أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 18 مايو بسوق العبور للجملة    محافظ البحر الأحمر: الدفع ب25 سيارة مياة لتقليل عدد المناوبات في الغردقة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 18 مايو    السفارة الأمريكية لدى طرابلس تنفي وجود خطط لنقل سكان غزة إلى ليبيا    برلماني روسي يقدم اقتراحا لترامب من بند واحد لتحقيق السلام في أوكرانيا    ميلوني: لا تنتظروا مني نصيحة بشأن ترامب فلست طبيبة نفسية    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    إصابة شخص في حريق شقة سكنية بالعبور | صور    جدول البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية بنظام البوكليت 2025 بالقاهرة    اليوم.. إعادة محاكمة الفنان محمد غنيم في تهديد طليقته    لبلبة: عادل إمام لن يتكرر.. وأتمنى آخر أعمالي يكون مع الزعيم    سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 18-5-2025 مع بداية التعاملات    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 18-5-2025    عاجل.. موعد غلق باب التظلمات بإعلان المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين 5"    كامل الوزير يكشف عن موعد تشغيل الأتوبيس الترددي أمام المواطنين؟ (فيديو)    رابطة الأندية تجتمع اليوم مع فرق الدوري لمناقشة استعدادات الموسم المقبل    منتخب مصر يواجه اليوم نيجيريا لتحديد صاحب برونزية أمم أفريقيا للشباب    لمدة يومين، المحامون يمتنعون عن الحضور أمام محاكم الجنايات    «زي النهارده».. اليوم العالمي للمتاحف 18 مايو 1977    البابا يترأس القداس المشترك مع بطريرك السريان وكاثوليكوس الأرمن    قوات الاحتلال تقتحم منازل الفلسطينيين في الخليل بالضفة الغربية    بن غفير: علينا الدخول بكل قوة إلى غزة ونسحق عدونا ونحرر أسرانا بالقوة    مصطفى عسل بعد التتويج ببطولة العالم للاسكواش: لا أصدق وأشكر كل من ساندنى    السفارة الأمريكية في ليبيا تنفي وجود خطط لنقل سكان غزة إلى ليبيا    دراسة تكشف: المصابون ب مرض السكري عرضة لأمراض القلب    الدولار ب50.41 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأحد 18-5-2025    سيراميكا كليوباترا يقترب من التعاقد مع كريم نيدفيد    أمن بني سويف يكشف لغز جثة رجل مكبل اليدين والقدمين داخل سيارة    ب 20 مليون.. جهود مكثفة لضبط تشكيل عصابي سرق مشغولات ذهبية في قنا    يوسف حمدي: جماهير الزمالك تشعر بالظلم بسبب ما يحدث    الغرف التجارية تنفي نفوق 30% من الثروة الداجنة وتحذر: خلال الصيف سنواجه مشكلة حقيقية    بالتردد.. تعرف على مواعيد وقنوات عرض مسلسل «المدينة البعيدة» الحلقة 26    لا سلام بلا فلسطين    الهجرة من الموت إلى الموت    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا الودية قبل كأس العالم للأندية 2025    ما بين الحلويات.. و«الثقة العمومية»!    استمرار قوافل «عمار الخير» بشربين للكشف المجاني على المواطنين بالدقهلية    ملف يلا كورة.. تأجيل بطل الدوري.. ودية الأهلي الأولى قبل مونديال الأندية.. وصفقة محتملة للزمالك    جداول امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني في جميع المحافظات    الفرص متاحة لكن بشرط.. برج العقرب اليوم 18 مايو    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    أمطار لمدة 24 ساعة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس: «تغير مفاجئ»    هزيمة 67 وعمرو موسى    للحفاظ على سلامة الطعام وتجنب الروائح الكريهة.. نصائح لتنظيف الثلاجة في خطوات بسيطة    للحفاظ عليها من التلف.. 5 خطوات لتنظيف غسالة الأطباق    بالصور.. جينيفر لورانس وروبرت باتينسون يخطفان الأنظار في مهرجان كان السينمائي    حدث بالفن| نجوم الفن يحتفلون بعيد ميلاد الزعيم وحقيقة خلاف تامر مرسي وتركي آل الشيخ    فيلا فيضي باشا ومبنى الشوربجي.. أسبوع القاهرة للصورة يعيد الحياة إلى أماكن وسط البلد التراثية    خبير لإكسترا نيوز: إسرائيل لن تسمح بحل الدولتين لتعارضه مع حلمها الإمبراطوري    تعاون بين «التأمين الشامل» و«غرفة مقدمي الرعاية الصحية»    وزير الشباب والرياضة: نتحرك بدعم وتوجيهات الرئيس السيسي    "الجبهة الوطنية" يعلن تشكيل أمانة الرياضة برئاسة طاهر أبوزيد    تفاصيل لقاء بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بالشرق الأوسط في مركز لوجوس بوادي النطرون    رئيس جامعة الأزهر يكشف الحكمة من تغير أطوار القمر كما ورد في القرآن    أمين الفتوى يوضح أهمية قراءة سورة البقرة    افتتاح ورشة عمل بكلية دار العلوم ضمن مبادرة «أسرتي قوتي»    عالم أزهري: «ما ينفعش تزور مريض وتفضل تقوله إن كل اللي جالهم المرض ده ماتوا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القارئ حسام مقلد يكتب: ثورتنا بين علو الهمة وسقوط المروءة!!
