بدأ الأمر بفكرة شغلت المترجم الكبير دينيس جونسون ديفيز كثيرا، فسخّر جهده لجمع روائع 60 عاما من تاريخ القصة القصيرة فى مصر، جمعها بين دفتى كتاب واحد، تتصفحه فتقرأ نصوصا ليوسف السباعى ويحيى حقى مرورا بقصص لنجيب محفوظ وبهاء طاهر وحتى حمدى الجزار ومنصورة عز الدين وأحمد العايدى وغيرهم، فيفتح أمامك آفاقا من تأملات النص بأدبياته وفنياته، ويتلقفك مد الأزمنة وبحور الأمكنة، تقرأ وتقرأ وربما تجد بجانبك هوامش بخط يدك تحت تأثير زخم الخواطر التى يفجرها تواتر الأجيال التى يضمها الكتاب. كانت القصة القصيرة فى بداية عهدها فى الوقت الذى كان يصف فيه المفكر الراحل إدوارد سعيد المترجم دينيز جونسون ديفيز ب«المترجم الرائد فى عصرنا هذا»، كان هذا المترجم البارز على موعد عام 1940 بزيارة مصر بكل طاقات الإلهام التى بعثتها فى قلب هذا المترجم الشاب آنذاك الذى عشق ترجمة الأدب العربى إلى الإنجليزية، فى هذا الوقت المبكر تلقف كتابات محمود تيمور ويحيى حقى ويوسف جوهر ونجيب محفوظ، وبدأ فى ترجمة كثير من أعمالهم، وبعد نحو 60 عاما تحمس لإصدار عمل يجمع بين القصص القصيرة لأجيال متعاقبة على هذا الفن، وكانت هذه التجربة التى أصدرها قسم النشر بالجامعة الأمريكية أخيرا.
Home coming- sixty years of Egyptian short stories أو «عودة للبيت 60 عاما للقصص القصيرة المصرية» وهو يجمع نحو 50 عملا أدبيا قام جونسون باختيارها، وقام الفنان التشكيلى الرائق عادل السيوى بتصميم غلاف هذا الكتاب.
يروى جونسون فى مقدمة كتابه الكثير من تجاربه فى دراسة الأدب العربى الذى تلقاه فى قسم الدراسات الشرقية فى جامعة لندن وبعدها فى جامعة كامبردج قبل الحرب العالمية الثانية، وشغله كثيرا ما وصفه ب«الثورة» التى طالت الأدب العربى فى الوقت الذى لم ينتبه لها أحد داخل الدوائر العلمية الغربية، بما فى ذلك التفات الأدب العربى لفنون أدبية غربية مثل البناء الروائى الحديث والقصة القصيرة، وصدرت له عام 1946 ترجمة لقصص محمود تيمور، وبعد ذلك كانت له تجربة فى الاطلاع على كتابة القصة القصيرة فى العالم العربى كله.
تقرأ فى جعبة جونسون روائع من القصص القصيرة، وأضاف من خبرته الأدبية بعض الهوامش والتعليقات فى مقدمته من بين ذلك تعليقه على ما يطلق عليها «الكتابة النسائية» التى شهد على تطورها وانتعاشها الكبيرين «فى كتابى الأول الذى صدر عام 1967 ويضم ترجمة لقصص قصيرة آنذاك، كان يضم قصة قصيرة واحدة لسيدة واحدة، أما كتابى الثانى الصادر عام 2000 عن قسم النشر بالجامعة الأمريكية ضم نحو 30 قصة ثمان منها لكاتبات سيدات».