لا ينتهى مهرجان للسينما العربية فى أوروبا قبل أن ينطلق مهرجان آخر، ورغم أن الأفلام المعروضة إنتاج عربى وناطقة باللغة العربية، وكذلك الجمهور الحاضر عادة ما يكون من أبناء الجاليات العربية المقيمة فى الدول الغربية الا أن إقامتها بأوروبا مازالت تثير التساؤلات حول هوية تلك المهرجانات.. فهل هى أنشطة لربط عرب المهجر بالوطن الأم عبر السينما؟.. أم أنها مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب مادية لبعض منظميها؟. يمثل مهرجان «روتردام» بهولندا احد أقدم مهرجانات السينما العربية فى أوروبا حيث أقيمت دورته الحادية عشرة الشهر الماضى، وهى الدورة التى شهدت اهتماما بالغا من صناع الأفلام العرب بالمشاركة فى مسابقات المهرجان وتظاهراته المختلفة.
وتقدم للمهرجان، الذى أسسه التونسى المقيم فى هولندا خالد شوكات، أكثر من 400 فيلم للمشاركة فى الفاعلية وقع الاختيار على 40 فيلما منها للعرض ضمن أقسام المهرجان الذى خصص تظاهرة خاصة لأفلام الثورات العربية اعتبرت التظاهرة والمسابقة الرسمية للمهرجان هذا العام.
وشهد المهرجان على هامشه معركة حامية بين رئيسه شوكات والمخرج المصرى الشاب فوزى صالح وصلت الى حد قيام الأخير باتهام المهرجان بالسرقة الفنية وذلك بعرض فيلمه التسجيلى «جلد حى» دون إذنه أو الرجوع إليه، رغم محالاوته المتكررة لإثناء إدارة المهرجان عن عرضه، بعد أن فوجئ بإدراج اسم الفيلم ضمن جدول عروض المهرجان.
وحل الفنان عمرو واكد كضيف شرف المهرجان حيث أبدى إعجابه بالجهود التى قام بها السينمائيون من أجل نقل صورة الثورات العربية إلى الغرب، مشيرا إلى أن مرحلة ما بعد الثورات ستبرز جيلا كان مغمورا وتصنع آخر موهوبا ليكتسح عالم الفنون.
وينافس «روتردام» مهرجان آخر للسينما العربية من المقرر إقامة دورته التاسعة خلال الفترة من 24 إلى 29 أكتوبر الحالى، ويحمل اسم المهرجان الدولى للسينما الأوروبية العربية وتحمل الدورة المقبلة اسم «آمال» ويقام فى مدينة سنتياجو دى كومبوستيلا الاسبانية.
ويشترط المهرجان أن تكون الأفلام المشاركة فيه من إنتاج عربى أو عربى مشترك مع أى بلد آخر كما يقبل المهرجان أفلاما من دول العالم تطرح موضوعات ذات علاقة بالعالم العربى.
واستضافت السويد خلال الفترة من 23 وحتى 27 سبتمبر الماضى مهرجان «مالمو» فى دورته الأولى برئاسة المخرج الفلسطينى محمد قبلاوى، وهو المهرجان الذى نظمه المركز الثقافى العربى الإسكندنافى «فادوس».
وتضمن المهرجان ثلاث مسابقات مخصصة للأفلام الروائية الطويلة والأفلام التسجيلية والأفلام القصيرة، بالإضافة إلى جائزة الجمهور، كما احتفى بالسينما الخليجية بالتعاون مع مهرجان الخليج السينمائى فى دبى.
وتعتبر مدينة «مالمو»، التى يحمل المهرجان اسمها ثالث أكبر المدن السويدية، وهى مدينة متعددة الثقافات حيث يشكل المهاجرون 40% من سكانها وتشكل الجالية العربية 15% منهم، ويهدف المهرجان، وفق منظميه، إلى تعريف الجمهور المحلى بالسينما العربية وإثارة النقاش حولها مع صانعى الأفلام والضيوف.
وبجانب المسابقات نظم المهرجان أربع ندوات حول صورة المرأة فى السينما العربية والحرية فى السينما العربية والثورات العربية والسينما وتطور السينما الخليجية كما دعا عددا من نجوم وصناع السينما العربية لم يحضر أغلبهم وبينهم بسمة وهانى سلامة وزين وصبا مبارك، فيما حضر فقط آسر ياسين وخالد أبوالنجا.
وساهم الربيع العربى على نحو ملحوظ فى الاهتمام بالسينما العربية فى الغرب مما دفع أكثر من جهة غربية الى تمويل تلك المهرجانات التى تهتم بالأفلام الناطقة بالعربية، وبينها المهرجان الذى استضافته العاصمة باريس تحت عنوان «ربيع السينما العربية» خلال الفترة من 15 إلى 18 سبتمبر الماضى.
