقوقيين، وامتد نشاطه إلى نشر بعض المقالات التى تتضمن رؤيته لأزمات المجتمع وناقشت موضوعات فى الفن والثقافة وحقوق المرأة، كما أصدر كتابا بعنوان (أزمة الحقوق 1929) نشر ضمن الأعمال الكاملة لعفيف والتى نشرها المجلس الأعلى للثقافة فى ذكرى مرور مائة عام على ميلاده غير أن محقق تلك الأعمال الشاعر عبدالعزيز موافى لم يتمكن من العثور على كتاب كتبه عفيف بعنوان (البطالة 1936)، وتمت مصادرته من قبل الحكومة لما تضمنه من أفكار حول مفهوم العدالة الاجتماعية وتوزيع ثروات المجتمع.

وقد تجاهل مؤرخو الفكر الاجتماعى والسياسى المصرى هذا الكتاب على الرغم من الإشارات التى أوردها لويس عوض فى كتابه «دراسات أدبية» بشأن الأثر الذى تركه الكتاب فى مثقفى جيله وقد أرجع الكاتب نبيل فرج هذا التجاهل إلى مصادرة الكتاب فى عام 1936، لكنه نجح هو فى العثور على نسخة نشرها فى كتاب الديمقراطية فى فكر رواد النهضة الصادر عن مركز القاهرة لحقوق الإنسان، وكتب لها مقدمه شارحة لأهم الأفكار التى تضمنها الكتاب لكنها لم تسع إلى فهم المسار الذى انطلقت منه أفكار عفيف والأثر الذى تركته فى سياق فكر النهضة المصرية إجمالا. إذ لا يمكن فصل تلك الأفكار عن التكوين الفكرى لصاحبها ولا يمكن عزلها عن السياق العام لخطاب الإصلاح الذى سعى مفكرو الليبرالية المصرية إلى تبنيه.

من حيث التكوين الجيلى ينتمى عفيف إلى جيل ظهر فى الثلاثينيات بلور تصورا يرى أن المجتمع المصرى بإمكانه أن يصبح مجتمعا حديثا بعد أن تمتع بصناعة متنامية وظهرت فيه بروليتارية صناعية وطبقة وسطى يزداد حضورها. وحسب رأى الباحث الهولندى رول ماير فى كتابه البحث عن الحداثة، فقد آمن ليبراليو تلك الفترة بأن المجتمع يحتاج إلى إصلاحات كبرى حتى يستطيع أن يواجه مشكلاته بكفاءة باعتبار أن التجانس الثقافى والمساواة القانونية والحراك الاجتماعى عبر التعليم ضرورة لتطوير المجتمع، كما أن الدولة مطالبة بتعميم التدريب والتعليم لتنميط الثقافة لخلق قيم مجتمعية مشتركة.

ولا يمكن لقارئ كتاب البطالة أن يتفادى فيه ظلال تلك الأفكار العامة التى كانت الهاجس الأكبر لمثقفى جيل الثلاثينيات الذى غلب فى تصوراته الإصلاحية وعيه الاجتماعى على حساب وعيه بمشكلات الطبقة التى ينتمى إليها ويمثلها. ويلتفت عفيف فى الكتاب إلى عدة مسائل تمثل مخاطر مجتمعية استمرت لسنوات ومنها: مشكلة التضخم والزيادة السكانية وعدم جودة المنتج المصرى بما يؤدى لخروجه من المنافسة فى الأسواق العالمية.

وقد صاغ عفيف كتابه فى مناخ سياسى مأزوم وفى ظل اضطرابات اجتماعية واضحة، إذ تعرض عمال الصناعة والمرافق العامة للبطالة نتيجة الانكماش الاقتصادى الذى صاحب الأزمة الاقتصادية العالمية (1929 1933) وما ترتب عليها من تخفيض فى حجم العمالة لذلك حفلت الثلاثينيات بالاضطرابات والشكاوى من قطاعات واسعة فى الطبقة العاملة انتفضت بصورة تلقائية افتقرت إلى التنظيم لكنها تركزت حول المطالبة بتشريعات عمالية تواجه آثار الأزمة الاقتصادية وتسعى إلى الاعتراف القانونى بنقابات العمال. وبطبيعة الحال لا يمكن تفادى النبرة الرومانسية التى تغلف الكتاب، فهى نبرة شاعر رومانسى يتحدث عن ضرورة التأمين على العمال ضد الفاقة والبطالة والعوز كما يشير إلى أن الحلول التى يقترحها لحل مشكلة البطالة عن طريق تقليل ساعات العمل وزيادة عدد العمال الهدف منها، تأمين المجتمع ضد الثورة مشيرا بشكل قاطع إلى أن هذه الإجراءات «من مقتضى التضامن الاجتماعى». فى الكتاب كذلك دعوة مبكرة إلى التوسع فى التعليم الفنى، إلى جانب الإلحاح على مسئولية رجال الإعمال والدعوة إلى إنماء الحركة التعاونية فضلا عن تأسيس بنوك وجمعيات تعاونية، ووحدات للمشروعات الصغيرة الممولة بقروض حكومية صغيرة. كما يطالب بالدعوة إلى إفساح طريق العمل أمام المصريين وفرض ضرائب على مزاولة الأجانب للمهن والحرف والاهتمام باللغة العربية وجعلها لغة للمعاملات الرسمية فى الدولة. ويعنى الكتاب كذلك بتطوير التعليم والاهتمام بالتأهيل المهنى والعقلى وطرق التدريس بطريقة استنباطية وليست استظهارية لتنمية ملكات العقل وتوسيع دائرة التفكير. كما يدعو الى تعليم الفنون الجميلة واللافت أن هذه الأفكار كانت على رأس أولويات عفيف فى مقالات أخرى خارج سياق الكتاب فقد سبق وأن خاض معارك تعكس اهتمامه بالفنون الأدائية، وأبدى انحيازا للدور المجتمعى للمرأة فى سلسلة مقالات كتبها فى مجلة الأمام على محاضرة لمى زيادة بعنوان: فضل المرأة على المدنية الحديثة، أبدى فيها انحيازا للمرأة، قائلا: «حبذا لو بدأت المرأة تتدخل تدخلا فعالا فى تشييد الحضارة إذن لبدت أرقى وأجمل مما هى عليه الآن». وفى المعركة التى اندلعت عقب افتتاح معهد التمثيل عام 1930، تولى الرد على الشيخ محمود أبوالعيون منحازا إلى فكرة الاختلاط بين أفراد الجنس البشرى‏، متهما أبوالعيون بالإسراف فى التمسك بالتقاليد، مؤكدا أن تقاليد الأمة المصرية خاضعة لسنن التطور الأمر الذى يبدو فى أن الرأى العام أو الغالبية المتنورة منه لا تستهجن أى مظهر من المظاهر التى تنطوى على تحرير المرأة‏.‏ وللتدليل على إيمانه بفن التمثيل كان عفيف من بين طلاب الدفعة الأولى لمعهد التمثيل.

