الرئيس السيسى: القوات المسلحة قامت بدور كبير جدا وساهمت بشكل ضخم فى تنمية الدولة المصرية    نتيجة وملخص أهداف مباراة برشلونة ضد إشبيلية في الدوري الإسباني    نضال الأحمدية تكشف تطورات هامة في قضية فضل شاكر    لميس الحديدي: النظام السوري يرغب في محو ذكرى السادس من أكتوبر    عيار 18 الآن.. أسعار الذهب اليوم الاحد 5-10-2025 في محافظة قنا    هل تتراجع أسعار السيارات الفترة المقبلة بشكل أكبر؟.. عضو بالشعبة يجيب    عمران القاهرة.. بين السلطة الحاكمة ورأس المال وفقراء الشعب    إزالة 43 بناء مخالف على أملاك الدولة والأراضي الزراعية خلال حملات في بني سويف    باريس.. تشكيل حكومة ليكورنو: إعادة تعيين بورن وروتايو ودارمانيدا وعودة لومير وفورث    نتنياهو يعقد أول اجتماعاته مع رئيس الشاباك الجديد دافيد زيني    «القائم بالأعمال الكوري الشمالي»: جهود مصر لإنهاء حرب غزة ستؤتي ثمارها    طارق الشناوي عن فضل شاكر: أتصورها مجرد أيام ويمسك شهادة البراءة النهائية    مقتل 44 شخصا على الأقل جراء انهيارات أرضية في نيبال    الرئيس التشيكي يضع الانتماء إلى الناتو والاتحاد الأوروبي في صميم مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة    سمير فرج: العسكري المصري لا مثيل له على وجه الأرض    «هفضل أدافع عن الأهلي».. شوبير يوجه رسالة لجماهير الزمالك قبل برنامجه الجديد    جوارديولا: سأتصل بالسير أليكس فيرجسون وآرسين فينجر لنحتفل معًا    يوتيوب دون تقطيع الآن.. مباراة يوفنتوس وميلان اليوم في الدوري الإيطالي 2025-2026    وزير الرياضة يلتقي رئيس «الأنوكا» لبحث استعدادات مصر للألعاب الأفريقية    رابط منصة الشهادات العامة 2025-2026    حالة الطقس ودرجات الحرارة غد الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    تفاصيل مواعيد امتحانات أكتوبر 2025 وتوزيع درجات أعمال السنة لجميع المراحل الدراسية    تفاصيل جديدة في واقعة الفعل الفاضح على المحور    قائمة المستشفيات المعتمدة لإجراء الكشف الطبي لمرشحي مجلس النواب بالمنيا والمحافظات    حظك اليوم 5 أكتوبر وتوقعات الأبراج    تامر فرج عن وفاة المخرج سامح عبد العزيز: معرفتش أعيط لحد ما غسلته (فيديو)    نجل شقيق عبدالحليم حافظ: فوجئنا بأشخاص يحصلون على أموال نظير صعود محبي الراحل إلى منزله    منة شلبي وأبطال «هيبتا 2» يحتفلون بالعرض الخاص للفيلم (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة غد الاثنين 6-10-2025 في محافظة قنا    أذكار المساء: دليل عملي لراحة البال وحماية المسلم قبل النوم    مظهر شاهين عن «الفعل الفاضح» بطريق المحور: التصوير جريمة أعظم من الذنب نفسه    هل يجوز استخدام تطبيقات تركيب صور الفتيات مع المشاهير؟.. أمين الفتوى يُجيب    «الاعتماد والرقابة» تؤكد: سلامة المريض هي المعيار الأصدق لنجاح المنظومة الصحية    نقيب المعلمين: انتصار أكتوبر نموذج في التضحية.. والمعلم شريك أساسي في بناء الوعي    ارتفاع بورصات الخليج مدفوعة بتوقعات خفض الفائدة الأمريكية    السيسي: القوات المسلحة حافظت على الدولة المصرية وخاضت حربًا ضروسًا ضد الإرهاب    سامح سليم: لا أملك موهبة التمثيل وواجهت مخاطر في "تيتو" و"أفريكانو"    مباحث تموين الغربية تضبط 42 مخالفة في حملة رقابية خلال 24 ساعة"    وكيل صحة الأقصر.. يعلن بدء حملة التطعيم المدرسي للعام الدراسي 2024 / 2025    دور المقاومة الشعبية في السويس ضمن احتفالات قصور الثقافة بذكرى النصر    هل يشارك كيليان مبابي مع منتخب فرنسا فى تصفيات كأس العالم رغم الإصابة؟    وزير التموين: تكثيف الرقابة والتصدى الحاسم لحالات الغش التجارى    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخلية النزهة    إزالة 50 حالة تعدٍّ واسترداد 760 فدان أملاك دولة ضمن المرحلة الثالثة من الموجة ال27    مبابي ينضم إلى معسكر منتخب فرنسا رغم الإصابة مع ريال مدريد    موعد أول يوم في شهر رمضان 2026... ترقب واسع والرؤية الشرعية هي الفيصل    شهيد لقمة العيش.. وفاة شاب من كفر الشيخ إثر حادث سير بالكويت (صورة)    مجلس الوزراء يوافق على تقنين أوضاع 160 كنيسة ومبنى تابعًا ليصل الإجمالي إلى 3613 دار عبادة    وزير الصحة: تم تدريب 21 ألف كادر طبي على مفاهيم سلامة المرضى    "الجمهور زهق".. أحمد شوبير يشن هجوم ناري على الزمالك    سلوت يوضح رأيه في مدى التجانس بين صلاح وإيزاك    الأوقاف تعقد 673 مجلسا فقهيا حول أحكام التعدي اللفظي والبدني والتحرش    عشرات الشهداء في 24 ساعة.. حصيلة جديدة لضحايا الحرب على غزة    فاتن حمامة تهتم بالصورة وسعاد حسني بالتعبير.. سامح سليم يكشف سر النجمات أمام الكاميرا    «السبكي» يلتقي رئيس مجلس أمناء مؤسسة «حماة الأرض» لبحث أوجه التعاون    تجديد حبس المتهمين بسرقة شركة خدمات إلكترونية 15 يوما    رئيس مجلس الأعمال المصرى الكندى يلتقى بالوفد السودانى لبحث فرص الاستثمار    عودة إصدار مجلة القصر لكلية طب قصر العيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطوط حمراء على رمال متحركة
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 04 - 2012

