أغلقت مكتبة الإسكندرية أبوابها أمام جمهورها منذ الأسبوع الماضى، بناء على احتجاجات للعاملين بالمكتبة قالوا إنهم متضررون من أوضاع غير عادلة فى إدارة المكتبة، منها إهدار مال عام وفجوة كبيرة فى المرتبات، مكتبة الإسكندرية تلك المؤسسة الدولية التى احتضنتها مصر، وأصدرت قانونا خاصا لإدارتها، تردد عنها الكثير من الشائعات، لكن سمير غريب رئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، تبنى فى مقالاته ب«الأخبار» خلال الأشهر الماضية حملة ضد مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين، ليشير إلى بعض الأمور التى تخص إدارة مكتبة الإسكندرية، الشروق حاورت غريب لمعرفة أسباب هذه الحملة التى بدأت بشكل مفاجئ بعد ثورة يناير، والتى وجهت لغريب اتهامات بسببها؛ أبرزها أنه لم يكن بعيدا عن دوائر اتخاذ القرار فى النظام السابق، بحكم منصبه كرئيس للجهاز القومى للتنسيق الحضارى ومن قبله رئيسا لدار الكتب والوثائق القومية. فى بداية حديثه أكد غريب أن مقالاته لا تصف ما يحدث فى المكتبة أو ما يصدر عن مديرها بالفساد أو حتى التجاوز، قائلا: «أنا لم استخدم أيا من هذه المصطلحات إطلاقا، ولكن لدى معلومات أعرضها على الرأى العام، وأطرح أسئلة على المسئولين والمختصين والجهات الرقابية». وبالطبع حق الرد مكفول.
●لماذا إذن تتناول أوضاع المكتبة الآن؟ لدى معلومات جعلتنى أطرح تساؤلات على المسئولين والجهات الرقابية خصوصا بعد الثورة، من بين هذه الأسئلة، هل يجوز التفرقة بين المؤسسات الوطنية المصرية؟ وهل يجوز للدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية أن يكون الموظف الوحيد فى الحكومة المصرية الذى يتقاضى مرتبه بالدولار؟ فى حين يعد ذلك مخالفا للقوانين، لماذا يتقاضى مدير مكتبة الإسكندرية راتبا يصل ل20 ألف دولار؟ ويصل مرتب أحد مديرى الإدارة المالية بالمكتبة إلى 34 ألف جنيه شهريا، أتحدى أن يكون راتب وزير مالية مصر الآن يصل إلى هذا المبلغ، ولا أظن حتى راتب الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء، ولا أنه يتقاضى راتبه بالدولار؟
● وأين تقع مكتبة الإسكندرية بين المؤسسات الثقافية فى مصر؟ للأسف المكتبة خرجت عن الخط الذى كان مقررا لها، فمشروع المكتبة حين كان تحت التأسيس استظل بمظلة اليونسكو وجمعت له تبرعات على اعتبار أنه مشروع إعادة إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة التى كانت إحدى عجائب الدنيا، إلا أن نشاط المكتبة الحقيقى هو جزء صغير جدا من النشاط الذى يفترض أن تقوم به مؤسسة مكتبة الإسكندرية، التى بها معارض ومؤتمرات بشكل دورى، ويتبعها مراكز ومؤسسات أخرى، ولكن النشاط الأساسى كمكتبة ضعيف جدا، فنشاط المكتبة يساوى اقل من 10% من نشاط دار الكتب التى بها نحو 8 ملايين كتاب ودار الوثائق يقدر عدد الوثائق بها إلى نحو 10 ملايين وثيقة، فى حين مكتبة الإسكندرية لا تحتوى سوى على نصف مليون كتاب فقط، فأين مكتبة الإسكندرية من هذا العمل المكتبى الاحترافى المتخصص.
