وسط تجدد الجدل حول صحة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الذي سافر مجددا الثلاثاء الماضي في رحلة علاجية إلى الولاياتالمتحدة لإجراء فحوص طبية , عاد الحديث مرة أخرى يفرض نفسه على الأوساط القبطية والسياسية حول خليفة البابا - 85 عاما - الذي يعاني من متاعب صحية متتالية تفرض حولها الكنيسة أغلب الوقت سياجا من السرية. وذكرت وكالة الأنباء الألمانية في تقرير لها من القاهرة أنه على الرغم من تأكيد الكنيسة أن صحة البابا على خير ما يرام وأن رحلته العلاجية هذه المرة لا تعدوا كونها "فحوص عادية" ، فإن الجدل حول صحة البطريرك وطريقة اختيار خليفته لم تتوقف خاصة مع تجديد جماعة الأقباط العلمانيين التي تنادي بإصلاحات كنسية والحد من الدور السياسي للكنيسة مطالباتها بتعديل لائحة 1957 التي تحدد شروط وطريقة اختيار البابا الذي أعلن في تصريحات صحفية سابقة أنه يدرس تعديلها إلا أن الكنيسة عادت ونفت وجود أي نية لإجراء تعديلات على اللائحة. وأضافت الوكالة نفسها أن النقطة الأبرز في الجدل المثار تظل هي مدى تأثير شخصية البابا الجديد على علاقة الكنيسة بالدولة وتأثيره على العديد من القضايا كالمواطنة ومشاركة الأقباط في الحياة السياسية ، وهل ستتدخل الدولة - بدافع الحفاظ على الاستقرار- في اختيار من سيجلس على الكرسي البابوي؟ ونقل تقرير الوكالة عن خبراء وباحثين توقعهم أن يكون البابا الجديد بغض النظر عن شخصه أكثر تشددا من سلفه في علاقة الكنيسة بالدولة مرجعين ذلك إلى أن علاقة البابا شنودة الشخصية مع الرئيس المصري حسني مبارك أرست استقرارا كبيرا في علاقة الكنيسة بالدولة وإن كانت هذه العلاقة لا تخلو من اضطرابات عرضية يتم تجاوزها دائما. ونقل التقرير عن الدكتور عمرو الشوبكي خبير النظم السياسية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إن البابا القادم سيكون أكثر راديكالية وتشددا في علاقته بالدولة لاعتبارات عديدة أبرزها أنه - البابا الجديد- سيكون أصغر سنا من سلفه وهو ما يؤهله لاتخاذ مواقف راديكالية تجعله في موقف المدافع القوي عن حقوق رعيته. وأضاف أن هذا يأتي إلى جانب تصاعد حدة التوترات الطائفية في الآونة الأخيرة وحدوث مواجهات نوعية بين الكنيسة والدولة في العديد من القضايا منها بناء الكنائس وحرية التحول من ديانة إلى أخرى والأحكام القضائية العديدة بحق المسيحيين في الطلاق والزواج مرة أخرى والتي رفضت الكنيسة تنفيذها واعتبرتها تدخلا في شئونها. وأوضح الشوبكي خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية أن : "العديد من الملفات القبطية المؤجلة ستجعل أي بابا جديد يتعرض لضغوط كبيرة من المسيحيين قد تدفعه للصدام مع الدولة". وأشار الشوبكي إلى أن شخصية البابا الجديد لن تؤثر كثيرا في قضايا المواطنة أو دفع الأقباط إلى مزيد من المشاركة في الحياة السياسية , وقال : "ستستمر نفس المعادلة الحالية التي تحكم علاقة الكنيسة بالدولة والتي تقوم بالأساس على ضغوط متبادلة من الجانبين للحصول على مكاسب طائفية من جانب الكنيسة وضمان استقرار الأوضاع من جانب الدولة التي سوف تتدخل حتما ويكون لها دور كبير في تحديد شخصية البابا الجديد لكنها لن تكون الطرف الحاسم". وبدا أن رحلة البابا العلاجية هذه المرة تلقي الضوء بشكل ما على الدور السياسي الذي تلعبه الكنيسة وتأثير ذلك على علاقتها بالدولة ، ففي حين تحدثت تقارير صحفية عن اعتزام البابا عقد لقاءات على هامش رحلته مع زعماء منظمات أقباط المهجر بالولاياتالمتحدة لتهدئة الأجواء وضمان عدم تنظيمهم أي فعاليات أو تظاهرات ضد مصر خلال زيارة الرئيس مبارك للبيت الأبيض في أبريل المقبل. ونفت الكنيسة - كعادتها - وجود علاقة بين لقاءات البابا مع زعماء أقباط المهجر وزيارة الرئيس المصري , وقال رئيس لجنة الإعلام المتحدث باسم الكنيسة الأنبا مرقص للوكالة الألمانية إنه لا توجد أي علاقة بين سفر البابا للولايات المتحدة والزيارة المرتقبة للرئيس مبارك. وأوضح أن : "البابا تعود في رحلاته الخارجية أن يلتقي بأتباع الكنيسة في المهجر سواء كانوا من زعماء منظمات أقباط المهجر أو أعضاء الجاليات المسيحية في الخارج". وتضع لائحة الكنيسة الخاصة بانتخاب البابا والتي أقرت عام 1957 شروطا عديدة يجب أن تتوافر فيمن يترشح لشغل المقعد البابوي أبرزها أن يكون مصريا قبطيا أرثوذكسيا