أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة مؤخرا كتابا بعنوان «الموالد دراسة للعادات والتقاليد الشعبية في مصر» لمؤلفه الدكتور فاروق أحمد مصطفي الأستاذ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية. وهو نفس الكتاب الذي كان قد أصدرت له طبعته الأولي عام 1980 وطبعته الثانية عام 1981. يقع الكتاب في 365 صفحة من القطع المتوسط وربما لأهمية الدراسة التي احتواها الكتاب بادرت هيئة قصور الثقافة لإصداره في طبعة جديدة بعد أن توقفت هيئة الكتاب عن إصدار طبعة ثالثة. رغم أنها أول دراسة إنثروبولوجية متخصصة للموالد كظاهرة ثقافية شعبية. وكما ذكرت مجلة الحوادث اللبنانية التي تصدر في لندن في عددها الصادر بتاريخ 17/4/1981 قولها: تعد هذه الدراسة رائدة بكل المقاييس في حقل الدراسات الإنثروبولوجية وتكشف الكثير من جوانب الحياة في مصر وجذورها عبر التاريخ. تقول صفحات الكتاب: عرفت مصر الاحتفالات الدينية منذ عصور الفراعنة، وظلت الاحتفالات بأعياد القديسين بعد أن دخلت المسيحية مصر وانتقلت إلي الاحتفال بأولياء الله الصالحين بعد دخولها الإسلام، وتحولت الموالد إلي مناسبات قومية يشارك فيها المسلمون والمسيحيون، بل وحبها اليهود عندما كانوا يعيشون في مصر، فنراهم في موالد الحسين والسيدة زينب وأحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي. بينما تختلف التقديرات المتعلقة بعدد الموالد التي يحتفل بها المصريون في كل عام وتتراوح بين 2500، 3000 وترصد الدراسة العلاقة الوثيقة بين الموالد والعادات الشعبية في مصر والتي تناولت أيضا أهم الموالد في مصر ومنها المولد النبوي الشريف ثم مولد الحسين ومولد السيدة زينب ومن الأولياء أحمد البدوي، إبراهيم الدسوقي، أحمد الرفاعي، عبدالرحيم القنائي، أبوالحجام الأقصري، أبوالعباس المرسي ومن القديسين الأقباط مارمينا، مارجرجس، واستخدم المؤلف المنهج التاريخي للتعرف علي الظاهرة والوقوف علي حقيقتها، محاولا البحث عن إجابة للتساؤل الذي طرحه بعض الباحثين الأجانب عما إذا كانت الموالد تمثل في أصلها حركة بعث وإحياء الاحتفالات المصرية القديمة. حيث تشير دراسات سابقة أجراها علماء وباحثون أجانب عن الموالد منها «وينفرد بالاكمان» التي أصدرت كتابا عام 1927 بعد 6 سنوات قضتها في الصعيد، فكتبت عن موالد الأولياء المسلمين والقديسين المسيحيين والمكانة التي يتمتع بها هؤلاء الرجال المقدسين ووصفت تقديسهم بأنه عبادة لا تتجزأ عن الدين الشعبي أو المعتقدات الشعبية وهو ما يرفضه د. مصطفي مؤكدا أن التقديس الذي يحيط بالأولياء والقديسين لا يزيد علي كونه نوعا من الشعائر ولا يرقي بأي حال من الأحوال إلي درجة العبادة، لكنه يتفق مع بالاكمان في أن الموالد ليست مجرد مناسبات دينية، وإنما هي مناسبات اجتماعية للتسلية والاستمتاع بالموسيقي وألعاب الأطفال والرقص الديني المعروف باسم حلقات الذكر. هناك أيضا دراسة للجنرال ماكفرسون الذي قضي أكثر من نصف قرن في مصر وعمل خلالها في عدة مناصب حكومية خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر وتردد علي الموالد وأحب المصريين.. وعبر عن ذلك في كتاب بعنوان «الموالد في مصر» نشرته هيئة الكتاب في نهاية التسعينات من القرن الماضي أكد في مقدمته أن قيامه بدراسة الموالد إنما لرد الدين الذي في عنقه لمصر، وأعد قائمة بأهم الموالد جمع فيها أكثر من سبعين مولدا حدد مواعيدها وفقا للتقويم الهجري، وكانت للجنرال صلات وطيدة برجال الطرق الصوفية وأهمهم السيد أحمد مراد البكري شيخ مشايخ الطرق الصوفية، ونقيب الأشراف في ذاك الوقت. وقد أهداه «ماكفرسون» نسخة من دراسته عن الموالد والتي كان قد نشرها علي نفقته الخاصة في كتاب عام 1941. يلفت د. فاروق النظر إلي أن ماكفرسون كان متحيزا للقديم ويراه أفضل من الحديث. وأشار في أكثر من موضع في كتابه إلي أهمية المحافظة علي التقاليد الموروثة والنظم الدينية المحببة. يري د. فاروق من خلال كتابه أن الهدف من الاحتفال بالموالد والأعياد الدينية القديمة يختلف باختلاف كل عصر فوظيفة الاحتفالات الدينية في مصر القديمة كانت تؤدي من أجل هدف ديني وهو تقديس الفرعون نفسه. أما وظيفتها في العصر الإسلامي فكانت تقام علي أساس أنها أعياد واحتفالات دينية وتعددت الاحتفالات بالموالد وكثرت في العصر الفاطمي بهدف العمل علي نشر الدعوة الفاطمية وإلهاء الشعب عن التغيير الديني الذي يجري في البلاد، وتقلصت احتفالات الموالد واقتصرت علي بعض المظاهر عقب اندلاع الحروب الصليبية. تؤكد الدراسة أن ثمة أمورا مشتركة تجمع بين الاحتفالات بموالد الأولياء والقديسين في مصر وأعياد القديسين في بوغسلافيا ومالطة وغيرهما من دول البحر المتوسط نظرا لمشاركة الجماعات السكانية المحلية في الاحتفال، فضلا عن الوافدين إلي مناطق الاحتفال من خارجها، كما تتفق الموالد في هذه البلاد في أنها تعمل علي تصفية المنازعات والتوترات القائمة بين الجماعات المحلية. وتعد الاحتفالات وسيلة للدعم المادي للمساجد والكنائس عن طريق صناديق النذور والتبرعات.