فى هذا الحوار، يتحدث الشرقاوى عن رحلته بين معتقلات مصر منذ البداية، وحتى الإفراج عنه فى 19 مارس الماضى. ● كيف كانت بدايتك مع التيار الإسلامى؟ فى سنوات المراهقة كنت مثل غيرى عضوا فى اتحاد الشباب. كنا نحب عبدالناصر، ونحلم بتحرير فلسطين وإلقاء اليهود فى البحر كما قال. كنت فى معسكر للشباب فى يوليو 1967 حين قالوا لنا إننا انتصرنا على إسرائيل وعلينا أن نفض المعسكر ونسلم أنفسنا لأقرب مركز للاتحاد الاشتراكى حتى نرى ماذا سنفعل بعد النصر، لنفاجأ أننا انهزمنا شر هزيمة. تركت السياسة وركزت فى دراستى والتحقت بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية وسكنت فى المدينة الجامعية. ولأن الغرف كانت صغيرة ومزدحمة كنت أقضى أغلب وقتى فى المسجد، وهناك تعرفت على شباب متدين ساعدونى كثيرا على الاستذكار. ثم عدت إلى القاهرة وتعرفت على الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية وأصبحت متدينا، أصلى بانتظام وأحضر الدروس. وتأثرت كثيرا بالشيخ محمد خليل هراس الذى كان سلفيا بحق، «مش زى سلفية اليومين دول». وهناك تعرفت أيضا على عصام القمرى، الذى كان ضابطا برتبة رائد فى الجيش المصرى وعضوا فى جماعة أنصار السنة. ● هل شجعك القمرى على الانضمام لتنظيم الجهاد؟ لم يكن هناك تنظيم أصلا، والحديث عن «الجهاد» فيه مبالغة كبيرة. لو كان هناك تنظيمات سرية لما كانت الحكومة ستقدر على الإمساك بها بهذه السهولة. التنظيم السرى له قواعد وقيادات وخلايا ولا يعرف أعضاء الجماعة بعضهم البعض. لكن ما كان يحدث أن الحكومة يقبضون على مجموعة من الأصدقاء الذين يصلون بالمسجد، ثم يقضبون على كل معارفهم ويخترعون تنظيما لا حقيقة له. ● إذن لماذا تم اعتقالك على خلفية اغتيال السادات إن لم تكن عضوا فى الجهاد؟ تعرض صديقى عصام القمرى إلى مشكلة لا أذكرها. أظن أنه فقد بعض الذخيرة أو السلاح تحت عهدته، لكنى لا أذكر بالضبط. لكن القمرى هرب من الجيش وكان يريد الهروب خارج البلاد. حاولت مساعدته بأن أستخرج جواز سفر له حتى يستطيع الخروج من البلد، لكنى لم أنجح فى ذلك. ملحوظة: كان عصام القمرى وقتها متهما بتهريب سلاح وذخيرة الجيش لتنظيم الجهاد كنت أعمل فى شركة بتروجيت، وأرسلتنى الشركة وقتها فى منحة تدريب بالولايات المتحدةالأمريكية. وحدث اغتيال السادات وأنا خارج البلاد، وعدت إلى مصر بعد نهاية المنحة يوم 10 أكتوبر على ما أذكر. لم أكن أعلم أى شىء عن تفاصيل عملية الاغتيال، ولم يكن لى علاقة بالمشاركين فيها. والقمرى أيضا لم يكن على علاقة بعبود الزمر ولم يكن يعرف أى شىء عن العملية. فوجئت بالأمن يقتحم بيت العائلة ويسأل عنى، ولأن أبى كان متأكدا من أنى لم أرتكب أى خطأ، اصطحب قوات الأمن بنفسه إلى منزلى، وقبضوا على. ● لكنك كنت بالفعل على علاقة قوية بعصام القمرى؟ كان عصام صديقى وكنت معجبا به بشدة. كان شجاعا وبطلا بحق، وله مواقف معروفة فى حرب أكتوبر. وأثناء ثغرة الدفرسوار رفض الانسحاب واستمر فى القتال حتى نفدت ذخيرته، ثم أصر أن ينسحب ومعه دبابته وعتاده بدلا من أن يترك معداته العسكرية. كان بطلا بحق، رحمه الله. لكنه لم يكن ضالعا فى قتل السادات. وبعد 3 سنوات من التعذيب دون سبب، أفرجوا عنى بعد أن تأكدوا من براءتى. ● فلماذا اعتقلوك ثانية؟ عدت إلى عملى فى بتروجيت بشكل طبيعى، وحدثت محاولة اغتيال فاشلة لوزير الداخلية الأسبق حسن أبوباشا على يد جماعة «الناجون من النار» عام 1987. اعتقلونى مع كل المعتقلين السابقين فى 1981 وحاولوا تلفيق تهم لنا، وكانت فضيحة من فضائح أمن الدولة. عذبونا بشكل وحشى لإجبارنا على الاعتراف. تحت ضغط التعذيب، اعترف مجدى غريب (زوج أخت منتصر الزيات محامى الجماعة الإسلامية)، بأنه هو الذى حاول اغتيال الباشا. بدأت سلسلة من الاستجوابات والتعذيب البشع لمجدى، عن السيارة التى استخدمها فى العملية، فأرشدهم لسيارته التويوتا التى يملكها، رغم أن الذين حاولوا اغتيال الباشا استخدموا سيارة مازدا. طلبوا منه اسم سائق السيارة فى محاولة الاغتيال، فأرشدهم عن سائقها، وكان رجلا عاديا لا يصلى ويدخن الحشيش مثل الكثير من السائقين، فاعتقلوه وعذبوه. ثم طلبوا من مجدى الإرشاد عن سلاح الجريمة، وهو ما فشل فى إرشادهم إليه بالطبع، فكل الاعترافات كانت ملفقة للتخلص من التعذيب. فى ذات الوقت اعترفت مجموعة ثانية تحت ضغط التعذيب بأنهم هم الذين حاولوا اغتيال أبوباشا، فأصبح أمام أمن الدولة مجموعة كبيرة من المعترفين، إلى أن توصلت المباحث الجنائية للمرتكبين الحقيقيين للحادث. لم يفرجوا عنا رغم ذلك، بل طلبوا منا التوبة. رفضت أن أشترك فى «ندوات الرأى» التى كان ينظمها ضباط أمن الدولة، وأصررت على موقفى إلى أن أفرجوا عنى فى النهاية بعد 7 أشهر تقريبا. ● بعدها قررت أن تترك البلاد والهجرة إلى باكستان؟ بعد خروجى من المعتقل عدت إلى عملى فى بتروجيت، ثم سافرت إلى الحج. تصادف موعد سفرى من الحج، مع هروب عصام القمرى واثنين آخرين من ليمان طره، فهاجم الأمن منزلى اعتقادا منهم أنى سأكون على علم بمكان وجوده. اتصلت بى أمى وأبلغتنى بما حدث، وأن الرجوع إلى مصر فى هذا الوقت خطر. عندها قررت السفر إلى باكستان، وكان السفر سهلا، فقد كانت الحكومة المصرية تريد التخلص من الإسلاميين بإرسالهم إلى هناك، وكانت الحكومة الباكستانية تحتاج الدعم. استقرت بباكستان وتزوجت هناك وحصلت على الجنسية، وكان قانون الجنسية الباكستانية وقتها يحتم التخلى عن أى جنسية أخرى. سلمت جواز سفرى المصرى إلى الحكومة الباكستانية وأعلمت السفارة المصرية بقرارى. لكن السلطات المصرية لم تعترف به حين اعتقلونى مرة ثانية، وحتى الآن لا أعرف إن كنت أحمل الجنسية المصرية أم لا. ● بعد القبض على القمرى للمرة الثانية قيل إنه كان يختبئ فى ورشة خراطة بنيتها كمقر سرى للجماعة؟ غير صحيح. أعضاء الجماعة قالوا إن الورشة ملكى، ولكنها ملكهم. ● هل كنت عضوا فى جماعات الجهاد بباكستان فى ذلك الوقت؟ أنا فى الأصل مهندس اتصالات. أسست شركة كانت تعمل فى بناء أنظمة الاتصال اللاسلكى للمجاهدين فى أفغانستان، مثل الحزب الإسلامى والاتحاد الإسلامى وغيرهما. كنت أسافر لليابان وسنغافورة لإحضار نظم الاتصال وأجهزة اللاسلكى، كما تاجرت أيضا فى القمصان الواقية للرصاص. لكنى لم أتاجر فى السلاح ولم أحمله، فأنا مدنى ولست عسكريا. وذاع صيتى بين العرب فى باكستانوأفغانستان. ● لماذا استهدفتك الحكومة المصرية رغم بعدك عن البلاد؟ لا أعلم. عام 1994، فوجئت بالمخابرات الباكستانية تلقى القبض على فى بيتى من بين أولادى، كما كان يحدث فى مصر. ألقوا القبض على 3 مصريين آخرين لا أعرفهم على الإطلاق، ولا يعرفون بعضهم البعض ورحلونا على مصر، وهناك لفقوا لنا تهمة تنظيم. التهمة كانت مضحكة، وهى أننا كنا نخطط لإرسال أحدنا يقوم بعمليات سرقة لمنازل ومحال مجوهرات فى مصر لتمويل أنشطة جهادية. واتهموا أحدهم بأنه أعد جواز سفر مزورا، والثانى بتدريب اللص على اللياقة البدنية. أما أنا فكنت أرتدى ساعة رقمية، وكانت وقتها ساعة حديثة غير معتادة، فاتهمونى أنى قد دربت اللص على استخدام الساعات الرقمية فى تسجيل أرقام التليفون حتى يتسنى له الاتصال بقيادته. تهم شديدة العبثية. احتجزونى فى أمن الدولة بلاظوغلى ومنذ ذلك الوقت قضيت 17 عاما فى تعذيب متصل، ومررت على جميع السجون، سجن العقرب والاستقبال ووادى النطرون وأبى زعبل وطره والوادى الجديد. ● هل كانت هناك تهمة بعينها أو سبب للتعذيب؟ لا توجد تهمة، بل كانوا يبتكرون تهما جديدة على مر السنوات. ذات مرة فى سجن الاستقبال، كان هناك معتقل شعر بالفرحة حين علم أنه سيكون معى فى زنزانة واحدة، لأنه يعرفنى منذ زمن ولم يكن يحب أن يسجن فى زنزانة لا يعرف فيها أحد. ومن فرط سعادته سجد لله سجدة شكر. أبلغ المخبرون ما حدث للأمن، فعذبونى تعذيبا شديدا وسألونى «من الذى كان يسجد لك؟ ولماذا يسجد لك؟ وما علاقتك به؟» إضافة لذلك، كنت أتحدث لمنظمات حقوق الإنسان والصحف، وأقدم شكاوى للنائب العام عما يحدث لى من تعذيب بالضرب والكهرباء والنوم وسط مياه المجارى، وأبلغ عن فساد ضباط أمن الدولة الذين كان بعضهم يدخن الحشيش علانية وسط السجن. وكل هذا كان يزيد من وطأة التعذيب ضدى. ووصل الأمر أنهم اختطفوا ابنى عبدالرحمن وعذبوه لمدة 3 أسابيع العام الماضى اعتقادا منهم بأنه هو الذى يوصل رسائلى للصحف وحقوق الإنسان. ● ما ملاحظتك على المراجعات الفكرية التى خرجت عن الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد؟ ما هى إلا مناورات قذرة للغاية. المراجعات كان هدفها الوحيد محاولة الخروج من السجن والهرب من التعذيب، وكانت نتيجة لوعود ضباط أمن الدولة بالإفراج عمن ينضم لهذه المراجعات. وبعد أن انضموا للمراجعات، كان الضباط لا يوفون بوعدهم بإخراجهم من السجن، بل يطلبون منهم إثبات حسن النوايا بالكشف عن كل أسرارهم. من كان منهم يحتفظ بأسرار كان يكشفها ويبلغ عن زملائه، أما من كان لا يحتفظ بسر فكان يعمل مرشدا لهم. كان الضباط يقولون صراحة «لو عايزين تخرجوا، هاتوا ناس يدخلوا المعتقل مكانكم». أذكر أنه أثناء مراجعات الجماعة الإسلامية قام أحد الأعضاء برسم خطة كروكى للهروب من السجن، وإخفائها فى الحائط، ثم أبلغ الأمن أن المساجين يعدون خطة للهرب وأنه سيرشدهم إلى مكانها. وتعرض كل من فى الزنزانة لتعذيب شديد نتيجة لذلك. هذا هو حال المراجعات، ليس فيها كلمة واحدة صادقة. ● كيف كان رد فعلك حين سمعت عن ثورة يناير؟ كنت سعيدا بالطبع، فما فعله المتظاهرون هو ذاته ما فعله الإسلامبولى حين اغتال السادات بالتخلص من حاكم ظالم. لكن المتظاهرين كانوا مدنيين، لذلك لجأوا لأساليبهم، فى حين كان الإسلامبولى ورفاقه من العسكريين ففكروا فى الحل المناسب لخلفياتهم. ● بعد الثورة خرج عبود الزمر، وقضيت أسبوعا كاملا بعد ذلك فى المعتقل. لماذا تأخر الإفراج عنك؟ لا أعلم. اتصل بى عبود الزمر ليطمئن على ويقول لى إنه سيتحدث مع المجلس العسكرى بشأنى. ورفضت ذلك العرض تماما، فأنا لا أحتاج إلى التوسل لأحد كى أخرج، فهذا حقى. كنت قد حصلت على أكثر من 20 قرار إفراج صحيا، فأنا كنت على شفى الموت من وطأة التعذيب، ومازلت أعانى من آثاره حتى الآن. تحطمت عظام كعبى، وأصيبت فقرات ظهرى بشدة ولم أعد أستطع المشى والحركة بسهولة. فوجئت بالإفراج عنى دون مقدمات، وطلبوا منى أن أرحل فورا عن سجن الوادى الجديد وأعطونى شيكا بأموالى التى تمت مصادرتها حين دخلت السجن. رفضت استلام الشيك، فكيف أصرفه فى وسط الصحراء؟ وانتظرت حتى وجدت من يوصلنى للقاهرة. ● ما خططك للمستقبل الآن؟ لا آمن لمصر بعد اليوم. والتاريخ يؤكد أن مصر لا يستقيم الحال فيها إلا لفرعون. سأتعالج فى مصر، ثم أسافر إلى باكستان لأستقر مع زوجتى وأولادى.