وأن يكون من الرهبان المتبتلين - غير المتزوجين ولم يسبق لهم الزواج - ويبلغ من العمر 40 عاما ميلادية على الأقل عند خلو الكرسي البابوي وأن يكون قضى في الرهبنة مدة لا تقل عن 15 عاما وألا يكون مسئولا عن أي إبريشية ، وهو ما يجعل خلافة البابا محصورة في عدد لا يتجاوز 100 أسقف. وتقضي التقاليد الكنسية بألا يتم الحديث عن خلافة البابا أثناء وجوده على قيد الحياة وهو الأمر الذي ساهم في اتساع مساحة الجدل كلما مر البابا شنودة بمتاعب صحية. وحددت اللائحة التي حصلت الوكالة الألمانية على نسخة منها طريقة اختيار البابا عن طريق ما يسمى "المجمع الانتخابي" الذي يضم نحو 1500 شخص هم فقط لديهم الحق في التصويت لاختيار البابا من بين نحو 12 مليون قبطي هم عدد الأقباط الأرثوذكس بحسب الإحصائية التي أعلنتها الكنيسة نهاية عام 2008 والتي أثارت جدلا واسعا وردت عليها الدولة بشكل غير رسمي بالتأكيد أن عدد الأقباط لا يتجاوز أربعة ملايين من دون أن تعلن عن تفاصيل الإحصائيات الرسمية التي يجريها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وتقوم ، لجنة مكونة من ثلاثة من رجال الدين وإثنين من أعضاء المجلس الملي بتحرير جداول الناخبين الذين سيمثلون المجمع الانتخابي ويكون لهم حق التصويت , ويختار قائمقام البطريرك - شخص يتم اختياره لتسيير أمور الكنيسة حتى يتم اختيار بابا جديد - أعضاء اللجنة وتكون رئاستها لأعلى رجال الدين من أعضائها رتبة أو أقدمهم رسامة. وتقوم اللجنة بقيد أسماء الناخبين من الفئات التي حددتها اللائحة ومن بينها المطارنة والأساقفة ورؤساء الأديرة ووكلائها و24 كاهنا من كهنة القاهرة و7 من كهنة الإسكندرية والوزراء الأقباط الحاليين والسابقين وأعضاء مجلس الأمة الأقباط - البرلمان حاليا - وأصحاب الصحف ورؤساء تحريرها ومحرري الصحف اليومية شريطة أن يكونوا أعضاء في نقابة الصحفيين. وذلك إضافة إلى 12 من الأراخنة - أغنياء ووجهاء الأقباط - من كل محافظة بشرط أن يكون كل منهم بلغ من العمر 35 عاما وأن يكون حاصلا على شهادة دراسية عالية أو موظفا حاليا أو سابقا بالحكومة لا يقل مرتبه عن 480 جنيها سنويا أو موظفا بأحد البنوك أو الشركات أو المحال التجارية على ألا يقل مرتبه عن 600 جنيه سنويا أو يكون ممن يدفعون ضرائب للدولة لا تقل عن 100 جنيه سنويا ، وفي الحالة الأخيرة يشترط أن يكون الناخب يجيد القراءة والكتابة فقط. وتقول المادة الأولى من اللائحة إنه : "إذا خلا كرسي البطريرك بسبب وفاة شاغله أو لأي سبب أخر فيجتمع المجمع المقدس والمجلس الملي العام بناء على دعوة أقدم المطارنة رسامة وبرياسته وفي ميعاد لا يتجاوز سبعة أيام من تاريخ خلو الكرسي لاختيار أحد المطارنة قائمقام البطريرك ، ويصدر أمر جمهوري بتعيين القائمقام البطريرك ليتولى شئون البطريركية الجارية بحسب القوانين والتقاليد الكنسية وطبقا للوائح المعمول بها وذلك إلى أن يتم تعيين البطريرك. وتجري عملية التصويت في يوم واحد في حضور مندوب من وزارة الداخلية ، ويتم إعلان أسماء الثلاثة مرشحين الحاصلين على أعلى الأصوات بحسب الترتيب ، ويتم في "الأحد" التالي اختيار البابا من بين الفائزين الثلاثة عن طريق ما يسمى ب "القرعة الهيكلية" والتي تجري في الكنيسة المرقسية الكبرى بالقاهرة. وتجرى القرعة عن طريق كتابة أسماء الفائزين الثلاثة في ثلاث ورقات وطيها بدقة ثم يقوم أحد الأطفال باختيار ورقة يكون صاحبها هو البابا الجديد , وتتم القرعة داخل غرفة الهيكل. ومن المفارقات التي حوتها اللائحة التي لم يتم إجراء أي تعديل عليها منذ إقرارها عام 1957 أنها تسمح للمسيحيين الإثيوبيين بالتصويت عن طريق الانضمام إلى المجمع الانتخابي وذلك بالحضور بأنفسهم أو عن طريق وكلاء على أن يتم تحديد أسمائهم عن طريق السفارة الإثيوبية بالقاهرة , وحددت اللائحة الوكلاء الرسميين الذين يحضرون من إثيوبيا وهم "المطران والأساقفة" و"مندوب حضرة صاحب الجلالة الإمبراطور" و"24 كبيرا من كبراء الإمبراطورية يعينهم جلالة الإمبراطور. ووصف المتحدث باسم "الأقباط العلمانيين" كمال زاخر اللائحة بأنها "طبقية متهالكة" وقال للوكالة الألمانية إن جماعته : "طالبت مرات عديدة بتعديل اللائحة لما تحويه من تناقضات لم تعد تتناسب مع العصر الذي نعيش فيه"، لافتا إلى أنه من حق جميع الأقباط أن يشاركوا في انتخاب البابا الذي يمثلهم.