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 07 - 2011

في الحقيقة لا أدري أين ذهبت تلك الروح العظيمة التي جمعت المصريين في ميدان التحرير وميادين مصر الأخرى طوال ثمانية عشر يوما هي عمر ثورتنا الشعبية المجيدة!! لقد بهرنا العالم بأسره بهذه الروح حتى أثنت علينا شعوب الأرض قاطبة، بل امتدحنا بعض رؤساء الدول والحكومات، وقال من قال: هؤلاء هم المصريون مهد الحضارة لا يزالون يعلمون العالم!!
لكن بكل أسف ما هي إلا بضعة أشهر حتى تفرق جمعنا وتشتت شملنا واختلفت أحزابنا وتصارعت ائتلافاتنا على غنيمة لم نحزْها بعد!! ووالله لا أدري أين ذهبت روح ثورة يناير التي صهرتنا معا وأظهرت أفضل ما فينا حيث توحدت صفوفنا واتحدت أهدافنا، وكنا على قلب رجل واحد، وشاهد العالم جموع المسلمين تصطف للصلاة يحرسهم أخوانهم الأقباط، ورأوا كذلك الأقباط يقيمون قداسهم وتحمي ظهورهم حشود حاشدة من أخوانهم المسلمين.
فأين ذهبت هذه الروح؟ وكيف أخلت مكانها بهذه السرعة المذهلة للعصبيات الدينية والسياسية والمصالح الاقتصادية؟ وكيف نسمح لأطماع الدنيا ومتاعها الزائل بأن تدمر وطننا وتجلب الفرقة والصراعات والخراب والدمار لأبناء شعبنا؟ كيف نسمح للدسائس والمكائد والمؤامرات الداخلية والخارجية، المحلية منها والإقليمية والدولية...!! بأن تجهض ثورتنا وتغتال أحلامنا وآمالنا؟ ترى أتغني المرء المناصب والأموال (ملايين الدولارات...) عن بلاده؟ أتغنيه عن شعبه وأهله؟ أيمكن لمثل هذه المغريات الزائفة أن تُعمي الأبصار وتطمس على البصائر فلا ترى حقائق الأشياء ولا تبصر عواقب الأمور؟!! وما الرجل بغير وطنه وشعبه وأمته؟!! والله إن كرامة الإنسان لمن كرامة وطنه وعزته لمن عزته.
ولا أعرف بالضبط ماذا يريد المعتصمون في بعض ميادين مصر الآن؟! ألم يكن هدفنا جميعا هو سقوط النظام البائد السابق؟! وقد تحقق ذلك والحمد الله وسقط رأس النظام وكبار رموزه، لكن هل يظن أحد أن فكر هذا النظام الفاسد وفلسفته في الحكم ستزول بهذه البساطة في غضون عدة أشهر؟! نعم هناك بطء ملحوظ في تسريع إجراء المحاكمات وتنفيذ مطالب الثورة وتحقيق أهدافها، وأعتقد أن تسريع وتيرة سير هذه الملفات كفيل بإزالة حال الاحتقان التي يشهدها الشارع المصري الآن بسبب فقدان الثقة وانتشار الرِّيَبِ والظنون، وكثرة الشكوك والوساوس التي تملأ صدور الناس ونفوسهم، إضافة إلى مخاوف البعض من انفراد البعض الآخر بالسلطة وانقلابه على الديمقراطية بعد ذلك!!