● برأيك لماذا انحرفت المكتبة عن مشروعها الأساسى؟ لأن الدكتور إسماعيل سراج الدين كان منصبه السابق نائب رئيس البنك الدولى، ويرى أنه لا يليق أن يترك منصبه ليكون مدير مكتبة حتى لو كانت مكتبة الإسكندرية، فقرر أن تكون مؤسسة كبيرة، فمكتبة الإسكندرية هى وزارة ثقافة موازية فى مصر، تقوم بجميع الأنشطة التى تقوم بها وزارة الثقافة.
● وما دليلك على هذا التوجه؟ تجاوزت المكتبة حدودها الجغرافية على سبيل المثال فضمت مشروعات مهمة مثل مشروع التوثيق الحضارى الذى كان تابعا لوزارة الاتصالات، وتنازل وزير الثقافة السابق فاروق حسنى عن بيت السنارى فى القاهرة التاريخية لإسماعيل سراج الدين ليحوله إلى مركز تابع للمكتبة.
● يوجه لك اتهام بأنك تشن هذه الحملة حقدا على مدير المكتبة ولأنك كنت تطمع فى منصبه أو منصب آخر؟ لم أطمع فى منصب مدير مكتبة الإسكندرية؛ لأنى ببساطة كنت رئيسا لدار الكتب والوثائق المصرية وهى مؤسسة أكبر وأهم من مكتبة الإسكندرية، مع احترامى لمكتبة الإسكندرية، لكنى لست موظفا فى الحكومة فقط؛ فأنا كاتب ولست مجرد كاتب نكرة، أنا كاتب معروف ولدى معلومات، أطرحها على الرأى العام.
كنت أكتب فى مقالاتى ما لا يعجب الحكومة السابقة فى عز قوتها، وأذكر حين انتقدت الدكتور سمير فرج محافظ الأقصر فى خمس مقالات متتالية، كان كل مقال منها سبب مشكلة بين رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف ووزير الثقافة فاروق حسنى؛ لأن نظيف كان يلوم فاروق حسنى كيف أن موظفا لديه فى الوزارة ينتقد فاروق حسنى، وبالفعل تدخل نظيف وأحد وزرائه لمنع نشر إحدى هذه المقالات. كان هذا الوضع مع رئيس الوزراء فما بالك بإسماعيل سراج الدين الذى يرأسه بشكل مباشر الرئيس السابق مبارك شخصيا.
● كيف كان مبارك رئيس إسماعيل سراج الدين المباشر؟ مكتبة الإسكندرية هى المؤسسة الثقافية الوحيدة فى مصر التى كانت تتبع رئيس الجمهورية طبقا للمادة الأولى من قانون إنشائها، فأصبحت مكتبة الإسكندرية مثلها مثل المخابرات العامة والأجهزة الرقابية الأخرى التى ينص القانون والدستور على أنها تتبع رئيس الجمهورية. هذا الوضع مستمرا حتى الآن، فالمؤسسة المدنية الثقافية الوحيدة التى تتبع المجلس العسكرى بشكل مباشر هى مكتبة الإسكندرية، فتبعية المكتبة لرئاسة الجمهورية طبقا للقانون هو وضع من الأوضاع التى يجب تصحيحها فى المكتبة؛ لأن الدكتور إسماعيل سراج الدين ببساطة هو من كتب مسودة قانون تأسيس مكتبة الإسكندرية وأعطى لنفسه هذه الحصانة من خلال القانون، بالإضافة إلى أنه نص فى مواد قانون المكتبة أن المكتبة لا تخضع للقوانين المصرية!
● قلت إن هناك أوضاعا استثنائية أخرى ترتبت على هذا القانون، فما هى؟ قرار مجلس أمناء المكتبة بمد العمل للدكتور إسماعيل سراج الدين مقابل أجر صافى يحصل عليه بالدولار فى حين أنه موظف مصرى، وأن يتم المد له لمدة 5 سنوات تنتهى فى 2016 وهو الآن يبلغ من العمر 67 عاما، أى أن مدة رئاسته الحالية للمكتبة تنتهى وهو فى ال73 من العمر، ورغم أن ذلك يخالف كل القوانين المصرية إلا أن النص الذى يقول إن المكتبة لا يطبق عليها القوانين المصرية مرر كل تلك الأوضاع الخاطئة، لذلك يجب الطعن على دستوريته.