وعرض المهرجان 50 فيلما لمخرجين من تونس ومصر وسوريا والمغرب واليمن تم تصويرهم أثناء الأحداث التى عاشتها بلدانهم أو عشية تفجر هذه الأحداث.
وشهد المهرجان عرض أفلام طويلة وقصيرة وأخرى وثائقية ورسوما متحركة واحتضنته صالة «لا كلى» السينمائية الشهيرة فى باريس، ولقى الحدث اهتمام الصحف الفرنسية حتى أن صحيفة «لوفيجارو» رأت أنه فرصة لانتشار نموذج من السينما العربية المستقلة من الشباب المتعطشين للحرية، فى إشارة إلى فيلم المخرج المصرى ناجى إسماعيل عن ثورة 25 يناير.
ولم يبتعد عرب المهجر المقيمون فى ألمانيا عن خريطة المهرجانات، حيث تنظم «سينمائيات» أو جمعية أصدقاء الفيلم العربى مهرجان الفيلم العربى فى برلين، وينعقد المهرجان للمرة الثالثة خلال الفترة من 2 إلى 10 نوفمبر المقبل، حيث يتوقف هذه السنة فى محطته عند الفكاهة فى الفيلم العربى، ويكرم المخرجيّن اللبنانيين «برهان علوية»، والراحل «مارون بغدادى»، حيث يركز على السينما اللبنانية فى ظلّ الحرب الأهلية.
ويعرض المهرجان أفلاما روائية، وتسجيلية، وقصيرة، تمّ إنتاجها فى السنوات الثلاث الماضية للعرض فى برنامجه العام، وفيما يتعلق ببرنامج المحطة، يقبل كلّ أفلام الفكاهة بغضّ النظر عن تاريخ إنتاجها.
«مجرد بيزنس لبعض الجمعيات غير المعروفة والشباب العاطل عن العمل».. بهذه الكلمات وصف الناقد إبراهيم عريس مهرجانات السينما العربية فى أوروبا، وقال إن تلك المهرجانات ورثت فعالياتها من مهرجان ضخم وعظيم كمهرجان العالم العربى الذى كان يقام فى باريس ولقى فى بدايته إقبالا كبيرا من الجمهور الأوروبى، ولكن بمرور الوقت بدأ الناس ينصرفون عنه لأنهم شعروا بالملل إزاء الأفلام التى تعرض فيه والتى لم تكن تقدم أى جديد.
وأضاف العريس: بعد ذلك قامت الجاليات العربية فى الدول الأجنبية بإقامة تلك المهرجانات كبيزنس لبعض الجمعيات غير معروفة والشباب العاطل.. فمثلا مهرجان «مالمو» الذى أقيم فى السويد ليس سوى (دكان صغير) فى بلدة مالمو وكذلك مهرجان روتردام.
ورأى أن كل تلك المهرجانات لا تجد إقبالا أبدا من الجاليات العربية ولا الأجنبية وعدد الجمهور بالصالات لا يتعدى الثمانية لأن الناس ملت التكرار والمهرجانات أصبحت لا تجذب الجديد، كما أن تلك الجاليات تشاهد الأفلام العربية على شاشات التلفاز وعلى DVD وبالتالى فهم ليسوا بحاجة لتلك المهرجانات.
وأوضح العريس أن له تجارب مع تلك المهرجانات لأنه كان يحضر الندوات ويجد من بالقاعة لا يزيد على 5 أفراد ولذلك فقد توقف عن الذهاب إليها، وقال «فى تلك المهرجانات لا تجدون إقبالا سوى فى حفلى الافتتاح والختام حتى يشاهد الناس النجوم فقط».
وتتفق معه فى الرأى الناقدة خيرية البشلاوى، وتقول إن «تلك المهرجانات ليست بالصورة البراقة ولا بالبراءة التى نشاهدها عليها فوراؤها الكثير ويجب التعامل معها بحرص».
ورأت أن تلك المهرجانات بعيدة تماما عن السينما والثقافة قائلة لأنها مجرد «سبوبة حميدة» بمعنى أن العرب المهاجرين أقاموها لأسباب كثيرة أولها أنها تحقق لهم الحنين والإشباع لبلادهم وفى نفس الوقت توفر لهم عوائد مادية كبيرة، كما أن هؤلاء المهاجرين أرادوا أن يكرسوا لوجودهم ويعرفوا الناس عليهم لأنهم يعلمون أنهم ليسوا مواطنين درجة أولى.
وأضافت: على الجانب الآخر، فهى قد تكون «سبوبة خبيثة» وستارة تتوارى خلفها وجوه، ومن يعلم فقد يكون وراءها أهداف لتشويه صورة العرب، كما أن تلك المهرجانات تقوم بشراء بعض المخرجين ليعرضوا أفلامهم، فمثلا فيلم «المسافر» عندما عرض فى مهرجانات كثيرة لم يحصد أى جائزة و لكن حصل على جائزة واحدة فقط من مهرجان «روتردام» بهولندا.