ونحن بالفعل في غنى عن كل ذلك، وكان في يد المجلس العسكري والحكومة تبديد تلك الشكوك والمخاوف بدلا من تعميقها طيلة الأشهر الستة الماضية بحالة الغموض والانسيابية التي تعيشها مصر حاليا، لكن هناك إنجازات كبيرة قد تمت وتحققت بالفعل، ولا يوجد أدنى شك لدى غالبية الشعب المصري في انحياز الجيش لمطالبهم وحمايته لثورتهم، وما كان جدير بشباب الثورة وبعض ائتلافاتها أن تسمح لقلة من الناس بالتطاول على الجيش والوقيعة بينه وبين الشعب وتعميق حالة الارتباك والقلق والخوف والتوجس لدى الجماهير، فمن شأن هذا الشحن المتواصل وتوتير الأجواء المستمر أن يلهب المشاعر والأحاسيس، ويُفْلِتَ الأعصاب، ويفجر الوضع برمته في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للهدوء وبناء الثقة، والإعداد للانتخابات؛ ليتم الانتقال السلس للسلطة المدنية المنتخبة من قبل الشعب.
وبدلا من هذا الموقف الحالك الذي وضعنا فيه معتصمو التحرير كان حريا بهم أن يفكروا في مستقبل مصر بطريقة إيجابية أكثر، وقميص عثمان الذي يرفعه البعض الآن، ويرددون حوله الكلام في كل الفضائيات وأعني به: حقوق الشهداء، ومحاكمة رموز النظام الفاسد السابق، ورفع الحد الأدنى للأجور....إلخ، كل ذلك مهم ولا شك ولابد من تنفيذه بالسرعة المطلوبة، لكنه ليس الطريق لبناء دولة مصر الحديثة المدنية المستقلة، والطريق للوصول إلى هذه الغاية معروفة جيدا ومحددة ومرسومة وفقا لخارطة الطريق التي وافق عليها الشعب وأقرها بأغلبية كبيرة في استفتاء 19مارس الماضي، فما سر محاولات الالتفاف على إرادة الجماهير وتعطيل المسيرة المتفق عليها التي أكد المجلس العسكري مرارا أنه متمسك بها وملتزم بتنفيذها في التوقيتات المحددة؟!
نعم كلنا يعلم أن الشباب أشد عزيمة، وأقوى أفئدة، وأرق نفوسا، وأسرع تأثرا، وأخف حركة، وقدرتهم على التغير والتكيف أكبر من غيرهم، وذلك أن طاقاتهم تتفجر وعنفوانهم يتدفق لا يعرف حدودا، وهذا طبيعي لأنهم يستقبلون من حياتهم أكثر مما استدبروا منها، ويتطلعون لمستقبل أفضل، وينظرون للأمام دائما لا يشدهم للخلف شيء: لا ثروات جمعوها، ولا مناصب حصلوا عليها، ومن الأمور المألوفة في أغلب الشباب سرعة الغضب وقسوة الانفعال وأحيانا النزق وشدة الاندفاع (أقول هذا وأنا لست بشيخ فانٍ ولا رجل مسن بل ما زلت شابا، لكن هذه الصفات جزء من طبيعة الشباب وحقيقة من حقائق الحياة، ولا ضير من الاعتراف بها).
وبعض الشباب اليوم يبالغون في نقمتهم وحقدهم على نظام مبارك الفاسد السابق ورغبتهم الجامحة في الانتقام منه، ويسرفون في انتقاد المجلس العسكري، ويتشددون جدا لحد التطرف في تحقيق مطالبهم الآن وفورا، وهم بذلك يشقون صفوف القوى الوطنية المصرية، ويمزقون لحمتها ويوهنون قوتها ويضعفون عزيمتها، وأقول بكل صراحة ووضوح: إن بعض الشباب في غمرة اندفاعهم وشدة حماستهم وقعوا دون قصد أو وعي منهم في الفخ الذي نصبه لنا أعداء مصر، ويريدون جرجرة المصريين من خلال اندفاع هؤلاء الشباب للوقوع في نفق مظلم أو حفرة عميقة سحيقة يتخبطون فيها لعقود قادمة!!