بدت «جمعة تقرير المصير» بعنوانها وقواها والأجواء التى صاحبتها أزمة تتفاقم لا مشهد فى ثورة.

العنوان بذاته فيه إدراك كامن بالأزمة وتعقيداتها وشكوك عميقة فى المجلس العسكرى والتزاماته بنقل السلطة فى مواقيتها. الرسالة الرئيسية تلخصها جملة واحدة: «لا يوم زيادة فى السلطة والأثمان السياسية فادحة». هذه الرسالة بدت بدورها كألعاب نارية أصواتها تدوى ووهجها يضىء قبل أن تتبدد الأصوات والأضواء فى الفراغ.. فرسائل السياسة الواصلة إلى أهدافها تقتضى التوافق عليها، وأن تلحقها خطة عمل تقطع الطريق على أية احتمالات لتمديد المرحلة الانتقالية.

المشكلة هنا أن الأطراف السياسية التى ذهبت إلى الميدان لا أرضية ثابتة تقف عليها معا لبناء مستقبل وتقرير مصير. حاولت أن تتجنب بقدر ما تستطيع أن تتصادم، أو أن يفلت عيار التفاعلات داخل الميدان، جمعتها هتافات «إيد واحدة».. تداخلت المطالب أحيانا وتصادمت فى أحيان أخرى، كان الميدان بشعاراته المتداخلة والمتصادمة أقرب إلى حدائق «هايدبارك» البريطانية.. كل مشغول بما يقول ويتصور ويحسب.

ما بدا مشتركا تبددت رهاناته على مذبح شكوكه. الصدامات التى جرت عكست عمق الشكوك.

فى ميادين الشكوك العميقة تجلت بخلفية مشاهدها صورة المجلس العسكرى.. والسؤال يلح: «كيف يفكر العسكرى فى استحقاقات نقل السلطة عند أيامها الأخيرة؟».

هناك ثلاثة خطوط حمراء تحكم تفكيره وتقود تصرفه، ولكنها خطوط على رمال متحركة تخضع لحركة الرياح السياسية فوقها.

الأول، المساس بوضع الجيش تدخل فى شئونه الداخلية وحركة الترقيات فيه، أو سحب مشروعاته الاقتصادية التى وصفها مساعد وزير الدفاع للشئون المالية اللواء «محمود نصر»: ب«عرق الجيش». قال بعبارة لافتة: «سنقاتل من أجل بقاء هذه المشروعات فى عهدة القوات المسلحة».

