جلسته ممتعة , يمتزج فيها العلم بالخبرة , وحديثه يشبه كبسولة فيتامين مغلفة بإطار من البساطة حتي يسهل هضم ما تحتويه من معلومات .. مهم أيضا أن تعرف أن الأستاذ السيد يسين أمد الله في عمره يمتلك ذاكرة في قمة شبابها وتوهجها .. استمتعنا بحواره علي مدي ساعتين , والآن نحاول أن نقتسم المتعة معك . تصوير : أميرة عبد المنعم بدأ الأستاذ السيد يسين محاضرته قائلا : دعونا نبدأ بمرحلة ما قبل ثورة يوليو 1952, فالتجربة الليبرالية المصرية بدأت مع دستور 1923 والذي استمر حتي ثورة يوليو وإن كانت ليبرالية مقيدة بسبب وجود الاحتلال الانجليزي ومؤامرات القصر والانجليز ضد حزب الوفد صاحب الأغلبية , حتي أنه لم يحكم من سنة 1923 حتي سنة 1952 إلا 8 سنوات فقط , ولذلك فالنخبة السياسية خانت المثال الديمقراطي لأنها سمحت لنفسه بأن تحل محل حزب الأغلبية . وبدءا من سنة 1945 كانت فترة قلقة جدا , فحركات التحرر الوطني كانت في أشدها , وكان هناك زخم من الفكر النقدي الذي يدعو الي إصلاح النظام وليس اسقاطه , ولو تتبعنا هذه الفترة فسنجد أن هناك ثلاثة مشاريع للإصلاح الزراعي قدمت ورفضت من مجلس النواب , كان هناك قلق علي الوضع العام وكان هناك احساس أنه لابد من إصلاح النظام وإلا سيسقط , وكان طبيعيا رفض البرلمان للمشاريع لأن أعضاءه كانوا من طبقة كبار الملاك . أيضا في هذه الفترة التي عشتها شابا فأنا من مواليد 1933 عشنا مرحلة غنية في الفكر السياسي المصري , ظهر لنا سيد قطب بكتابه العظيم العدالة الاجتماعية في الإسلام وكان أول قراءة يسارية للإسلام , كما ظهر لنا الشيخ خالد محمد خالد بكتابه من هنا نبدأ والذي كان أول تعبير عن الإسلام الليبرالي مقتبسا في كتابه عبارات من جان جاك روسو , وكان هناك الإخوان ومنشورات الشيوعيين , كانت هناك محاولات لإصلاح المجتمع المصري وليس الانقلاب والثورة عليه . علي جانب آخر كان هناك فقر مدقع , وأوضاع اجتماعية واقتصادية قاسية , حتي تتصوروا الوضع كان هناك مشروع الحفاء وهو مشروع يستهدف أن المصري يلبس جزمة , وكنا شباب هذا الجيل نشعر أن النظام الديمقراطي المصري فقد مصداقيته وكان يملؤنا شعور بالسخط علي الأوضاع الاجتماعية والسياسية . ولذلك فثورة 1952 جاءت في وقتها تماما , وهي بالتعبير الفني الدقيق انقلاب ولكنه سرعان ما تحول لثورة لأن الضباط الأحرار تبنوا المشروع الإصلاحي الذي ساهمت في وضعه القوي المختلفة , واستطيع أن أقول إن الثورة لم يكن في برنامجها فكرة واحدة جديدة , إجلاء الإنجليز , بناء جيش قوي , مجانية التعليم , الإصلاح الزراعي , لكن مشروعهم الأساسي كان تحقيق العدالة الاجتماعية علي حساب الحريات السياسية , فتم إلغاء الأحزاب ومعها طبقة سياسية كاملة , ثم حدث الصدام بينهم وبين الإخوان وتم حل الجماعة وبعدها صدام مع الشيوعيين ووضعوهم في المعتقلات وبعدها انشئت هيئة التحرير وهي أول مؤسسة سياسية للثورة . إذن فالثورة تبنت تحقيق العدالة الاجتماعية علي حساب الحريات السياسية , إنما التجربة ثبت قصورها , فلا يكفي أن تحقق العدالة الاجتماعية من فوق , الأستاذ هيكل كان يقول الرئيس عبد الناصر يسبق الجماهير بخطوتين , وفي إحدي خطب عبد الناصر قال : هو إنتم طلبتم حاجة؟ أنا اللي إديتلكم ! وكأن الحقوق منحة من الحاكم , وظهر وقتها الفساد وكنا نتصور أنه نتوء ستتم ازالته , ولم نكن نتصور أن هذه الطبقة الفاسدة ستتحول بعد عبد الناصر لتصبح الطبقة المسيطرة الحاكمة , ولذلك أري أن هزيمة 67 حدثت بسبب التخبط السياسي بالدرجة الأولي , إذن فالدرس الذي حصلنا عليه كمجتمع سياسي من ثورة يوليو 52 هو لا يمكن مقايضة العدالة الاجتماعية بالحرية السياسية و أن القرارات الفوقية التي لايشارك الشعب في إنجازها يمكن أن تنمحي بسهولة , وبالتالي فلا يمكن لأي مجتمع سياسي أن يستمر في القرن الحادي والعشرين إلا إذا تحقق جناحا الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وهذا ما ينبغي أن يقوم عليه برنامج النهضة المصرية بعد 25 يناير . فهذه الثورة فريدة في التاريخ , ولكن حتي تحكم علي الأوضاع يجب أن تعرف ما هي التغيرات الأساسية التي حدثت في المجتمع وأهمها الانتقال من المجتمع الصناعي الي المجتمع المعلوماتي فأصبح هناك الآن مجتمع المعلومات , وهناك الفضاء المعلوماتي وهو فضاء جديد لأول مرة في الحضارة الإنسانية , وخطورة هذا الفضاء أن الحرية فيه مطلقة , صاحب المدونة هو رئيس التحرير , من هنا ظهرت الهرتلة في بعض المدونات , وظهرت أيضا أفكار نيرة أخري , للأمانة والتاريخ لم أكن أتصور أن جيل المدونين يستطيعون القيام بثورة , ولو ادعي أي شخص خلاف ذلك فهو ادعاء باطل , فالثورة باغتتنا جميعا , ومن المفارقة أنها باغتت أصحابها لأنهم لم يتصوروا أن يأتي كل هذا الحشد لميدان التحرير , والمفاجأة الثانية كانت في انضمام الملايين اليهم , والمفاجأة الثالثة كانت نجاح الشعب في إسقاط النظام في 18 يوما وهي مسألة لا سابقة لها . ديمقراطية أنا عاوز أشارك ثورة يناير كانت فريدة في التاريخ لأنها ثورة بلا قيادة وبلا أيديولوجية عارفين ليه؟ ثورة فيس بوك وحتي نفهمها يجب أن نعرف قواعد التفاعل في الفضاء المعلوماتي , أهم قاعدة هي أن التفاعل افقي وليس رأسيا , كلنا متساوون , النص ليس ملكا لصاحبه وإنما هو نص جماعي مضاف اليه تعليقات الآخرين , إذن فالتفاعل الأفقي في شبكة الإنترنت هو أحد أسباب غياب قيادة تملي قراراتها علي الآخرين . فلو حللنا خطاب شباب 25 يناير سنجدهم يقولون إحنا قاعدين في ميدان التحرير وهنشوف هتنفذوا ولا لأ هم شباب يريد أن يشارك في اتخاذ القرار بدون وسيط يمثله , وهذا الحق غير موجود في المجتمعات التقليدية , وفي تصوري الخاص هو نوع من الديمقراطية التشاركية , فقراءتي لخطابهم هي أريد المشاركة من البداية في إصدار القرار ومن حقي الانقلاب عليك لو انحرفت في تنفيذه . ما سبق أراه نظرية جديدة للديمقراطية أنا عاوز أشارك , ولذلك فعندما استمع للتصريحات البلهاء للمرشحين