تخيلوا معى أعزائى القراء انتخابات معروفة نتائجها مسبقا إلى حد كبير وتضم عددا من المرشحين المعروفين والمشهورين على نطاق واسع بعدم الكفاءة. بالتأكيد، أى اقتراع ديمقراطى يجرى بهذه الطريقة يعتبر مهزلة بكل المقاييس. وبالرغم من ذلك فسوف تدخل الجمعية العامة للأمم المتحدة فى «انتخابات» كهذه تماما غدا الثلاثاء، عندما يتم التصويت لشغل المقاعد الشاغرة فى مجلس حقوق الإنسان الذى يضم 47 عضوا. ويتنافس 20 بلدا فقط لشغل 18 مقعدا شاغرا. وهذه المقاعد مقسمة بين مناطق العالم الجغرافية الخمس، وقدمت ثلاث من هذه المناطق العدد نفسه من المرشحين لشغل هذه المقاعد، لتضمن بذلك تجاهل اختيار أفضل أنصار حقوق الإنسان الذين يجب على كل منطقة تقديمهم. ويبدو أن الحكومات قد نسيت التعهد الذى كانت قد قطعته على نفسها منذ ثلاث سنوات لا أكثر ببناء منظمة قادرة على حماية الضحايا الأبرياء ومواجهة انتهاكات حقوق الإنسان أينما حدثت حول العالم. وكانت العضوية لأصحاب أفضل السجلات فى شأن احترام حقوق الإنسان شرطا جوهريا مسبقا. وكان سلف المجلس الحالى، أى مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، قد أغلقت أبوابها فى عام 2006 لأنها كانت قد سمحت، لزمن طويل للغاية، لكبار منتهكى حقوق الإنسان فى دول عديدة مثل السودان وزيمبابوى بعرقلة أى إجراء يتم اتخاذه ردا على انتهاكات هذين البلدين. وكان من المفترض أن يأتى المجلس الجديد مختلفا. فلأول مرة، توافق بلدان على أن تأخذ فى اعتبارها سجلات حقوق الإنسان عند التصويت لاختيار أعضاء المجلس، وتجد تلك الدول الأعضاء التى فشلت، حسب القرار التأسيسى، فى شأن «الالتزام بأعلى المعايير فيما يتعلق بتشجيع وحماية حقوق الإنسان» نفسها مضطرة للمراجعة وبالتالى ستجد مقاعدها مهددة. وبالنسبة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ومناصريها فى أنحاء العالم، تمثل هذه الشروط الأمل الأخير فى هيئة فعالة وذات مصداقية. والآن، تفسح المبادئ السبيل أمام المصالح، على ما يبدو. فقد عادت الحكومات إلى مقايضة الأصوات مقابل الحصول على عضوية الكثير من هيئات الأممالمتحدة الأخرى، واضعة الاعتبارات السياسية قبل احترام حقوق الإنسان. ويشير غياب المنافسة فى الواقع إلى أن الدول التى تهتم بحقوق الإنسان لا تهتم بها بالقدر الكافى. فقد سمحت أمريكا اللاتينية، منطقة الديمقراطيات المزدهرة، لكوبا بمحاولة تجديد عضويتها. وأيدت البلدان الآسيوية والتى من بينها الصين والسعودية دون قيد أو شرط مرشحيها الخمسة المتنافسين على مقاعد القارة الخمس. وعلى مدار السنوات الماضية، شجعت العديد من البلدان الغربية الدول التى تحترم حقوق الإنسان من المناطق الأخرى على دخول الانتخابات. ولكنها فى هذا العام، تخلت عن ريادتها بتقديم قائمة من المرشحين غير المنافسين لانتخابات المجلس. وانسحبت نيوزيلندا عندما أعلنت الولاياتالمتحدة ترشحها، تاركة ثلاثة بلدان هى بلجيكا والنرويج والولاياتالمتحدة لتتنافس على ثلاثة مقاعد. وحتى إذا كان هناك تنافس، فهو محدود. وفى منطقة شرق أوروبا التى تضم، بمقتضى قواعد الأممالمتحدة، كل البلدان الواقعة خلف الستار الحديدى السابق، ومن بينها بلدى، جمهورية التشيك فإن البلدان التى تسعى لإعادة انتخابها تشمل أذربيجان وروسيا، اللتين يتراوح سجل حقوق الإنسان فيهما بين المشكوك فيه والمزرى. أما المجر فهى وحدها التى أظهرت بوضوح عزمها المنافسة على مقعدى المنطقة. وبالتأكيد لا يعتبر تقاعس دول أوروبا الشرقية عن مواجهة منتهكى حقوق الإنسان أمرا يوحى بالثقة. وكشأن مواطنى أذربيجان والصين وكوبا وروسيا، أعرف ما يعنيه العيش فى بلد تسيطر فيه الدولة على الخطاب العام، وتقمع المعارضة وتقلص حرية التعبير. ومن هنا، فإن ما يضاعف من يأسى هو رؤيتى للبلاد الديمقراطية فى أمريكا اللاتينية وآسيا وقد اكتفت بالجلوس ومشاهدة المجلس وهو يفقد مصداقيته واحترامه. وقد ناشد الناشطون والصحفيون فى أذربيجان وكوبا المجتمع الدولى عدم انتخاب مرشحى بلديهما لعضوية مجلس حقوق الإنسان. ولا يمكن للدول التى تعهدت باحترام حقوق الإنسان ونزاهة المجلس أن تستمر فى لامبالاتها. إذ يجب على البلدان المختلفة إعلان تضامنها مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وإصلاح المجلس برفض التصويت فى حد ذاته لمصلحة منتهكى حقوق الإنسان فى هذه الانتخابات المخزية بحق. Guardian Syndication