يطرح الكاتب والمخرج والممثل المسرحي البحريني خليفة العريفي، في روايته "جمرة الروح" موضوع الخيبات التي لا تنتهي والأحلام المحبطة والنضال الذي يصل بصاحبه الى يأس هنا وإيمان غريب عنه هناك. إلا أن حصة خليفة العريفي من الشعر في سرده ليست قليلة، بل "فائقة" خاصة في القسم الاول من الرواية. ويبدو أن هذا الأمر شائع جدا بين قسم كبير من كتاب الرواية العرب الى درجة، على الرغم من جمال النص الشعري هنا أو هناك، قد تسيء إلى العمل الروائي.
السرد بشعرية أمر جميل ومهم لكن كتابة شعر خالص بمعنى استقلاليته أو شبه استقلاليته عن الزمان والمكان المعينين للرواية أمر آخر قد يقال فيه أن صاحبه ربما ضل طريق السرد.
إلا أن خليفة العريفي "يستلحق نفسه" كما يقال اذ انه بعد القسم الاول من عمله يعود الى سرد معقول ويتحول الجو الشعري عنده الى خادم للسرد في شكل جزء لا يتجزأ منه على خلاف ما واجهناه في بداية الرواية.
وهناك شيء آخر يميز كتابة العريفي في القسم الاول من عمله ايضا وفي اماكن أخرى منها، وهو أن الفصل الواحد من الرواية يصلح أحيانا أن يكون قصة قصيرة مستقلة نوعا ما.
جاءت الرواية في 192 صفحة متوسطة القطع وصدرت عن (مملكة البحرين وزارة الثقافة والتراث الوطني) وعن (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) في بيروت وعمان.
تبدأ الرواية كما يلي "خرج الى الشارع.. رفرف بجناحيه.. رفع وجهه للشمس.. استنشق الهواء بنهم طفل لم يرضع منذ زمن.. كان يحمل وردة حمراء قطفها بلهفة من حديقة قرب السجن.. تأمل الوردة مليا وغاب طويلا في شذى العطر. لم تكن الوردة عطرة لكنه تخيلها كذلك.
وتستمر الكتابة الشعرية فيبدو هنا كأنه يكتب قصائد حديثة "وانت الآن تتعلمين اغنية الغياب والحضور وتنتظرين طويلا في المحطات المكسوة بالضباب والوحشة... اعلم ان السماء اوقفت امطارها والانهار اضاعت امكنة ولادتها ولم تبق الا البحار دواء للجروح."
بعد قراءة الرواية ومعرفة ان البطل سجن بتهمة تفجير سيارة ضابط انجليزي قد يجد القارىء نفسه قادرا على أن يفهمم هذه الكتابة الشعرية التي تبدو تدور حول الحدث ولا تسهم فيه زيادة أو نقصانا. أما قبل ذلك فتبقى الأمور معلقة.
ومن ناحية اخرى نصل الى فصل بعنوان "زينب" وهي بطلة القصة وزوجة السجين. الفصل يصلح تماما لان يكون قصة قصيرة تفيض شعرا. ويبدو كذلك أنها وصلت الى نهاية معقولة من الخوف ومن الحاجة، لكنها فعلا قسم من رواية كبيرة. نقرأ وصفا شعريا في هذا الفصل إذ يقول الكاتب "كانت السماء رمادا عندما وقفت على الرصيف تنتظر.. أليس الانتظار أغنية بطيئة الايقاع مجهولة المعنى؟ انتظرت طويلا لكن السماء ظلت معادية ولم تمطر."
ويبدو لنا هنا ان الكاتب لا ينقل الواقع او ما يشبهه، بل يرسم صورة من الحزن المكثف لينقل ما في ذهنه وهو عالم شعري حزين اكثر منه واقعا. الواقع قد يكون اسوأ او افضل -هذا لا شك فيه- لكنه يكون مختلفا عن هذه الصورة الذهنية والحالة النفسية التي تشبه الشعر الرومانسي أكثر من الرواية القريبة من الواقع.
في الرواية تتشابك الازمنة وتتداخل الاماكن في اجواء تنضح بالرمز أحيانا. الزوج في السجن كما اسلفنا وهي مع ابنتها التي لم يرها والدها بعد. بعد رفض طويل رضخ السجين وقبل توقيع ورقة "توبة" شوقا الى زوجته وابنته. لكن الزوجة لما عرفت ذلك اعتبرت انه مات. "مات مشنوقا على رماد ورقة".
بعد خمس سنوات خرج وتجول تائها. اسعفته امرأة عجوز عرفت امه وقالت له انه لم يبق احد من اهله وان بيتهم سكنه اغراب بعد ان باعه اخوته ورحلوا. الخيبة تحول السجين السابق والشيوعي العنيد الى متصوف زاهد لا يتعرف الى احد. اما هي زينب فتزوجت من خالد بعد أن طلقت زوجها.