«منظمة الشباب الاشتراكي» ..مشروع ثوري أجهضته النكسة · عبدالغفار شكر: نظام مبارك فشل في إعادة تشكيل منظمة · للشباب لعدم وجود مشروع وطني يلتفون حوله · أحمد بهاء شعبان: بعد الثقة في الثورة وعبدالناصر · اكتشفنا بعد 67 أن الأمر مجرد «طنطنة» إعلامية! · عبد العزيز الحسيني: الثورة كان لها مشروع يمثل الوطنية الجامعة ويوفر الاحتياجات الأساسية للشعب · عمر عبدالله: انتمائي للمنظمة كان طريقي للإخوان.. أما «حورس وجيل المستقبل» فتقوم علي الانتهازية والبحث عن المصالح! أدار الندوة : ساهر جاد أعدها للنشر : ريهام عاطف - سمر الضوي تصوير : عيد خليل بعد 57 سنة من ثورة يوليو تبدو مشكلة المشاكل ليست في حاضر صعب تعيشه ولكن في مستقبل قد يكون مظلما ينتظر أولادنا خاصة إذا كانت الاجيال الجديدة تنشأ بدون تربية فكرية ولاسياسية تؤهلها لمواجهة المصاعب والاخطار التي وضعنا فيها من حول مصر إلي وقف خاص يتعلمون فيه وفينا الإدارة والحكم. إذا كان الشباب هم المستقبل فإن منظمة الشباب الاشتراكي جزء من الماضي باعتبارها التجربة الوحيدة الناجحة لاحتواء الشباب وتأهيلهم سياسيا وتنظيميًا لخدمة الوطن.. جدل كثير يثار حول هذه التجربة ولكن الشيء المؤكد أن من تربوا في هذه المنظمة هم من يتصدرون المشهد السياسي الآن سواء كوزراء أو مسئولين في الدولة بل أيضا ورؤساء أحزاب معارضة وقادة حركات شعبية.. وهذا يدفعنا بالتأكيد إلي محاولة دراسة هذه التجربة التي نعلم مسبقا أنه لايمكن استنساخها ولكن مايمكنا ويجب علينا هو الخروج بدروس قد تفيد.. «صوت الأمة» نظمت ندوة حول علاقة ثورة يوليو ب «منظمة الشباب الاشتراكي» التي بدأت عام 1963 واستمرت رسميا حتي 1976، اشترك فيها من خرج من المنظمة لينتمي لجماعة الاخوان المسلمين وهو المهندس عمرعبدالله أو من أصبح أحد قادة التيار الماركسي وهو المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وايضاً المهندس محمد عبدالجواد صاحب التوجهات القومية كما حرصنا علي استضافة المهندس عبدالعزيز الحسيني الذي رغم توجهاته الناصرية رفض الانضمام للمنظمة. بالاضافة إلي «الأستاذ» عبدالغفار شكر الذي يعتبره الجميع الأب الروحي للمنظمة الذي تتلمذت علي يديه اجيال متعددة من شباب المنظمة وخارجها. فإلي تفاصيل الندوة «صوت الأمة»: فليتفضل السادة الحضور بتقديم انفسهم وكيف بدأت وانتهت علاقتهم بالمنظمة؟ - عبد الغفار شكر: كنت أشغل منصب أمين مساعد المنظمة لشئون التثقيف، وظللت بها حتي يناير 1969 ثم التحقت بأمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكي وأسست هناك نظاما للتثقيف السياسي. وقد تركت المنظمة باختياري بعد سقوط برنامج 30 مارس. الدكتور محمد عبد الجواد: التحقت بها عام 1966 وعمري 25 عاما، وتركتها مع هزيمة يونيو بإرادتي. وكنت أمين تنظيم محافظة القاهرة. - المهندس أحمد بهاء الدين شعبان: انضممت للمنظمة وعمري 17 عاما لإيماني بها وبأفكارها، حتي وقعت هزيمة يونيو وانهار معها النموذج والمثل والرموز لتتبدد الشعارات التي كنا نؤمن بها مما أدي فيما بعد لتغيير الافكار فالبعض أصبح ماركسيا والآخر اسلاميا والبعض هجر العمل العام وأصيب بالاحباط. - المهندس عبدالعزيز الحسيني: لم انضم للمنظمة رغم دعوة الكثيرين إلي ذلك. ولكني تابعتها وشاركت في الاحداث الوطنية والحركات الطلابية. - المهندس عمر عبدالله: التحقت بالمنظمة في نهايتها وكنت مسئولها في المدرسة الخديوية الثانوية، وكان للمنظمة تأثير عظيم في تكويني الفكري. صوت الأمة: عندما انشأت الثورة منظمة الشباب كان هذا يعكس اهتمامها بالشباب .. والسؤال لماذا تأخر هذا الاهتمام حتي سنة 63؟ - عبد الغفار شكر: الثورة اهتمت بالجانب الاجتماعي لدي الشباب قبل السياسي، وانعكس ذلك بالفعل انها في بدايتها فقدمت للشباب الوظيفة والسكن وخلافه دون أن يكون هناك نوع من التثقيف.. وبعد ذلك كلف الرئيس عبدالناصر نائبه زكريا محيي الدين بتكوين منظمة الشباب، فاجتمع زكريا بالدكتور أحمد كمال أبو المجد ويحيي الجمل وأحمد صادق القشيري ومحمد الخفيف وغيرهم، في هيئة السكرتارية المؤقتة علي مدار 6 شهور بعدها تم صياغة برنامج المنظمة والذي تميز بعدم المركزية والجمع بين القيم الاساسية للتيارات السياسية الاربعة. صوت الأمة: هل يعني ذلك أن الشباب وقتها كان «أداة» في يد السلطة؟ - أحمد بهاء : الثورة مرت بمرحلتين، الأولي «البراجماتية» وهي مرحلة التجربة والخطأ. والثانية التوجه القصدي وفيها تم التخطيط ومحاولة الاستفادة من طاقات الشباب الموجودة في المجتمع خاصة بعد مرحلة من الصدام وتجميد النشاط الطلابي بالجامعة. وقد فكر عبد الناصر في بناء منظمة من شباب الثورة لدمج فكرها في إطار رؤيتها السياسية الشاملة، وبالفعل نجح في جمع الشباب. حول ذلك ولكن بنفس الثقة في الثورة وناصرثم كان الانهيار الذي حدث للشباب مع الهزيمة لنكتشف أن الامر كان مجرد «طنطنة» اعلامية غير مبنية علي أساس. - عبد العزيز الحسيني: وقت الثورة كان هناك مشروع وطني يلتف حوله الجميع وليس شخصًا، بالاضافة لتوافر الاحتياجات الاساسية، فالشباب لابد أن يحصل عليها ليتفاعل سياسيا. صوت الأمة: ماتقييمكم للثورة وعلاقتها بالشباب والمنظمة؟ - د.عبدالجواد: الثورة وقعت في خطأ أساسي، لان مشروع عبدالناصر مشروع وطني، ولكنها حمت نفسها بالمؤسسة العسكرية. مما أوقع المشروع الوطني في جهالة وبطش، وانهارت عام 1967 أحمد بهاء: لقد كان لنظام المعسكرات الذي انتجته المنظمة أثر كبير في سقوطها وأن يرفضها المجتمع في باكورة حياتها، فكثير من الناس ظنوا أن هؤلاء الشباب يتم اعدادهم لكتابة التقارير، حتي أشيع أن الابن يكتب تقريرا في والده. كما أن اختيارقياداتها كان به بعض السلبيات. فلم تكن من القيادات المقنعة لتصبح نموذجا يقود الشباب، خاصة مع استمرار قوة المؤسسة العسكرية التي أخذت تؤثر علي المنظمة وفكرها مما أدي بالتدريج إلي سقوطها. صوت الأمة: هل ذلك هو سبب قيام قادة المنظمة بقيادة المظاهرات بعد هزيمة يونيو ضد النظام؟ - عبد الغفار شكر: المنظمة عملت علي تربية جيل «مسيس» لديه رؤية فكرية ذات طابع تقدمي، وعندما وقعت الهزيمة كان أول اختيار لهؤلاء الشباب في الشارع حيث طالبوا بمحاسبة المسئولين عن الهزيمة، وعندما لم يحاكموا قامت المظاهرات. كانوا في البداية يرددون «غير غير ياجمال» وفي النهاية قالوا «أنور أنور ياسادات أين قانون الحريات». وهؤلاء انفصلوا عن المنظمة بعد ذلك. فالثورة قدمت لمصر جيلا مسيسا قادرا علي اختيار الموقف الذي يراه صحيحا، وهو نفس الجيل ا لذي يعمل حاليا بالاحزاب والحركات السياسية المستقلة والتنظيمات السرية واستطاعت المنظمة من خلال برنامجها الذي جاء في 1400 صفحة أن تجمع الماركسي والاسلامي والقومي وغيرهم دون أي عداوة. فهي تمسكت في برنامجها بمباديء أساسية كالدين والعدالة الاجتماعية. هل نحتاج الآن لاستنساخ منظمة للشباب بشكل يتناسب مع الوقت الحالي؟ وكيف يتم ذلك؟ - عبد الجواد: مانحتاجه حاليا هو احزاب حقيقية، فمصر مازالت تحكم بنظام شمولي ديكتاتوري هو امتداد للعصور السابقة. - أحمد بهاء: حاليا من الصعب جدا تكرار بناء منظمة للشباب لأن ا لظروف التاريخية مختلفة ولكن مانحتاج اليه هو بناء حركة سياسية في مصر لاكتشاف الشباب والاجيال الأكبر يكون دورها التوجيه ونقل الخبرات وتقديم العون دون محاولة فرض الوصاية. - عبد الغفار: مع اختلاف المناخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي أصبح من الصعب معه تنفيذ تجربة تلك المنظمة حتي داخل الحزب الوطني نفسه ما يمثله من توجهات اجتماعية ووطنية مشبوهة وتوجهات طبقية. كما أن الاحزاب القائمة المحاصرة بالقيود لايمكنها تحقيق ذلك. وفي الحزب الوطني حاول الدكتور محمود شريف عام 1983 تنفيذ الفكرة فجاء ببعض قيادات المنظمة، إلا أن التجربة فشلت لعدم وجود مشروع وطني وفكري يلتفون حوله. صوت الأمة: خلال السنوات الماضية نشأت العديد من الكيانات التي تهدف لتحقيق مانجحت فيه منظمة الشباب مثل جمعية جيل المستقبل وحورس فماتعليقكم؟ - عبدالغفار شكر: الظروف الحالية غير ناضجة وبالتالي فإن تقييم تلك التجارب صعب، فهناك انحياز تام لطبقة معينة وهي التي ينضم أصحابها مثلا لجيل المستقبل - عمر عبدالله: للأسف هناك قيمة وحيدة أساسية تجمع كل هذه التنظيمات وهي الانتهازية والبحث عن المصالح الفردية فقط سواء للحصول علي عمل أو مسكن صوت الأمة: هل تري والسؤال للأستاذ عمرعبدالله أن المرحلة التي مررت بها في منظمة الشباب كانت ضرورية لتصل لمنهجية فكرية أدت إلي قناعتك فكر الإخوان المسلمين؟ - عمرعبدالله: بالتأكيد .. فتلك المرحلة تمثل بالنسبة لي نصف الكوب «المليان». فقد كان هناك نقاط التقاء كثيرة بين فكر حسن البنا وماقامت عليه منظمة الشباب من الاهتمام بالانتماء للوطن والثقافة العامة والنفع للغير والتضحية في سبيل الوطن، ماذا عن التجربة الديمقراطية في منظمة الشباب وجمعيات مثل حورس وجيل المستقبل؟ - أحمد بهاء: شباب المنظمة كان يمارس الديمقراطية كما يجب، فهي لم تكن منظمة تابعة لنظام الحكم، بل كانت مستقلة وأعضاؤها لم يقبلوا أن تفرض عليهم أي قيود.. فمثلا في عام 1968 أسقط الشباب عبد الحميد حسن في الانتخابات الطلابية بالجامعة رغم أنه كان من قيادات المنظمة وكان رئيسا لاتحاد طلاب مصر. ولهذا لم يكن غريبا أن يحتل اتحاد طلاب مصر وقتها مكانا متميزا وسط الاتحاد العالمي للطلاب، لانه غير تابع للحكم ولا يتبع السلطة أو الحزب، فالمنظمة كانت تحترم ماكان يدرس لاعضائها. ********* أحمد شرف: اقتنعت بأفكار عبدالناصر فقدت المظاهرات ضده! يحتفظ «أحمد شرف» الذي كان في يوم من الأيام قياديا بارزا في منظمة الشباب في عصر جمال عبدالناصر، بالكثير من الذكريات عن الأحداث والأفكار والشخصيات.. الحوار معه يشبه الإبحار في «المحيط الهادي» لن تستطيع مهما أبحرت أن تصل لنهايته، وهو كذلك ليس هادئا، فأمواجه تتلاطم بعنف.. كنتم أحد رموز منظمة الشباب؟ فما هي قصة دخولك للمنظمة وكيف كانت علاقتهم بثورة يوليو؟ - أنا دخلت منظمة الشباب في معسكر حلوان الذي حضره الرئيس جمال عبدالناصر نفسه وكنا 16 طالبا من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وتم اختياري والدكتور مصطفي الفقي عضوين في اللجنة المركزية، وفي هذه الفترة كان هناك زخم كبير في الاتجاه الاشتراكي، خاصة بعد أحداث 65، حيث تم القبض علي سيد قطب وإعدامه وهذا قلل من عمل الإخوان المسلمين ولكن كان هناك فيما بعد ما عرف بالقطبيين. تقصد جماعات التكفير والهجرة؟ - نعم، فكل هؤلاء خرجوا فيما بعد من عباءة الإخوان ولكن بالعودة إلي موضوع المنظمة فقد كان هناك في الجامعة ما يسمي بجماعة الفكر الاشتراكي وفيما بعد أصبحوا جميعا قيادات في منظمة الشباب، فقد كان أول أمين لجماعة الفكر الاشتراكي هو «علي الدين هلال» والثاني «مصطفي الفقي» ثم الدكتورة نادية سالم وكنت أنا رابع أمين والمفارقة أن الدكتور أسامة الغزالي حرب كان من قيادات الشباب الاشتراكي وكانت هناك جماعة الوعي القومي ومن رموزها الدكتور محمد عبدالشفيع عيسي ومحمد السخاوي القيادي بحزب العمل الآن . معني ذلك أن معظم السياسيين في مصر الآن تربوا في منظمة الشباب الاشتراكي؟ - بالطبع، فقد صدرت في هذا الوقت مجلتا الطليعة والسياسة الدولية وكنا نقرأهما جميعا ونتابع هذه المجلات لأنه كان هناك حالة من الاهتمام العام بالسياسة علي عكس ما يحدث الآن تماما، فقد خاصمت الجماهير السياسة وكرهتها وهل كان مسموحا لكم بانتقاد النظام داخل المنظمة؟ - طبعا، فقد كنا نتتقد كل ما نراه خطأ، حتي جمال عبدالناصر نفسه كان ينتقد داخل المنظمة، ولم يكن هناك من يضيق بهذا النقد، إذن.. لماذا تم اعتقالك في أحداث مظاهرات الطلبة؟! - قصة اعتقالي طريفة، فمن أبلغ عني الأمن هو «عبدالحميد حسن» الذي أصبح فيما بعد وزيرا للشباب وعندما ذهبت وأخبرته بأننا سننظم مظاهرة للاحتجاج أبلغ الأمن وفوجئت بالقبض علي وكانت اللجنة التي تحقق معي مكونة من فؤاد علام، الذي أصبح وكيل جهاز مباحث أمن الدولة فيما بعد وحسن أبوباشا الذي أصبح وزيرا للداخلية وماذا فعلوا معك بعد كل هذا؟ - أقسم لك أنه لم يمسسني أحد، وبعد لقاء الرئيس عبدالناصر بالطلاب خرجت من المعتقل وكنت أكثر صلابة وإيمانا وهذه حقيقة أقولها للتاريخ، فقد كان عبدالناصر يستمع لنا وكان نصيرا للطلاب جميعا وهو ما دفعهم للمشاركة بفاعلية في العمل العام. تحدثت عن رموز في الدولة الآن مثل علي الدين هلال ومصطفي الفقي.. فهل التقيت بهم بعد التغيير الفكري الذي طرأ عليهم؟ - مصطفي الفقي باختصار عمل بالعمل العام من منطلق «براجماتي» بحت حتي انه فور تخرجه واشتغاله بالخارجية ترك المنظمة نهائيا، ثم وجد الرجل أنه أن يكون وزيرا خيرا من أن يكون سفيرا، فعاد للعمل بالسياسة مرة أخري وقد التقيته في إحدي الجمعيات وقال لي: أنت لسه اشتراكي يا أحمد؟.. فقلت له: نعم، فقال لي: إذا كانت الاشتراكية انهارت في بلادها؟!.. فضحكت وقلت له: ألم تكن تعلّم الشباب أن الاشتراكية ليس لها بلد وأنها توجد حيث يوجد الاستغلال!، أما علي الدين هلال فباع كل شيء حتي الفكر السياسي نفسه وقد قابلته في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في حفل اقامه نجلي ودعاني له وقال لي «بذمتك مش ابنك فلح عنك» لأنه يعلم أن ابني ليس مهتما بالعمل العام وهذا نموذج لما حدث لهم،