القضية تتعدى الكلام حول ميزانية الجيش ومشروعاته الاقتصادية وطرق الرقابة عليها، أو إعلان الحرب ووسائل اتخاذ القرار قبله، إلى وضع المؤسسة العسكرية بعد نقل السلطة.

العسكرى يعتقد أنه لم يحصد مكانته الخاصة بمادة فى دستور، ولم يتول السلطة بعد الثورة بنص آخر فى دستور جرى تعطيله. تولى بنفسه اتخاذ إجراءات وقرارات، لم يعلن عنها، تكفل عدم التدخل فى شئونه بعد نقل السلطة.

المشكلة الأخرى أن المشير باقٍ فى منصبه على رأس القوات المسلحة لترتيب أوضاعها قبل أن يغادرها.. ويصعب عليه أن تصدر إليه الأوامر من رئيس مدنى، ولكنه سيحاول أن يكيف أوضاعه على الأحوال المستجدة. شىء من التفاهم بين رأس الدولة ورأس القوات المسلحة ضرورى فى مرحلة ما بعد نقل السلطة، وإلا أفلتت اللعبة عن قواعدها ودخلنا فى صدام قبل أن تستقر قواعد جديدة تضمن أن تكون المؤسسة العسكرية ضمن مؤسسات الدولة وفق التقاليد الديمقراطية لا مؤسسة فوق المؤسسات والرئاسات.

يروى قائد سابق للحرس الجمهورى أن المشير باغته بعد العودة من اجتماع عاصف فى مجلس الوزراء بعد فترة قصيرة من تولى «أحمد نظيف» رئاسته: «هل يعقل أن أؤدى التحية العسكرية مستقبلا لنظيف الذى بهدلته اليوم!».. بدا قائد الحرس الجمهورى محرجا، فالذى يتحدث هو القائد العام للقوات المسلحة، ولكنه يخضع مباشرة لرئيس الجمهورية، وفى الكلام انتقاد صريح لطريقة إدارة الدولة وتصاعد نفوذ نجل الرئيس داخل الحكومة قبل استفحال هذا الدور الذى أودى به إلى السجن فى نهاية المطاف.

الآن الظروف اختلفت، ورئيس الجمهورية المقبل لديه تفويض شعبى يؤسس شرعيته، ولكن هذا لا يمنع من تعقيدات متوقعة فى علاقته بقائد الجيش. الملف كله ملغم ويحتاج إلى وقت لفك عقده، فتجربة نقل السلطة من عسكرى لمدنى لا سابق لها منذ تأسيس الدولة المصرية على عهد «محمد على»، فالجيش هو قاعدة الدولة وعمودها الفقرى، أدواره على مدى أكثر من قرنين حكمتها موازين سلطة تعددت اعتباراتها من مرحلة لأخرى. خضع لحكام أسرة «محمد على»، تمرد أحيانا عليها، جرى تفكيكه متعرضا لتنكيل منهجى بقدراته التسليحية فى سنوات الاحتلال..

بعد ما جرى فى يوليو (1952) تحول من «جيش الملك» إلى «جيش الثورة»، تغيرت الولاءات، وخرج أربعة رؤساء من بين صفوفه. تناقضت السياسات من حقبة إلى أخرى، ولكن القاعدة العامة للولاء ظلت ثابتة. الآن الجيش أمام وضع جديد تتعقد حساباته وتتداخل مصالحه وتتحكم فيه ظلال تاريخ قريب. الكلام إذن عن الخط الأحمر الأول هواجسه تسبق تجاربه.

الثانى، مدنية الدولة.. شرط ألا تكون الدولة عسكرية ألا تكون دينية. الديمقراطية وقواعدها إذن هى المدخل الوحيد لنقل السلطة.

باعتقاد قائد بارز دوره مؤثر فى المطبخ السياسى للمؤسسة العسكرية أن مصر فى حاجة إلى فترة تحول قد تطول إلى عشر سنوات على الأقل تترسخ خلالها التجربة الديمقراطية ويتراجع بعدها الدور السياسى للجيش. المعنى أن العسكرى لن يعود كاملا إلى ثكناته بعد تسليم السلطة. وهو تصور تحكمه تناقضاته.. أن يكون شريكا فى الحكم دون أن يتحمل مسئولية قرارته.

