«هناك أماكن فقيرة فى مصر أفقر من مناطق المجاعات فى أفريقيا»، بهذه الجملة استهل د. هانى البنا مؤسس واحدة من كبريات مؤسسات الإغاثة الإنسانية فى لندن. ووصف د. البنا بعض العشوائيات فى مصر بأنها «أكثر بؤسا ومعاناة من عشوائيات بنجلاديش والهند». والدكتور هانى البنا خريج كلية طب جامعة الأزهر، مؤسس مؤسسة الإغاثة الإنسانية الإسلامية الدولية بلندن فى الثمانينيات، والتى أنشأها بعد تأثره الشديد بمذبحة صابرا وشاتيلا عام 1982، ثم مجاعة القرن الأفريقى عام 1983، وقال إن بدايته جاءت عفوية ورد فعل طبيعى هو ومجموعة من طلبة الدراسات العليا بجامعة برمنجهام لتأثرهم إنسانيا بما يجرى هناك.
وبدأ د. البنا حواره ل«الشروق»، بتأكيده أنه لا ينتمى إلى عائلة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، وإنه يواجه مضايقات بسبب اسمه فى مطارات بعض الدول العربية، ويتم وضع علامة استفهام أمام اسمه بينما فى مطارات الدول الأوروبية تحدث له مضايقات بسبب عمله فى الإغاثة «الإسلامية».
ووصف د. البنا طبيب العيون الحاصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة برمنجهام ولقب سير من الملكة إليزابيث الثانية، بسبب أعمال مؤسسته الاغاثية، «العمل الإنسانى فى الصومال أسهل من العمل الإنسانى فى مصر»، لأن البنية التحتية فى الصومال صفر، بينما البنية التحتية فى مصر موجودة، ولكنها تعانى من انهيار شديد، ناهيك عن وجود الفساد خلال العمل الإنسانى.
وأوضح د. البنا أنه لا يعانى من أى صعوبات بسبب اسم مؤسسته فى لندن، مشيرا إلى أن وجود الحرية والشفافية والمحاسبة ودعم الدولة للعمل الإنسانى، «يسهلوا عمل أى مؤسسة خيرية». وقال إن «بريطانيا تقوم بالإعفاء الضريبى ودعم المشاريع الإنسانية ماديا، بل والدفاع عن العاملين فى المؤسسات الاغاثية إذا ما تعرضوا إلى مشكلات خلال عملهم الإنسانى»، بينما ذكر أن هناك بعض الدول العربية التى رفض تسميتها تمنع حتى الاتصال بمتبرعين أو عمل دعاية للمؤسسات الخيرية الإسلامية، موضحا أن هذه الدول تخشى وجود مجتمع مدنى ذى فلسفة وفكر، ووجود قيادات اجتماعية، مما يعنى وجود طفرة ديمقراطية، تؤدى إلى الحرية والانفتاح، لذا فهى تئد فكرة المجتمع المدنى برمته.
وخلال حواره، أشار إلى ضرورة عدم الخداع بإدعاء عدم وجود فقر فى أوروبا، موضحا أن أكبر الدول النامية وأكثرها نموا من الناحية الاقتصادية، ليست أفضل من أفقر الدول، فضواحى لندن خير دليل على هذا، حيث توجد حالة فقر نوعى، بالرغم من تقديم الحكومة البريطانية إعانة اجتماعية، ولكنها لا تكفى لارتفاع الأسعار، مشيرا إلى أن مؤسسته تقوم بتقديم خدمات لسكان الضواحى من ناحية مسئوليتها الاجتماعية للمجتمع البريطانى، وأوضح أن مؤسستة تقوم بتقديم إعانات للطلبة الوافدين، وتسدد ديون غير القادرين، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الصحية إلى الذين لا تشملهم مظلة التأمين الصحى.
وقال د. البنا إن الفقر كان أساس اندلاع ثورات الربيع العربى، وذكر أن مؤسسته تعمل فى مصر بالتعاون مع مؤسسات فى حلوان لرعاية المعاقين، كما كان عائدا للتو من ليبيا التى حرص على زيارتها ثلاث مرات منذ اندلاع ثورتها، لأنها من أكثر الدول التى عانت من مأساة انسانية حقيقية، وأشار إلى أن الوضع الإنسانى شبه مستقر فى الشرق، بينما فى الجبل الغربى الوضع الإنسانى متدهور، بالإضافة إلى وجود حالات اغتصاب شديدة قام بها المرتزقة، تذكره بحالات الاغتصاب التى رأها فى البوسنة والهرسك وكوسوفو.
وبصفته شاهد عيان على الأحداث فى ليبيا، قال إنه يخشى من مرحلة الاستقرار العسكرى، لأنه سيؤدى إلى عدم استقرار سياسى، لأن الثورة الليبية قادها شباب غير مدرب على العمل السياسى، لهذا قامت المؤسسة بإقامة دورات تدريبية فى المنطقة الشرقية حول مبادئ العمل المدنى والحكم المحلى.
وأوضح أن فلسطين من أصعب مناطق العالم التى تعمل فيها مؤسسته، لأن لا يوجد استقرار أمنى ولا اقتصادى، ما يمنع تنفيذ مشاريع طويلة الأمد، فبمجرد شن اسرائيل غارة جوية على غزة تدمر البنية التحتية التى أنفق عليها الملايين.
وعن سبب إعطاء مؤسسته صفة الإسلامية، قال إن المجتمع البريطانى مجتمع منفتح يقبل الآخر، و«عندما أسست المؤسسة فى الثمانينيات اخترت صفة الإسلامية، باعتبار أن الإسلام جزء من هوية المؤسسين، وكنت أريد أن تتعامل الحكومة البريطانية معنا على أساس أننا مسلمون، ولكننا غير متخلفين ولدينا كفاءة فى العمل. وهذا ما أجبر الحكومة البريطانية على أن نكون جهة منفذة لمشاريع الاتحاد الأوروبى، كما عقدنا شراكة مع المفوضية العليا للاجئين، وبرنامج الغذاء العالمى، ومؤسسة الهجرة الدولية. كما بات للمؤسسة الكثير من المكاتب فى العالم، جعلت ملكة بريطانيا تكرم المؤسسة ورئيسها والأمير تشارلز يزورها».
ونفى د. البنا قيام المؤسسة والتى لم يعد يترأسها الآن، القيام بنشر تعاليم الدين الإسلامى خلال قيامها بعمليات الإغاثة فى البلدان الغير إسلامية، ويرى أن أى جمعية انسانية تجبر المحتاج على تغيير دينه، ترتكب جريمة ضد الإنسانية، مشيرا إلى أن دور المنظمات الإنسانية إخراج الإنسان من حالة الفقر، وقال عندما كنا نقوم بأعمال إغاثة فى الشيشان، كنا نقدم لحوم الأضاحى لغير المسلمين، وكانت السيدات تفرح للغاية، فكيف أقول لها خذى لحما مقابل زعزعة إيمانك بدينك، فلا يمكن ربط الإغاثة بالقرآن أو الإنجيل.
وحول مدى صعوبة جمع أموال التبرعات فى بريطانيا، قال د. البنا إن مبدأ المحاسبية التى تعتمد عليه المؤسسات فى لندن، جعل حسابات المؤسسات معروفة ومنشورة على مواقع الإنترنت، ومن حق أى متبرع لأى مؤسسة أن يعرف كل معلومة صغيرة أو كبيرة عن مصادر تمويلها.