علي منصب الرئيس أضحك علي خيبتهم , كل واحد فيهم يقول أول قرار سأتخذه عندما أصبح الرئيس هو كذا !, من أنت حتي تتحدث باسم الشعب , أنت رئيس جمهورية محدد السلطات , أين سلطات الشعب المصري كلمة أنا تدل علي السذاجة والمراهقة السياسية , لو تركنا المسألة ل أنا مرة أخري هنروح في ستين داهية , لابد أن يستفتي الشعب في القرارات السياسية الكبري . الخريطة السياسية هناك نوعان من الأحزاب , أحزاب مؤسسية وأحزاب غير مؤسسية , من الأحزاب المؤسسية حزب التجمع , عنده لجنة مركزية ومكتب سياسي وقواعد جماهيرية , وكان في بدايته حزبا جماهيريا والمعيار هو حجم العضوية الذي انقرض مع الزمن بسبب التضييق الأمني وجمود القيادة السياسية , أما المثال التاريخي للحزب غير المؤسسي فهو حزب الوفد , ولذلك فهو لا يملك القدرة علي الحشد والتنظيم والالتزام , أما الحزب الوطني فكان مؤسسيا وهميا كان مؤسسيا علي الورق فقط . الحزب الناصري عنده مشاكل وانشقاقات منذ فترة طويلة , حزب الجبهة مشكلته أنه بدأ بنخبة جيدة ولكنها تبعثرت عندما أحب رئيس الحزب أن ينفرد بالحزب , وبالتالي هو حزب بلا مؤسسات أو جماهير في الشارع , الإخوان المسلمون هم أكبر حزب منظم في الشارع , عندهم جماهير من الاسكندرية حتي أسوان , ونمط في الاتصال فعال جدا والتزام أخلاقي قوي , القدرة علي الحشد موجودة نظريا عند التجمع ولكنها موجودة فعليا عند الإخوان , وهناك جمعيات سياسية جديدة مثل الجمعية الوطنية للتغيير وائتلاف شباب الثورة . السلفيون هامشيون ولا قيمة لهم ولا يستطيعون التأثير في الشارع , أما الإخوان فأري أنهم لن يحصلوا علي أكثر من 25% من مقاعد مجلس الشعب الجديد , فهذا حجمهم في الشارع , كما أن الحزب الوطني انتهي ولكن تظل هناك العصبيات في الريف ويضيف : هناك استاذ في العلوم السياسية اسمه بايندر ألف كتابا هاما كان له عنوان فرعي الشريحة الثانية من الطبقة السياسية المصرية , وضع في الكتاب خريطة بالعائلات التي تحكم في ظل أي نظام وتحت أي عنوان , هؤلاء يكسبون الانتخابات بحكم قوة العصبية وينضمون لأي تيار حاكم , أيضا هناك مشكلات خاصة بتخلف الثقافة السياسية المصرية وهو تخلف يتعلق بخلاف العصبيات العائلية بسطوة المال وشراء الأصوات . حكم العسكر هناك شيء لا يفهمه الناس , مصر لا يوجد فيها مؤسسة عسكرية , وإنما هناك جيش مؤسسي , كانت هناك مؤسسة عسكرية وانتهت برحيل المشير عبد الحكيم عامر , والمؤسسة العسكرية بالمعني العلمي هي التي يكون لها دور في السياسة , قبل 67 كانت هناك مؤسسة عسكرية وبدءا من 64 كان المشير هو المتحكم في كل شيء , بعد النكسة سقطت المؤسسة العسكرية وتحول الجيش الي جيش محترف وكان هذا أحد أسباب انتصار اكتوبر , تركيا فيها مؤسسة عسكرية ومكتوب في الدستور التركي أن الجيش هو ضمان العلمانية , نحن لا يوجد عندنا نص مماثل , الجيش عندنا مهمته هي الدفاع عن أرض الوطن والدفاع عن الشرعية الدستورية إنما ليس من حقه التدخل في السياسة .