الساعة الرابعة عصرا.. «لوسمحتى من غير ما تزعقى، لازم تتفتشى طالما داخلة الميدان». من أمام شارع محمد محمود أحد مداخل ميدان التحرير، تقف الحاجة عنبة والعرق واضح على وجهها، تتولى تفتيش أحد المداخل إلى الميدان. «فى ناس أعوذ بالله، بيعاملونا كأننا خدامين عندهم». تصف الحاجة عنبة المتطوعة للعمل كأحد أفراد التفتيش النسائى باللجان الشعبية، شعورها إزاء تعامل بعض النساء عند محاولة تفتيشهن، «رغم إنهم عارفين اننا واقفين هنا عشان نحميهم». لابد من تفتيش كل الداخلين، والوضع لا يخلو من خطورة، كما تؤكد الحاجة عنبة: «والله فى ستات مسكناها معاها كاتر وواحدة كانت شايلة مطوة، مش عشان ست يعنى يبقى بلاش نفتشها. لأ، الستات خطر برده». تأتى الحاجة عنبة من حلوان إلى الميدان كل يوم جمعة فى الساعة الثامنة صباحا لتشارك فى العمل التطوعى. «عندى 50 سنة، بس والله ما بحس بتعب طول ما أنا سامعة الناس بتهتف حوالى، ولا بيهمنى». تقول الحاجة عنبة، مفعمة بالنشاط والحيوية. من بعيد ينادى شاب على الحاجة عنبة، مشيرا لإحدى الفتيات الداخلات: «دى دخلت من تحت الكردون»، تستوقفها السيدة وتفتشها بدقة، تمد يدها إلى خلف شعرها وتحت الحجاب بدقة، وحتى آخر قدمها من أسفل»، ثم تسمح لها بالدخول معتذرة. عند البوابة نفسها تقف مى سيد، تبدو فى أوائل العشرينيات من العمر، ومنهمكة فى تفحص البطاقة الشخصية لإحدى العابرات: «أنا آسفة جدا، طولت عليكى». بصدق تعتذر مى. «مش كل الناس بتتضايق من التفتيش، فى ناس بتكون متعاونة أوى، وياما ناس مرضيتش تتفتش وتقولك هدخل يعنى هدخل، مش عارفة ليه البلطجة يعنى». تقول مى وأمامها صف من النساء يستعد للتفتيش. خيمة القيادة فى واحدة من الخيام الكثيرة المنتصبة أمام مجمع التحرير، يقع مركز القيادة لكل اللجان الشعبية فى ميدان التحرير. الخيمة خالية من أى أثاث، فقط مفرش متواضع. «لو عايزة تنضمى، بتصورى صورة البطاقة، وتسجلى اسمك معانا، وبتختارى وردية، تقفى ع البوابة 8 ساعات فى اليوم». يحدد على حسنى، أحد المسئولين عن اللجان الشعبية، الطريقة الوحيدة للالتحاق بطاقم تأمين الميدان. يقسم على اللجان الشعبية إلى خارجية (مسئوليتها حماية البوابات وتفتيش الداخلين)، وأمن داخلى، «ده يهتم بالبحث عن الأفراد الخارجين جوه الميدان، إذا كان حد يتعرض لمضايقات أو سرقات، أو بياعين المخدرات أو اى حالات شغب». يكشف على أن اللجان الشعبية ليست مقتصرة على ميدان التحرير، بل فى مصر كلها «عملنا المركز القومى للجان الشعبية، ده متواصل مع كل اللجان الشعبية فى مصر، وعندنا خطة لحاجات كتير، محو أمية ومشروعات صغيرة وتوعية سياسية، وإن شاء الله هنشارك فى تأمين الانتخابات اللى جاية بالتنسيق مع الجهات المعنية»، يشبه على اللجان الشعبية بأنها «جهاز شرطة موازٍ مصغر». يتكون الهيكل التنظيمى للجان الشعبية فى الميدان من منسق عام، ومفتشين، و«3 ليدر» على كل بوابة والمئات من المتطوعين فى كل وردية. يتبرأ على من ممارسات العنف التى تحدث مع بعض البلطجية الذين يتم إمساكهم فى الميدان: «ده بيحصل لما يكون التعامل مباشر بين الناس والبلطجية، احنا الشعب المصرى كده لو رحت أى مكان وقلت ده حرامى، الكل هيحط عليه». تختلف الاستعدادات من يوم لآخر ومن ظروف لظروف: «الخميس استعدادات تانية خالص غير العادية، علشان بيبقى قبل المليونية، ولو فى مسيرات داخلة وعندنا علم بيها، بنستعد لها قبلها، بنعرف جاية من أى بوابة، بنجهز أفراد أكتر ونعمل إجراءات تفتيش أعلى، الكل بيتفتش حتى لو كانوا ألف واحد، وهما عارفين وبيتعاونوا معانا». اختيار المشرفين يتم عبر المعرفة الشخصية والثقة، كما يقول على: «المتطوعين كتير، بس لما يكون فلان مصدر ثقة ممكن أخليه مشرف، وخاصة لو عنده خلفية أمنية مناسبة، علشان دى ظروف خاصة، مفيش وقت للاختبارات». قوانين العبور آسف، ممنوع دخول الشرطة. يعنى إيه؟ مش هروّح؟ حضرتك رايح المترو؟ معلش. طيب خده يا حسن، وانزل معاه لحد المترو.. اتفضل حضرتك. يتأمل د. أحمد يحيى الكارنيه الذى يحمل رتبة أمين شرطة، ثم يعطيه لصاحبه، معتذرا فى شك واضح. يقف د.أحمد على البوابة حوالى 8 ساعات يوميا: «أنا ليدر هنا، مهمتى لما تحصل مشكلة أتدخل بسرعة لحلها». يوضح أحمد أن هناك جنسيات ممنوعة من دخول الميدان، لكنه يرفض ذكرها: «وفى برضو قنوات ممنوعة، زى الجزيرة مثلا وسى إن إن، والقاهرة المصرى، دى بتنقل صورة سلبية خالص، يعنى فرق لما أصور واقول دول ناس تعبانين، ولما اقول دول بلطجية بيوقفوا الناس».