حتى هذا القانون المعيب لم تلتزم المكتبة به، ففى مايو الماضى (أى بعد ثورة يناير) اجتمع مجلس أمناء المكتبة ليصدر قرارا بالتجديد لإسماعيل سراج الدين لمدة 5 سنوات، وهو الاجتماع الذى رأسه الدكتور عبدالعزيز حجازى رئيس لجنة المتابعة بمجلس أمناء المكتبة، وترأس الجلسة بناء على توافق بين باقى أعضاء المجلس، فى حين أن سوزان مبارك هى رئيس مجلس الأمناء أى أن هذا الاجتماع طبقا لقانون المكتبة الفاسد اجتماع باطل، لأن سوزان مبارك لم تحضر الاجتماع لأن زوجها يحاكم الآن، وابنيها فى السجن.
● ولماذا فى رأيك وافق مجلس الأمناء على التجديد لإسماعيل سراج الدين، رغم ما أثير حوله من قبل بعض العاملين فى المكتبة فى الفترة الماضية؟ لأن مجلس أمناء المكتبة ببساطة يضم 5 أشخاص يمثلون الحكومة المصرية بحكم مناصبهم، وبقية الأعضاء هم شخصيات عامة رشحها سراج الدين نفسه لسوزان مبارك ووافقت على تعيينهم، بصفتها المفوض من رئيس الجمهورية برئاسة مجلس الأمناء.
● يوجه لك اتهام آخر بأنك لم تتحدث عن مكتبة الإسكندرية قبل ذلك والآن تدعى الثورية وكأنك كنت «ضمن حزب ثورى سرى»، فما هو تعليقك؟ ومن كان يستطيع التحدث فى عهد مبارك والجميع يعلم أن إسماعيل سراج الدين كانت تسانده حرم الرئيس السابق. لقد حضرت بنفسى حين كنت رئيسا لدار الكتب والوثائق محاولات سراج الدين ضم الدار للمكتبة، ولكن فاروق حسنى رفض هذا التوجه وقتها.
هذا الوضع الاستثنائى الذى يعيشه سراج الدين؛ مرره النظام السابق من خلال قانون غير دستورى؛ وافق عليه مجلس شعب واقع تحت سيطرة الحزب الوطنى، فمن كان يستطيع مناقشة ذلك.
يكفى أن أذكر هؤلاء بقوة سراج الدين ونفوذه حين استولى على أماكن ومشروعات حيوية كبيت السنارى الذى تنازل عنه وزير الثقافة السابق فاروق حسنى كما ذكرت سابقا، ومركز التوثيق الحضارى الذى استطاع سراج الدين ضمه بعد أن كان تابعا لوزارة الاتصالات، وكذلك استولى سراج الدين على مشروع مدينة العلوم الذى كان يتبع أكاديمية البحث العلمى ووزارة التعليم العالى.
ولنفرض أنى لم أكتب أو نسيت أن أكتب فلماذا يظل هذا الوضع، حتى بعد الثورة التى قامت ضد الظلم وتسعى لعدالة اجتماعية؟، وأين كان أساتذة القانون أمام قانون مثل هذا؟ وأين كان المسئولون السابقون والحاليون من هذا الوضع؟
● كيف استطاع إسماعيل سراج الدين أن يحصل على كل هذا النفوذ من عائلة الرئيس السابق حتى إنهم غلبوه على فاروق حسنى المعروف بقربه من السيدة الأولى أيضا؟ لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال؛ لأنى لم أكن من عائلة الرئيس ولا أعرف ماذا حدث.
● كنت أحد كبار موظفى وزارة الثقافة فلماذا لم تنشر ما لديك عن وزارة الثقافة أيضا؟ إذا حصلت على معلومات سأنشرها، وبالفعل لدى معلومات عن أوضاع خاطئة فى الوزارة سأتناولها قريبا.
تجديد عقد سراج الدين مديرًا للمكتبة بمقابل شهرى 20 ألف دولار صافيًا