فى أحد مستشفيات ولاية بوسطن الأمريكية خضعت شارلا ناش «57» عاما قبل 3 أشهر، لعملية جراحية فريدة استهدفت زرع وجه كامل لها، كانت «شارلا» هى الثالثة فى العالم التى تجرى هذه العملية، هى عملية صعبة لكنها باتت ممكنة علميا. لكن «شارلا» لم تزرع وجها لأنها سئمت وجهها أو ترغب فى طلة أكثر جمالا، لكن المسألة كانت حيوية جدا لإنقاذ إحساسها بالحياة، وقدرتها على الاستمرار فيها. قبل عامين كانت «شارلا» تتعرض لحادث بشع حين هاجمها «شامبانزى» وانتهت المعركة بين السيدة المسكينة والشمبانزى الهائج، بتشويه وجهها تماما بعد أن فقدت يديها وشفتيها وأنفها وعينيها أيضا. قتلت الشرطة الشمبانزى، لكن «شارلا» بقيت «مسخا» لا يستطيع أحد النظر إليها، وهى عاجزة عن التواصل مع الناس، فضلا عن فقد البصر الذى خلفه الحادث. لكن بعد جراحة استمرت 20 عاما أنقذ الأطباء ما يمكن إنقاذه، وحصلت «شارلا» من جديد على «أنف وشفتين وجلد للوجه»، عادت لها قدرتها على الابتسام وتقبيل واحتضان الأصدقاء، والأهم شكل وجه لا ينفر الناظرين. هى جراحة إذن باتت ممكنة عمليا، وربما تخرج يوما من حالة الاضطرار الشديد، إلى سوق التجميل العام، بما يجعل كل من يملك ثمن الجراحة ويرغب فى امتلاك وجه قريب الشبه بنجمه المفضل أن يعرف. لكن عملية «زراعة الوجوه» قديمة وممكنة ومتاحة وممارسة فى عالم السياسة كما تعرف، يكفى أن تنسف وجهك القديم وتعيد إنتاج نفسك بوجه جديد لتفلح، لهذا ظهر المتحولون والمناضلون بأثر رجعى، وصناع الثورة الذين لم يصنعوا شيئا أكثر من الانقضاض على زرع غيرهم، وخطف حصاد ليس من حقهم. سياسيا يبدو هناك من يتعامل مع الثورة وكأنها «الشمبانزى الذى شوه وجه شارلا» يسعى بعد مرور 6 أشهر فقط عليها لقتلها أو على الأقل إجهاض مشروعها وإفراغه من مضمونه، بالتوازى مع عملية «زرع وجه» يجريها للنظام السابق، يستبدل الأنف وربما الشفتين وجلد الوجه، ليضمن تغير بعض الملامح عند الطلة، وبعض الإحساس عند الحديث، وربما قدر من نبرة الصوت، فيما الجسد نفسه قائم وثابت ويزداد حضورا. بعد 6 أشهر من الثورة، يتصاعد الجدل من جديد حول تعريفها هل هى ثورة أم «فعل ثورى» والحقيقة أن من يطرحون مفهوم الفعل الثورى لديهم قدر كبير من الحجج الموضوعية مع الأسف، فقد أزاحت الثورة رأسا وتركت جسدا، هدمت قبة وتركت بنيانا، قضت على ديكتاتور، وتركت مناخا سياسيا وأخلاقيا واجتماعيا يعزز الديكتاتورية ويقبل بإعادة إنتاجها، هى ثورة لم تقدم نموذجها الاجتماعى ولم تهدم بعد هذا النسق الأخلاقى والقيمى المشوه الذى تكرس فى عهد مبارك، ثورة تتقدم بالكاد لتحقق تغييرا سياسيا جوهريا، لكنها ما زالت بعيدة عن التغيير الاجتماعى. هناك إذن محاولة لزرع وجه جديد للنظام، وجه أكثر جمالا وديمقراطية فى مظهره، لكن الجوهر ثابت لم يتغير منذ 60 عاما، وهى محاولة تجرى بالتوازى مع التعامل مع الثوار على طريقة «الشمبانزى الهائج» الذى لا مصير له سوى القتل، وهو هذه المرة قتلا معنويا، مرة بالتخوين، ومرة بتحميل الثورة مسئولية كل كارثة تحدث، ناهيك عن إعادة إنتاج نخبة مبارك السياسية والإعلامية والثقافية والمالية بعد تحسين الوجوه على طريقة «شارلا»، وكأن ثورة لم تقم. يعرف من يفعلون ذلك أن الثورة حولت نظامهم ل«مسخ» كريه أكثر بشاعة من وجه «شارلا» قبل الجراحة، فيسيرون فى اتجاه قتل «الشمبانزى» وزراعة وجه جديد للنظام، والغريب أن مكابراتهم ودأبهم على ذلك ينجح فى كثير من الأحيان.. لكن «شارلا» كانت تبحث عن حق الحياة، بينما هؤلاء يواصلون محاولاتهم للاستمرار فى احتكار كل شىء، ومصادرة حق المصريين فى الحياة..!