أقترب العلماء أكثر من أي وقت مضى أمس الخميس من ظروف تحاكي إلى حد كبير تلك التي أعقبت الانفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون وذلك بعد أن ضاعف الباحثون في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن) من سرعة تجارب إحداث تصادم بين جسيمات دون ذرية بسرعات فائقة لم يشهدها العالم من قبل. وتعالت صيحات الإستحسان من خبراء الفيزياء في الوحدات البحثية للتحكم مع ظهور إشارات على شاشاتهم تنبيء عن نشوء جسيمات جديدة من تصادم ملايين البروتونات عبر مصادم الهدرونات الكبير في المختبر الاوروبي لفيزياء الجسيمات المترامي الأطراف والواقع في منطقة الحدود السويسرية الفرنسية المشتركة قرب جنيف وعلى عمق مئة متر تحت الارض.
ومصادم الهدرونات الكبير هو مجمع ضخم من المغناطيسات الحلقية العملاقة والأجهزة الألكترونية المعقدة والحاسبات وتكلف إنشاؤه عشرة مليارات دولار ويصل عمره الإفتراضي الى 20 عاما... وقال عالم الفيزياء الألماني أوليفر بوخمولر أحد كبار المسؤولين عن هذه التجارب "إنها بداية عظيمة ضمن تجارب عام 2012 ... إنه يبشر بان يكون عاما مثيرا في فيزياء الجسيمات."
وتتضمن أضخم تجربة علمية في العالم أحداث تصادم بين حزمتي جسيمات من البروتونات تسيران في إتجاهين متقابلين وفي مسار بيضاوي داخل نفق طول محيطه 27 كيلومترا في مصادم الهدرونات الكبير وبكم طاقة هائل وسرعات تقترب من سرعة الضوء لمحاكاة الظروف التي أعقبت الإنفجار العظيم الذي نشأ عنه الكون قبل 13.7 مليار عام.
ويركز العلماء في تجاربهم المستفيضة هذه على التعرف على كيفية نشوء المادة وما يعرف بضديد المادة وما إذا كان هناك وجود لما يعرف نظريا بإسم بوزون هيجز وهو جسيم إفتراضي قال عالم الفيزياء الأسكتلندي بيتر هيجز قبل ثلاثة عقود من الزمن أنه يساعد على التحام المكونات الأولية للمادة ويعطيها تماسكها وكتلتها.
وتندفع البروتونات في مصادم الهدرونات بسرعات تصل إلى 8 تيرا إلكترون فولت أي بزيادة نسبتها 15 في المئة عن الطاقة المستخدمة خلال العام الماضي كله وهو ما من شأنه أن يتمخض عن إضافة بيانات تزيد بواقع عشر مرات عن تلك المستقاة من الأبحاث التي جرت في العامين السابقين.
والإلكترون فولت هي وحدة لقياس الطاقة وتعادل كمية طاقة الحركة التي يكتسبها ألكترون وحيد حر الحركة عند تسريعه بواسطة جهد كهربائي ساكن قيمته واحد فولت في الفراغ.
وقد باءت بالفشل جميع المحاولات السابقة لفك شفرة جسيم بوزون الذي يعتقد أنه أسهم في تكون النجوم والكواكب والمجرات من مخلفات المواد المنشطرة من الإنفجارات ومن ثم نشأة الحياة على كوكب الارض وربما في عوالم أخرى مجهولة.