يوما بعد يوم، تزداد عزلة بشار الأسد ونظامه، ويزداد تعاطف العالم شرقه وغربه مع الشعب السورى وهو يتعرض لألوان من القمع والاغتصاب لم يعرفها التاريخ إلا فى عصر النازى، على يد جنود الجيش وميليشيات الشبيحة.. الذين يشاركون فى حصار المدن والقرى وضرب الأحياء السكنية بالمدفعية الثقيلة دون تمييز، بهدف مطاردة المعارضين واعتقالهم، والدفع بأنصار البعث وفلول العلويين إلى تنظيم مظاهرات التأييد «للزعيم البطل» بشار فى الشوارع والميادين! وقطع الكهرباء عن المراكز الحيوية، فى قلب المدن والأسواق، لنشر غلالة من الدخان تغطى أعمال النهب والتدمير.. التى حولت أجمل المدن السورية إلى خرابات وحرائق، نشرت حالة من البؤس لم تعرفها سوريا من قبل. على خلفية هذه الصورة البانورامية الدامية التى تنقلها شاشات الفضائيات ليل نهار، مخترقة إجراءات الحظر المفروضة على وسائل الإعلام، يجرى حوار سياسى دولى واسع حول ما يمكن عمله لمواجهة الأوضاع المزرية غير الإنسانية فى سوريا، تشارك فيه أطراف دولية تبدو عاجزة عن التدخل وعن التأثير فى مسار الأحداث. ويقف مجلس الأمن مشلولا تنعقد جلساته أسبوعا بعد أسبوع. ويتخذ قراراته على وتيرة لا تكاد تمس أعصاب النظام السورى.. حيث تتقلص الخيارات المتاحة. وهو ما يغرى الأسد بتكرار المذبحة التى ارتكبها أبوه فى حماة عام 1982، حين سحق بالدبابات 20 ألف مدنى فى هجمة واحدة، وأفلت بفعلته دون أن يحاسبه أحد. ويبدو أن الابن يكرر نفس الأسلوب معتمدا على تأييد الأقلية العلوية التى تمثل 10٪ فقط من السكان، تحركهم المخاوف من سقوط نظام الأسد وصعود السُّنة إلى السلطة. وذلك على الرغم مما يبدو من وجود انقسام داخل الطائفة انعكس فيما تردد عن اغتيال وزير الدفاع السورى فى ظروف غامضة. والحقيقة هى أن النظام السورى استطاع بأساليب وحشية دراكولية أن يحافظ على تنظيمات البعث وتحويله إلى عقيدة حجرية لا تقبل الخلاف. وكان النظام الإيرانى بولاية الفقيه هو أقرب الأنظمة إلى عقل وقلب الحكام السوريين. وبالمثل ظل حزب الله هو أقرب الأحزاب إلى حزب البعث بالتنظيم وفرض الطاعة والولاء. وقفت الدول العربية إلى حد كبير موقف المتفرج من النظام السورى وهو يتحول تدريجيا إلى تنظيم طائفى علوى، على الرغم من العلاقات الوثيقة ووشائج الصلة التى ربطت عاهل السعودية الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالنظام السورى. وفى الوقت نفسه، حافظت دول مجلس التعاون الخليجى على علاقات ودية واستثمارات هائلة فى نظام الأسد. مدفوعة فى ذلك بالحرص على عدم ترك سوريا فريسة لعلاقات من جانب واحد مع إيران. ولكن يبدو أنه حين وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة. أصدر مجلس التعاون الخليجى تحذيره للنظام السورى بوقف أعمال العنف ضد شعبه. وأعقب ذلك قرار العاهل السعودى بسحب السفير من دمشق. ولكن يبدو أن بشار الأسد مثل مبارك من حملة الدكتوراه فى «العند» ومثله مثل معظم الحكام العرب الذين يتحول العند لديهم إلى رغبة فى تدمير الذات وتدمير الشعوب التى يحكمونها. وربما لهذا السبب تقف مصر موقف العاجز عن الحركة! تبقى حقيقة لابد من الاعتراف بها وهى أن العمل الجماعى العربى قد أصبح عبئا يحول دون حل المشاكل والخلافات، وعن اتخاذ موقف موحد سواء بالوساطة أم بالقطيعة مع سوريا أو غيرها. وقد ثبت أن قطع العلاقات مع النظام السورى لن يزيده إلا عزلة ووحشية. ربما كانت تركيا هى الأكثر مرونة وذكاء فى التعامل مع سوريا. فهى لم تقطع علاقاتها مع دمشق ولم تترك سوريا لقمة سائغة لإيران وحزب الله. ولم تسمح فى الوقت نفسه لأمريكا والغرب بصفة عامة الانفراد بسوريا وانتهاج سياسة كالتى انتهجها حلف الأطلنطى مع ليبيا.. كما رأينا كيف تحركت دول الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا بحملة لإقناع الأسد بضرورة وقف أعمال القمع ضد شعبه. ولكن فيما يبدو دون جدوى! ربما لا تؤدى كل هذه المحاولات إلى النتيجة التى يتطلع إليها الجميع. ولكنها تظل فى كل الأحوال مثل شعرة معاوية، لا تصل ولا تقطع.. ربما كسبا للوقت، وكسرا لمتلازمة العناد التى أصابت حكام الأمة العربية، قبل أن يتفكك الأسد ونظامه وشعبه!