الأقصر – حجاج سلامة : الخميس , 04 أغسطس 2011 16:46 مع إطلالة شهر رمضان من كل عام تنطلق احتفالات المصريين بأيام وليالي شهر الصوم الفضيل ويتخذ الاحتفال طيلة هذا الشهر المبارك أشكالا عديدة كإقامة السرادقات في الميادين والشوارع وإقامة مجالس الذكر وتلاوة القرآن الكريم إضافة لازدهار عروض الفنون الشعبية. وتعتبر معظم القبائل في القرى والمدن المصرية شهر رمضان فرصة لتقوية الروابط الاجتماعية حيث يقبلوا على التعارف والمشاركة في إحياء لياليه وإقامة موائد الإفطار والتزاور . بجانب إقامة الندوات الدينية في المساجد وإقامة أمسيات دينية كبرى يحضرها المحافظون ورؤساء المدن وتتخذ طابعا رسميا في تنظيمها . أما القرى التي تنتشر فيها الطرق الصوفية وأضرحة الأولياء والعارفين فتخرج "دورة رمضان " عشية أول أيام رمضان في صورة كرنفالات شعبية ينظمها رجال الطرق الصوفية ويتقدمها الخيالة وراكبي الإبل المزدانة بقطع القماش المزركشة يليها أتباع الطرق الصوفية حاملين الدفوف والسيوف يتبعهم أصحاب الحرف المختلفة. ويتم الطواف في أرجاء القرى والمدن أحيانا ويبدأون من أمام أضرحة العارفين وينتهون عندها في حركة دائرية حول القرية وفى الطريق تلقى عليهم النساء من شبابيك وشرفات المنازل الحلوى " وترش " عليهم الروائح العطرية وتصدح بالزغاريد والدعاء بان يعود عليهم رمضان والجميع في خير وسلام وتستعد الأسر والعائلات في صعيد مصر لاستقبال شهر رمضان بشراء احتياجات ولوازم الشهر الكريم ,مثل المكسرات والمخللات ,والفول المدمس . ويستعد الأطفال لاستقبال شهر الصوم بطريقتهم الخاصة فيصنعون "مدافع " صغيرة يقومون بحشوها بالكبريت لتنطلق أصواتها مزلزلة المكان مع كل آذان مغرب طوال شهر رمضان وتعلق الزينات المصنوعة من الورق والبلاستيك والفوانيس ومجسمات المساجد فوق المساكن وبين الطرقات حيث يشارك في وضعها الجميع صغارا وكبارا. وتقام أفران الكنافة والقطايف و تضاء وتتلألأ العقود الكهربية وتفتح الزوايا ودواوين العائلات قبل قدوم الشهر بأيام عدة وتستعد الأسر والعائلات لإحياء ليالي شهر رمضان بدعوة أتحد " المشايخ " الذي يقرأ القرآن وينشد التواشيح الدينية والأدعية والابتهالات طوال شهر الصوم بدءا من آذان المغرب وحتى طلوع الفجر فيفطر الشيخ وسط هذه العائلات ويتناول سحوره معهم. كما تنتشر موائد الرحمن في الشوارع والميادين وأمام المنازل ,حيث يدخل الجميع في سباق جميل للفوز بأكبر عدد من عابري السبيل لتناول الإفطار معهم . وفى القرى البعيدة عن المدن تجلس النساء في جماعات لعمل الكنافة بأيديهن ,بجانب عمل "القطايف " و"لقمة القاضي "والتي يسمونها هنا – الزلابية-. وفى مدينة الأقصر – جنوب مصر – تعج ساحة الشيخ الطيب حيث ولد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر ,بزوارها من كل مكان طوال أيام الشهر . كما يفد إليها الكثير من أبناء العالم الاسلامى وجالياته من المغرب وتركيا وحتى اليابان وأمريكا .