واستمرارا لفكرة العناية بتدريب الحواس على التذوق الجمالى ينتقد كتاب البطالة كذلك بوضوح أليه تدريس الأدب العربى فى المدارس لأنها «عقيمة لا تكفل إيقاف الطالب على أسرار الجمال الفنى، ولا تساعد بحال على تنمية ذوقه الأدبى، ويشدد الكتاب على أهمية التوسع فى التعليم الإقليمى والإكثار من المدن الصناعية فى الأقاليم لوقف الهجرة إلى العاصمة، لكنه ينتهى إلى الإقرار بأن البطالة ليست مشكل ولا يصح أن تكون مشكلة متى عولجت بروح العدل والنزاهة وعن كثب من الضمير، كما يتضح بحسب قوله، إن الخطأ ليس خطأ العاطلين ولا هو خطأ الظروف، بل خطأ النظام الاقتصادى ذاته، وخطأ الضمير الإنسانى الغارق فى سباته.

وبعيدا عن اللغة الطوباوية فى الكتاب يلفت النظر فى الكتاب جملة من الأمور أولها أن غالبية الأفكار الواردة فيه كانت ضمن هموم النخبة المصرية السياسية فى بداية الثلاثينيات حيث كانت المسألة الاجتماعية هى حجر الزاوية فى عمل الجماعات السياسية والأرجح أن انضمام عفيف إلى حزب العمال مع النبيل عباس حليم خلق تقاطعات كثيرة بين الكتاب وبرنامج الحزب الذى تركه عفيف بعد خلاف مع مؤسسه، وتقديرى أن الكتاب تطوير فكرى لبرنامج الحزب الذى طالب أيضا بإلغاء الامتيازات الأجنبية وإصدار تشريعات عمالية يشارك العمال فى صياغتها تكفل حرية تكوين النقابات وتحسين أجور العمال وتحديد ساعات العمل إلى جانب مجانية العلاج والتعليم الإلزامى فضلا على تشجيع الحركة التعاونية ورفع مستوى المرأة ومساواتها بالرجل، ويبدو لى أن عفيف ترك حزب عباس حليم بعد أن أدرك أن تأسيس الحزب كان مناورة سياسية لجأ إليها حليم لإيجاد كيان سياسى يستند إليه فى مناوراته مع حزب الوفد ولتحقيق طموحه الشخصى وقد حدث هذا بالفعل إذ تمكن حليم من الوصول إلى تفاهمات مع الوفد أوقف على أثرها نشاط الحزب.

أما الأمر الثانى الذى يلفت النظر عند قراءة كتاب البطالة لحسين عفيف فيرتبط ارتباطا وثيقا بمحاولات الإصلاح على الطريقة الليبرالية وهى المحاولة التى وصلت إلى أقصى مدى لها مع تأسيس جماعة النهضة القومية (1944)، ومن الإشارات الدالة أن عفيف نشر بعض مقالاته الإصلاحية فى مجلة الفصول التى أسسها ورأس تحريرها محمد زكى عبدالقادر وكانت هى ذاتها المجلة التى بشرت بعد سنوات بأفكار هذه الجماعة التى تجاوزت النبرة الرومانسية لدى عفيف وعملت على ربط أفكارها بحزمة من الإجراءات وراهنت قبل كل شىء على الإصلاح التشريعى عبر ممثليها فى البرلمان إلى جانب إصلاح نظام الإدارة الحكومية الأمر الذى جعل برنامجها نقديا وإصلاحيا، وأكثر جذرية مقارنة بكتابات عفيف الذى حال عمله فى السلك القضائى دون الانضمام لجماعة النهضة القومية التى وفرت فيما بعد أساسا جديدا للسياسات المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.