لا يمكن التفريق بين الاحتفالات بموالد الأولياء والقديسين التي تقام في معظم ربوع مصر... هكذا يرى الكاتب الراحل خيري شلبي لدى تقديمه لكتاب "موالد الأولياء والقديسين" الصادر مؤخرا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. ويرى شلبي أنه من لا يلحظ الفروق (الشكلية) بينها فقد لا يعرف ما إذا كان الاحتفال بمولد أحد الأولياء أو أحد القديسين، معتبرا أن مضمون المدائح الغنائية واحد عند جمهور المحتفلين هنا أو هنا، ومرجعا ذلك إلى أن الجوهر الإنساني للشخصية المصرية واحد.
وعن فكرة "المولد"، تقول الباحثة عائشة شكر- مؤلفة الكتاب- إن الكنيسة هي الجهة الوحيدة التي تحدد تاريخ استشهاد القديس. وللاحتفال الرسمي طقوس تجرى بها، فيما لا تتدخل المؤسسة الدينية الإسلامية الرسمية في هذه الاحتفالات وتتولاها الطرق الصوفية. وفي المعتقد الشعبي ينظر لأولياء الله، بحسب الباحثة، على اعتبار أنهم الواسطة بين الإنسان وخالقه، وهو موضع تقدير أسطوري من جانب الأقباط والمسلمين، أما القديسون فهم مراتب دينية لا يحوزها إلا من تمنحه الكنيسة هذا اللقب، لكن تنسب للقديسين والأولياء معجزات يطلق عليها "كرامات".
وترى الباحثة أن المعتقدات الشعبية كانت راسخة في نفوس المصريين حتى قبل ظهور الأديان السماوية، ومع التطور الإنساني أوجد المصريون صيغا توافقية بين الأديان والمعتقدات السابقة، فلم يجدوا مثلا تناقضا بين الوحدانية (الإله الواحد- آمون) وبين تعدد الآلهة المحلية. ومع بزوغ المسيحية والإسلام ظهر طلب شفاعة القديس والولي وتم مواءمته مع عبادة الله.
وتصنف الدراسة الأولياء والقديسين إلى مشهورين وقدامى ومحدثين، وبحسب انتشارهم الجغرافي وتخصص "كراماتهم"، كما تستعرض سيرهم التاريخية والفلكلورية، وتلاحظ أن الوعي الشعبي يصوغ صورتي القديس أو الولي على شاكلته، فهو كائن بشري مثلهم يعايش صور القهر والاضطهاد والظلم، وأنهما وسطاء الله تنفذ بواسطتهما مشيئته.
وتستعرض الدراسة أيضا صور الاحتفالات بموالد القديسين والأولياء، وحكاياتهم المستلهمة في الغناء الشعبي الاحتفالي، ورصدت مظاهر التغير في أساليب الاحتفال حديثا، بسبب تطور الأوضاع الاجتماعية النفسية والسياسية. وتحلل الدراسة ملامح الشخصية المصرية من خلال هذه الموالد، وتتجلى في التدين وربطه بالدور الاجتماعي لأماكن العبادة والأضرحة، وكذلك التسامح في مقابل التعصب، وتقبل الآخر، والقدرية ليس بالمعنى التواكلي وإنما بصيغة التوسل والتقرب.
وترى الباحثة عائشة شكر مستقبل هذه الاحتفاليات في احتمالين، هما استمرار الإطار القانوني والسياسي للعلاقات الاجتماعية في مصر، مما قد يؤدي إلى تزايد الصراعات ووقوع حالات التوتر الطائفي، كما قد يتزايد نفوذ الجماعات المتشددة حيث ستسعى الطرق الصوفية إلى تجنب الاحتكاك معها وتنكمش مظاهر الاحتفالات الشعبية.
أما الاحتمال الثاني، فبحسب الدراسة، إذا أحدثت التشريعات الطابع المدني لسلطة الحكم وكفلت سلمية الصراع، مع وجود مشروعات قومية وتنموية تخفف من حدة التوترات الاجتماعية، فسيقتصر الاهتمام بالموالد على الجوانب الروحانية، ويقلل من كثافة الاهتمام الشعبي بالأبعاد السياسية.