إذ يأتون هنا لنهل المزيد من علوم الإسلام وتعاليمه على يد أحفاد الشيخ الطيب – أحد الأعلام الدينية في الصعيد ويقضى دراويش الشيخ الطيب ليالي رمضان في مجالس وحلقات الذكر ,كل ليلة في ساحة آو ديوان . وتعد ساحة الشيخ أبو الحجاج الاقصرى والساحة الرضوانية – أيضا - من أشهر الساحات الإسلامية في صعيد مصر ,حيث تمتلئ بروادها ليل ونهار في رمضان ولا تتعجب إذا تناولت طعام الإفطار أو السحور في احد هذه الساحات ووجدت أن من يأتيك بالطعام آو الشراب اويرشدك إلى مكان الوضوء هو مستشار في أتحد الهيئات القضائية آو لواء في الشرطة . فالكل يأتون إلى هذه الساحات للتقرب إلى الله وخدمة العباد , فلا فرق بين لواء في الشرطة أو مستشار في محكمة ,أو بائع خضروات في السوق . وإذا كانت المساجد والساحات لا تفرغ من الصائمين طوال الليل والنهار ,كذلك المقاهي لاتخلوا من روادها الشباب .فالسهرات الرمضانية وشرب الشيشة ,والمشروبات الرمضانية الساخنة لا تنفض إلا مع بزوغ الفجر. يذكر أن قرى مصر وخاصة في الصعيد تتميز الحياة الدينية فيها بانتشار الطرق الصوفية بها بصورة واسعة فلا تخلو قرية مصرية من وجود طريقة صوفية بها منذ مئات السنين وتنشط تلك الطرق في شهر رمضان ويقال أن عدد الطرق الصوفية بلغ في مصر العثمانية 80 فرقة لكل منها فروع في القرى والمدن وكان لكل طريقة ومازال شعارها وأورادها الخاصة بها . ويحرص أتباع كل طريقة على ترديد الأوراد الخاصة بهم ويتلونها بشكل جماعي في وقت يحدده شيخ الطريقة وقد ساعد ارتباط تلك الطرق بأسماء بعض المشايخ والأولياء في انتشارها في الريف وانتشارا واسعا مثل الطريقة الشاذلي نسبة ألي الشيخ أبو الحسن الشاذلي والطريقة الاحمدية نسبة ألي احمد البدوي والطريقة الرفاعية نسبة إلي احمد الرفاعى . ولا يقتصر احتفال الطرق الصوفية بالمولد النبوي الشريف بل تحتفل بمولد الأولياء الصالحين في المحافظات والمدن والقرى ومن الموالد التي تشهد جمهورا كبيرا من الزوار والمريدين مولد سيدي عبد الرحيم القنائى في قنا ومولد سيدي أبو الحجاج الاقصرى في الأقصر ومولد سيدي إبراهيم السوقي في دسوق ومولد سيدي جلال الدين في منفلوط وغيرها من الموالد التي لا حصر لها كما يقول الدكتور نبيل السيد الحوفى أستاذ التاريخ الحديث في جامعة المنيا بصعيد مصر والتي تقام في القرى والمدن التي تنتشر فيها الأضرحة الخاصة بالمشايخ والأولياء والعارفين والذي يعتقد الناس في كرامتهم وبركاتهم فيزورون أضرحتهم للدعاء أملا في أن يتقبل الله الدعاء ببركة هؤلاء المشايخ والأولياء. وكما يحتفل المسلمون في مصر بموالد العارفين والأولياء فإن أقباط مصر يحتفلون أيضا بمولد القديسين مثل مولد ستى "دميانه" ومولد مارى جر جس بجانب 14 عيدا قبطيا على مدار العام تشهد العديد من العادات والتقاليد الشعبية . ويشارك المسلمون الأقباط احتفالاهم بالقديسين كما يشارك الأقباط المسلمين احتفالاهم بموالد الأولياء . وتتشابه احتفالات الأقباط والمسلمين بالموالد مثل إقامة ”الدورة " وانتشار باعة الحلوى والتشفع بالقديسين والأولياء.