لم تمر الأنباء المتواترة عن حصول إمام عاشور لاعب النادى الأهلى على عرض ضخم للاحتراف بالدورى السعودى مرور الكرام؛ بل فتحت جراحا قديمة فى جسد كرة القدم المصرية وهى لماذا تتضخم أسعار اللاعبين المحليين بهذا الشكل المبالغ فيه رغم تواضع المستويات الفنية والبدنية مقارنة بما يقدم فى الملاعب الأوروبية؟ هذا السؤال الذى تردد فى أوساط الجماهير يعيدنا إلى أزمة أعمق وهى كيفية تقييم اللاعبين وغياب نظام احترافى حقيقى يحدد قيمة اللاعب بناء على معايير فنية وعلمية وليس عن طريق شهرة عابرة أو مجاملات سماسرة ووكلاء اللاعبين. كرة القدم المصرية رغم تاريخها العريق لا تزال عاجزة عن تقديم سوق احترافية حقيقية تشبه ما يحدث فى أوروبا أو حتى بعض الدوريات العربية، لقد أصبح هناك فارق شاسع بين قيمة اللاعبين فى مصر وقيمة نظرائهم فى الخارج ليس فقط من حيث الأرقام بل من حيث مستوى الأداء والالتزام والانضباط وذلك لأن القيمة السوقية للاعب فى أوروبا يتم تحديدها بناء على معايير صارمة تشمل الأداء الفنى المستمر عبر موسم كامل والإحصائيات الدقيقة من أهداف وتمريرات واستخلاص الكرة، بالإضافة إلى الجاهزية البدنية والانضباط التكتيكي. اما القيمة السوقية فى مصر فتعتمد على التريند الإعلامى وظهور اللاعب فى السوشيال ميديا وضغوط ورغبة الأندية فى الاحتفاظ باللاعبين بأى ثمن خوفًا من هجوم الجماهير، بالإضافة إلى دور وكلاء اللاعبين. لم تعد منظومة وكلاء اللاعبين مجرد طرف مساعد فى التفاوض؛ بل أصبحت المحرك الرئيسى لارتفاع أسعار اللاعبين فى الدورى المصرى فهناك لاعبون حصلوا على فرص وعقود ضخمة ليس فقط بفضل أدائهم بل نتيجة وجود وكلاء ذوى نفوذ وشبكات علاقات قوية داخل الأندية. فى الدوريات الأوروبية هناك أنظمة تقييم معتمدة يتم تطبيقها على كل لاعب مهما كانت شهرته، فلا يمكن أن يصل لاعب إلى قيمة سوقية مرتفعة دون أن يُثبت نفسه موسمًا بعد آخر حتى فى كبرى الصفقات مثل انتقالات الدورى الإنجليزى أو الألمانى يتم الاستناد إلى بيانات تقنية بدنية وإحصائية دقيقة. أما فى مصر فنجد لاعبًا يسجل هدفًا أو اثنين فى بطولة محلية فيصبح فجأة الهدف الأكبر للأندية الكبرى ويطلب فيه ملايين الجنيهات دون أدنى ارتباط بمستوى الأداء الحقيقى. هذا التضخم فى أسعار اللاعبين لا ينعكس فقط على ميزانيات الأندية بل يفرز نتائج كارثية على المدى البعيد أهمها غياب العدالة بين اللاعبين وانهيار القدرة التنافسية حين تدفع الأندية أموالًا ضخمة للاعبين محدودى الإمكانيات تتآكل ميزانياتها دون تحقيق بطولات حقيقية علاوة على ضرر لاعبين شباب أكفاء لا يحصلون على الفرصة لأنهم خارج دائرة التسويق أو لأنهم بلا وكيل قوى. من أجل تصحيح المسار تحتاج الكرة المصرية إلى إصلاح شامل يبدأ من طريقة اختيار وتقييم اللاعبين وصولًا إلى ضبط حركة سوق الانتقالات، وذلك من خلال لجان داخل الأندية تضم خبراء فنيين مهمتهم إصدار تقييم رسمى لكل لاعب فى الدورى على أسس فنية وبدنية، إضافة إلى تطوير دور محللى الأداء كما هو الحال فى أوروبا لتسجيل وتحليل بيانات اللاعبين بشكل حى على مدار الموسم والأهم هو فرض قوانين حازمة تحد من تحكم السماسرة فى الانتقالات وتضع سقفًا للعمولات. ملف القيمة السوقية للاعبى الكرة المصرية يحتاج إلى شجاعة فى المواجهة لا يمكن للكرة المصرية أن تنافس أو تتطور طالما بقيت رهينة لتضخيم الأسماء والصفقات الخيالية دون حساب.. فالعرض الضخم الذى وصل لإمام عاشور مجرد مثال على واقع مرير لا بد من تصحيحه. حان الوقت لوضع معايير عادلة ومنصفة تحدد قيمة اللاعبين الحقيقية بعيدًا عن السوشيال ميديا والسماسرة فهل تتخذ الأندية والاتحاد هذه الخطوة؟ أم ستستمر اللعبة كما هى حتى تنفجر هذه الفقاعة فى وجه الجميع؟