فى التصور إدراك يصاحبه أن الحياة السياسية بعد نقل السلطة لن تتعافى بسهولة.. لن تستقر قواعدها قبل فترة طويلة نسبيا. الحاجة إلى الجيش لتوفير مقتضيات الأمن لها اعتبارها عند صياغة القرارات. وبشكل أو آخر لفترة قد تطول أو تقصر فإن قائد الجيش، أيا كان اسمه، لاعب رئيسى فى معادلات السياسة.

وهذا سبب إضافى لامتناع العسكرى عن دعم ترشح اللواء «عمر سليمان» للسباق الرئاسى، فالأخير بتاريخه العسكرى يطمح إلى تكرار أدوار الرؤساء الذين خرجوا من المؤسسة العسكرية. المشير رد عليه بجملة واحدة عندما فاتحه فى فكرة الترشح: «على بركة الله».. فى البداية فُسرت هذه الجملة أنها تمثل دعما لرجل المخابرات العتيد، ثم تأكد أنها «فض مجالس» على ما يقول عسكريون. «سليمان» أغضبته عبارة المشير المقتضبة، فقد كان يتوقع دعما لمشروع أفصح عنه فى «لم البلد».. وهو «مشروع قمع».

إن لم يكن المشير هو الرئيس فهو غير مستعد أن يعتلى المنصب الأرفع شخصية عسكرية أخرى. كانت هذه هى عقيدته الشخصية التى حكمت تفكيره منذ البداية.. ولكن للعبة الجديدة مع رئيس جمهورية مدنى منتخب قواعد أخرى يحكمها خط أحمر على رمال متحركة.

الثالث، لا رئاسة قبل الدستور.. بتعبير قيادة عسكرية رفيعة: «لا يصح أن نتسلم دولة بها دستور، جرى تعطيله، ثم نسلمها لرئيس منتخب بلا دستور، لن نترك البلد لفراغ دستورى، أو أن يتحول الرئيس إلى دمية فى يد البرلمان وحزب الأكثرية فيه». هذا التصريح تواترت مفرداته من قائد عسكرى لآخر. المشير نفسه أشار فى اجتماع ضمه لرؤساء وممثلى القوى السياسية إلى أنه «لا انتخابات رئاسية قبل الدستور»، قبل أن يتراجع العسكرى عن الصياغة القاطعة، التى قد تعنى تعطيل الانتخابات الرئاسية، والتشكيك فى جديته بنقل السلطة فى مواقيتها.

المعضلة هنا مزدوجة: إن أجريت انتخابات الرئاسة قبل إقرار الدستور قد يحدث تنازع صلاحيات بين الرئيس والبرلمان، ويدخل البلد فى فوضى سياسية وأزمة قرار.. وإن تأجلت الانتخابات الرئاسية بالعودة إلى «الدستور أولا» فإن العسكرى سوف يتهم بالتأمر للبقاء فى السلطة والتنكر لعهوده السابقة.. والاحتمال الأخير يفضى إلى مواجهات شوارع واضطراب سلطة.

فى الحالتين هناك أزمة شرعية تلقى بظلالها على ما بعد المرحلة الانتقالية.

هناك اقتراحات يجرى التشاور بشأنها لتجاوز الاحتقانات والأزمات المستحكمة، أهمها إعلان العودة إلى دستور (1971) كدستور مؤقت لحين الانتهاء من وضع دستور جديد يضاف إليه التعديلات الدستورية التى استفتى عليها فى (19) مارس (2011)، وملحق انتقالى ينص على إسناد المهام التنفيذية لرئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة الذى يستند على أغلبية برلمانية على أن تبقى فى يد الرئيس وحده المهام السيادية فى الدفاع والأمن والخارجية والقضاء. هذا مقترح طرحه قضاة فى المحكمة الدستورية على اللواء «ممدوح شاهين»، وقد يخضع مع مقترحات أخرى للتداول فى قناة جديدة يرأسها الفريق «سامى عنان» تضم فقهاء دستور كبار معارضون لخريطة الطريق التى اعتمدها العسكرى بمساندة الجماعة.

السؤال الرئيسى المطروح على القناة الدستورية الجديدة: «هل بوسعنا أن نوفق متأخرا بين استحقاق الانتخاب الرئاسى وضرورات العودة للدستور أولا؟».

لا تأجيل انتخابات الرئاسة متاح ولا طبخ الدستور مستساغ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.