وأنا رجل بسيط من أبناء مصر لا أدعي الحكمة ولا أزعم ما ليس في، لكن ألم نتعاهد جميعا منذ بداية ثورتنا على أن نخلص لبلدنا ونسعى إلى بنائها بناء جديدا على أسس راسخة ودعائم قوية تجعل منها دولة مدنية عصرية حديثة؟! لكن ما أسرع ما ينسى الناس عهودهم!! وإلا فلماذا يخون بعض الناس بمثل هذه السرعة عهودهم التي قطعوها على أنفسهم فيقدمون مصالحهم الشخصية على مصالح وطنهم ولا يفكرون في مصيره الذي سيؤول إليه لو تصارع أبناؤه؟! أهذه هي الرجولة؟ والله ما أعلم الغدر والخيانة من شيم عظماء الرجال أبدا، فهذه الخلال الخسيسة والأخلاق الذميمة ما هي إلا بعض صفات المنافقين وأشرار الناس وأراذلهم!!
وحقيقة لا أفهم كيف يحرص بعض الناس على خنق أحلام أمتهم ووئد آمال أبنائها؟ ولا أعلم لماذا ينخدع هؤلاء لأعدائهم، ويستسلمون لأهواء نفوسهم ووسوسة شياطين الإنس والجن الذين يتلقفونهم ويعدونهم ليخربوا بيوتهم ويهدموا أوطانهم بأيديهم؟! وأتساءل حقا: لماذا ينجر هؤلاء لحتفهم ومصارع أقوامهم وضياع بلادهم وأوطانهم دون وعي منهم وكأنهم سكارى ؟! وكل هذا من أجل ماذا؟! أهو من أجل النجاح وشهوة السيطرة وحب الرياسة!! وأي نجاح هذا الذي يحققه المرء على حساب أهله ووطنه؟!
أعلم أن البعض قد يزهد في كلامي هذا قائلا: والله ما هذا بحديث السياسة، والقمة كما يقال لا تتسع لرجلين، ومن حق الناس والأحزاب الطموح للوصول للقمة والفوز بالسلطة، ولقد انتصرت كثير من الثورات والحركات فبطشت على الفور بأعدائها أول الأمر، فإذا ما فرغت منهم ارتدَّت على بعض أهلها ورفاق دربها فأخذتهم بالرِّيَبِ والظنون حتى لم تُبْقِ منهم أحدا، كل ذلك ليخلو لها الطريق وحدها، ويحدثنا التاريخ أن هذا هو ما دأب عليه الناس في ثوراتهم وحروبهم وصراعاتهم من أجل الحكم والسيطرة والهيمنة وبسط النفوذ، وهذا هو ما استقرت عليه الشعوب والقبائل منذ القدم (ونراه عند:العرب، والفرس، والروم، والوندال، والقوط، والهونيون، والسلتيون، والجرمان التيوتونيون... وغيرهم).
لكن وإن كان هذا صحيحا تاريخيا، وقد خبرته البشرية مرارا وتكرارا إلا أن الأمم الراقية والشعوب المتحضرة قد أدركت أن هذه الطريق الوعرة ليست هي طريق تشييد الحضارة وبناء العمران وتحقيق التقدم والرقي، بل هي طريق التناحر والهلاك والدمار والضياع، وما يفتُّ في الأكباد ويشعل النار في الأفئدة أننا لا نريد أن نتعلم أبدا من تجاربنا وتجارب السابقين، ونعرف تماما مصير الفرقة والخلاف ربما أكثر مما نعرف أنفسنا، ومع ذلك لا تزال العصبيات والمطامع والمصالح الشخصية تحكمنا وتحرك مشاعرنا، وتجعلنا نخوض في أعراض بعضنا البعض، فينهش الواحد منا (أو الجماعة أو الحزب...) لحم أخيه ويتهمه بالعمالة والتخوين، أو يطعن في نزاهته وشرفه ويهيج الناس ضده، ويستعدي المسئولين أو الشعب عليه.
هذا فضلا عن سبه وشتمه ووصفه بأقذع الكلمات والأوصاف، وهذا والله ليس من المروءة في شيء، وكلنا يعلم أن لسان الرجل حصانه به تفتح له القلوب ويمتلك النفوس، أو يوطأ بالأقدام ويضرب بالنعال، ووالله أظن جازما أن ثورتنا هذه لن تنجح أبدا قبل كشف هؤلاء الناس ضعيفي النفوس، خائري العزائم، واهني الهمة، ساقطي المروءة، الذين يتآمرون على الوطن ويضعون أيديهم في أيدي أعدائه!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.