ليخطئ من يتصور أنه قادر على اصطياد هذه الثورة فى فخ أو كمين، أو حتى تحرك يلصق بها وهى منه براء. ومجددا لا علاقة بمليونية تصحيح المسار فى ميدان التحرير بما جرى بعد ذلك من أحداث عند السفارة الإسرائيلية، بصرف النظر عن اتفاقك أو اختلافك معه، وبعيدا عن أن إنزال العلم الصهيونى وإزالة الجدار العازل أمام السفارة عمل جميل ولحظة درامية شديدة التأثير، فإن الواضح أن المليونية نجحت فى التحرير فقرر الخبثاء استدراجها ومعاقبتها فى أماكن أخرى. ومع شديد احترامى لنبل مقاصد الآلاف ممن توجهوا إلى سفارة العدو فإن عملية تربص بالثورة قد نفذت بدهاء، على طريقة الحق الذى يراد به الباطل، فأما الحق فهو الغضب الشعبى المستعر ضد وجود سفارة وسفير للأعداء على أرضنا، والنضال من أجل إنهاء هذا الوضع الشاذ. وأما الباطل الذى أريد فهو الانتقام من نجاح جمعة تصحيح المسار، من قبل أطراف عديدة لم تتحمل أن ترى جموع الشعب تحتشد حول أهداف قومية غير أهدافها النفعية الضيقة، وترفع شعارات وطنية جامعة بعيدا عن شعاراتها الخاصة جدا. وعليه فقد صنعوا أو ساهموا فى صناعة مشاهد الانفلات والفوضى التى تم تركيبها على طرقة الفوتوشوب على المشاهد النبيلة المحترمة التى تابعها العالم طوال اليوم فى ميدان التحرير، وأحسب أنهم ربما يخدعون الناس ويبيعون لهم بضاعتهم الزائفة بعض الوقت، وربما يفلحون فى تعكير المزاج العام ضد الثورة لكنهم بالتأكيد لن ينجحوا فى إعاقة قطار الثورة الذى انطلق ولن يتوقف إلا مع بلوغ محطته الأخيرة. إننا نعيش الآن أسبوع إطلاق الرصاص على الثورة والثوار، وعادت من جديد تلك النغمة البائسة عن مسئولية الثورة عن إرباك الوضع فى البلاد، غير أن العقلاء يدركون جيدا من هم المسئولون عن الارتباك الذى نعيشه، كما يعى ذوو الأفهام أن ما نمر به نتيجة طبيعية لسياسات عشوائية تتخبط فى تيه التجريب والعبث. وقد بحت الأصوات تطالب بخطة ومنهج وجدول زمنى واحترام لقيمة المعرفة والتخصص، غير أن هناك من اعتبر نفسه وصيا على المستقبل وطرح نفسه كجهة وحيدة تستطيع أن تدير، وها نحن نرى حصيلة تلك الإدارة. ولعل تعامل الناس بعدم اهتمام مع التلويح باستقالة عصام شرف ثم رفضها، يكشف إلى أى حد صار الناس لا يثقون فى هذه الطريقة فى إدارة الأمور، حيث شرف مثل الحاج شرف طالما بقيت العقلية الحاكمة كما هى بلا أى تغيير أو قدرة على تخيل أن هناك فى مصر من يعرف كيف يديرها غيرهم. وليست هذه الضربة الأولى التى تتلقاها الثورة، فقد حاولوا كثيرا وفى كل مرة تنهض وتفاجئ الجميع.. وسوف تنهض مرة أخرى.