ككثيرين غيرى، لست سعيدا بالدور الذى قام به حلف الناتو فى الثورة الليبية وحملته العسكرية على نظام وقوات الديكتاتور القذافى. وبصورة عامة، لست من مؤيدى التدخل الغربى فى الشئون الداخلية للمجتمعات العربية وأجزم أن ضعف الدور الخارجى كان من بين العوامل الرئيسية التى أدت إلى النجاح السريع للثورة التونسية والثورة المصرية. إلا أن القضية الجوهرية التى يتعين علينا التفكير بها حين النظر إلى الحالة الليبية قبل سقوط طرابلس هى هل يحق لنا أخلاقيا وسياسيا رفض تدخل عسكرى خارجى ضد ديكتاتور يقتل شعبه الأعزل وترتكب قواته جرائم ضد الإنسانية لقمع إرادة الحرية لدى المواطنين وربما لا تتورع عن إفنائهم بالكامل فى سبيل الحفاظ على عرش الديكتاتور؟ هل نستطيع أخلاقيا وسياسيا وإزاء ضعف قدرات المواطنين على مواجهة آلات قتل الديكتاتور وإصرارهم فى ذات الوقت على التمسك بأمل الحرية والتضحية بالحق فى الحياة من أجله أن نرفض تدخلا خارجيا يغل يد الديكتاتور بتدمير آلات قتله؟ ألم يكن ذلك تحديدا هو هدف حملة الناتو على القذافى ونتيجتها الأبرز؟ ومع إيمانى بأن تفاصيل الأوضاع السورية تختلف عن الحالة الليبية، ألا ينبغى علينا التفكير فى وسائل كفيلة بالحد من طاقة القتل والإجرام التى يمارسها يوميا دون عوائق الديكتاتور السورى حتى وإن كان ذلك يعنى تدخلا خارجيا ما؟ هل يحق لنا أن نتشدق بالسيادة الوطنية وعدم جواز تدخل الخارج فى الشأن الداخلى فى لحظة يمتهن بها الديكتاتور كرامة شعبه والأخير هو مصدر السيادة الفعلى ومصدر كل السلطات؟ عن أى سيادة وطنية كان يمكن الحديث فى ليبيا والقذافى يطلق المرتزقة باسم السيادة والنظام على مواطنيه لقتلهم؟ وعن أى سيادة وطنية يتحدثون اليوم فى سوريا وجوارها والديكتاتور مدعى المقاومة والممانعة لا يتورع عن أن يأمر جيشه بقتل مواطنين عزل فى المساجد والشوارع والمنازل؟ هل للسيادة الوطنية مضامين حقيقية حين ترتبط بنظم قتل وإجرام أم أن التخلص من النظم هذه وتأسيس نظم ديمقراطية وإن بمساعدة الخارج هو السبيل الوحيد لاستعادة السيادة؟ هل نستطيع أخلاقيا وسياسيا وفى لحظة يقتل بها شعب أعزل أن نسهب فى الحديث عن خطورة سقوط الديكتاتور الليبى أو السورى بمساعدة الخارج وتداعيات ذلك على التوازنات الإقليمية وخطوط الصراع ومعسكرات المقاومة والاعتدال إلى آخر ذلك من رطانة تتداولها الكثير من الأقلام فى الصحافة العربية؟ هل يعتقد هؤلاء أن ذوى المصلين الذين قتلهم جنود بشار فى أيام رمضان يتأملون فى تداعيات رحيل الديكتاتور على المنطقة والتوازنات الإقليمية أم هل يعتقدون أن خطاب المقاومة وخطر إسرائيل وشيطانية الولاياتالمتحدة فى لحظة ترتكب بها جرائم ضد الإنسانية بحق شعب أعزل يؤثر فى من يقتلون ولا يجدون حماية تذكر؟ إجابتى على كل هذه التساؤلات هى بلا صريحة وواضحة. لا .. لا يحق لنا أخلاقيا أو سياسيا رفض التدخل الخارجى ضد الديكتاتور وآلات قتله. والأجدى، لمن يبتغون بالفعل تحرر الشعوب العربية ويريدون حماية المواطنين من جرائم ترتكب بحقهم، أن يبحثوا فى الشروط التى يجب توفرها والحدود التى يتعين التزامها كى نضمن تدخلا خارجيا إيجابيا يحد من قتل وإجرام الديكتاتور. أما الأصوات التى عرف عنها قربها من نظام الاستبداد هذا أو ذاك ودوما ما روجت لقمعهم وصلفهم بأحاديث عن مقاومة وممانعة مزعومة وأخطار خارجية وتجاهلت الأوضاع الداخلية وحقيقة أن لا مقاومة فعلية دون إراة شعبية حرة، فآن لها أن تصمت. فهؤلاء هم فلول الاستبداد العربى، استبداد المعتدلين والممانعين، والخلاص منهم أولوية لتحرير العقل العربى.