تأتى التجربة الوثائقية «فى ضل راجل» للمخرجة الشابة حنان عبدالله لتشكل ملمحا خاصا فى مفهوم سينما المرأة، خاصة بين النوعية من الأفلام التى تنتجها مؤسسات أو جمعيات أجنبية دولية عن قضايا شائكة عن المرأة المجتمعات العربية وصورتها، فقد كانت دوما تلك النوعية من الأعمال ترتكز على رؤى أيديولوجية ومفاهيم مسبقة, وكأن الرسالة والهدف من العمل واضح وصريح قبل التنفيذ بل لا يجوز الحياد عنه، وهنا جاءت معظمها لا تعرف الشفافية، بحجة أن الغرب كجهة منتجة وممولة يريد أن عرف غرائب وعجائب تقاليد المرأة فى المجتمعات العربية. بينما الأمر ومختلف فى فيلمنا الجديد، فهو رغم طرحه لقضية مهمة، وهى حرية المرأة فى المجتمع المصرى قبل وخلال وبعد الثورة، وأن الحرية هنا طرحها الفيلم بمفهوم متكامل وبرؤية صادقة واقعية وشفافة، رغم قسوة الواقع المصرى الذى همش المرأة على مدى أجيال، وهو ما عبرت عنه إحدى شخصيات العمل فى البداية «ضل راجل ولا ضل حيطة»، لكنها لم تكن فقط حرية الحياة.. بل حرية الاختيار، القرار، الرغبة، الانتماء، الواقع، المعاش، البيئة، اختيار شريك العمر.
والفيلم، الذى انتجته إحدى مؤسسات الأممالمتحدة، أتاح فرصة كبيرة لأن تتجول المخرجة حنان عبدالله عبر كاميراتها، أيضا بين أرواح ونماذج إنسانية تشعر فى لحظة بنبض حياتها وفى لحظة أخرى بأنها اقتربت من كونها مجرد رفات.
أعتمد الشريط السينمائى على نماذج واقعية للمرأة سواء كانت سوية أو غير ذلك، فها هى السيدة العجوز الحاجة وفاء، التى تجولت مع الكاميرات ترصد شريط حياتها منذ الصبى، وكيف أجبروها على الزواج من شخص لا ترغبه وكيف دخلت عليه «دخلة بلدى»، وكيف كافحت وعملت «غسالة» بالمنازل من أجل قوت يومها بعد أن قررت الهرب من الزوج، وها هى شاهندة مقلد، التى تجسد جيل آخر تؤمن بالإرادة وقيمة التمسك بالقرار، واختيار حياة حتى وإن واجهت صعوبات شديدة، هى تمثل النموذج الثقافى للمرأة فى العمل حيث تخطب، وتهتف من أجل حقوق الفلاحين فى «كمشيش».
ومن نموذج إلى نموذج تنتقل الكاميرا عبر سيناريو يكاد يجعلك جزءا من الحدث، ونرى أيضا الفلاحة البسيطة بدرية من صعيد مصر لم تكن أبدا لديها حرية اختيار أى شىء فى حياتها.. تجاه تعليمها، زواجها، حتى أطفالها.. «ها تعمل إيه.. أهى الظروف كده.. وهو أنا عايشة وخلاص»، «لازم نشارك فى الانتخابات ومنبقاش سلبيين»، «كل فترة ربنا يبعتلى معركة علشان أقدر أقف على رجلى» «اضطررت أشيل حمل الراجل» كلمات بسيطة وحنونة ومتأرجحة بين الاستسلام والعزيمة لتجارب شخصية.. لها تشعرك بمجتمع مصر النسائى الحقيقى والذكورى حتى وإن كان بعيدا عن مركز الصورة.
الفيلم أيضا مزج مشاهد من فترة الستينيات، وكيف كانت المرأة جزءا فعالا فى مواجهة كل مجتمعها، وكانت هناك بعض المشاهد التى التقطتها عدسة المخرجة بميدان التحرير خلال الساعات العصيبة لثورة يناير، علت فيها أصوات المرأة محفزة لكل من حولها «يسقط يسقط حسنى مبارك» «هو يمشى مش هانمشى».. حتى المشاهد التى ظهرت فيها امرأتان منتقبتان، كانت مختلفتين تماما، فهما تحدثا بروح ورؤية ناضجة فى صميم مشاكل حياتهما، وكان الغريب أفكارها السياسية الناضجة فى صميم المشاركة الانتخابية، والترشيح للرئاسة وتغيير الواقع من حياتها، والإيمان بأنه لابد أن تكون جزءا لا يتجزأ من قضية التغيير فى المجتمع من أن تكون جزءا لا يتجزأ من قضية التغيير فى المجتمع.
صورة الفيلم على اتساعها، هى رحلة تأمل عبر أزمنة متعددة لحياة المرأة والمجتمع حولها، عقلها ومشاعرها متعددة لحياة المرأة والمجتمع من حولها، عقلها ومشاعرها أحلامها البسيطة والمعقدة صحتها وكلامها، ثورتها وسكونها، وكم كانت العدسة الصادقة لحنان عبدالله خير نموذج للبراءة السينمائية فى قضية مصرية خالصة بعيدة عن أيديولوجيات التمويل الأجنبى إياها، التى غالبا ما تطغى عليها مشاهد سوداوية من خيال كاذب.
وكما كشفت أيضا صورة حنان أنها تريد أن تستمر فى تسجيل وقائع من حياة المواطن المصرى.. وقائع تمتزج فيها العلاقات بين ماضى مجتمعها وحاضرها ومستقبلها، وقائع تكشف ماهية القبول والرفض أو ماذا نريد من الحياة.. وهل نعيشها أم هى التى تعيشنا؟