قبل سنة كان البنك الدولى قد بدأ فى إعداد تقريره السنوى عن التنمية فى العالم، والذى اختار ان يكون موضوعه هذا العام عن تأثير احداث الصراع السياسى فى حالات التحول الديمقراطى على التنمية، وكيفية السيطرة على العنف الناتج عن هذه الصراعات وكسب ثقة الشعوب فى مؤسسات الدولة. ولم يكن معدو التقرير يتوقعون أن تتزامن الثورات الحالية فى العالم العربى مع اطلاقهم للتقرير أمس تحت عنوان «الصراع والأمن والتنمية»، ولكنهم اعتبروا أن «التحول الديمقراطى فى مصر يتيح فرصة أفضل لمناقشة أفكار التقرير»، بحسب ما قالته سارة كليف، فى المؤتمر الصحفى لإطلاق التقرير، الذى شاركت فيه القاهرة وبيروت مع واشنطن بالفيديو كونفرانس. ويركز التقرير على تأثير عوامل كالاستبداد السياسى على انهيار مؤسسات الدولة، وكيف يساهم غياب العدالة الاجتماعية والإحساس بالأمن فى خلق الصراع السياسى، ويناقش كيف يمكن اصلاح مؤسسات الدولة للخروج بالبلد من هذا المأزق. وهى الأزمة التى يلخص روبرت زوليك، رئيس البنك الدولى، حلها فى افتتاحية التقرير بقوله «الاستثمار فى توفير امن المواطن والعدالة وفرص العمل له اهمية بالغة فى تقليص العنف». ولتحقيق تحول ناجح إلى دولة المؤسسات القوية، يشدد التقرير فى العديد من مقاطعه على أن تلك المؤسسات لن تكتسب شرعيتها الا من ثقة الناس فيها وفى نزاهة القائمين عليها، مؤكدا على ضرورة أن يعمل «القادة على اغتنام الفرص قبل ان يتصاعد العنف مجددا». كما يجب اخضاع مؤسسات الدولة للمساءلة الشعبية، فقد يكون فى بعض البلدان مؤسسات قوية لكن ينظر إليها على انها فاقدة للشرعية بسبب سياساتها المتسمة بإقصاء الآخرين والتعسف وعدم الخضوع للمساءلة، بحسب التقرير، الذى يوضح ان تلك الحالات تظهر فى الدول التى تتحول من الحكم الاستبدادى، وفى هذه الدول يكون الأكثر أهمية هو العمل على ترسيخ مبادئ الشفافية والمشاركة والعدالة من أجل بناء الثقة فى الأمد القصير. ويشير التقرير فى هذا الصدد إلى أنه لا يمكن للدولة وحدها ان تستعيد الثقة، فبناء الثقة فى أوضاع العنف يتطلب جهدا مدروسا لبناء ائتلافات تضم فئات واسعة من المجتمع من اصحاب المصلحة، مستشهدا بتجربة التحول السياسى فى شيلى. وعن طبيعة الشخصيات الملائمة لتولى المسئولية فى مؤسسات الدولة، يقول التقرير إنه متى كان الفساد يمثل مصدر ضغط شديد قد تتوقف مصداقية التعيينات فى المناصب المهمة على شعور الأفراد بالنزاهة للحصول على تأييد أصحاب المصلحة. «ربما تستطيع الأجهزة التشريعية فى مصر ان تكسب ثقة المواطنين من خلال انتخابات نزيهة، ولكن على مستوى الأداء الحكومى، وبالرغم من ان رئيس الوزراء الحالى مشهود له بالنزاهة، فإن الكثير من المواطنين لا يشعرون بوجود إصلاحات فى مجالات كان من الممكن تنفيذها بسرعة لكسب الثقة كتنظيف الشوارع»، كما يرى مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز شركاء التنمية. الثورة المضادة وبالطبع ستواجه عملية التحول إلى دولة المؤسسات القوية والشفافة حربا من الجماعات المستفيدة من الفساد، فالتقرير يشير إلى أن أى تحول مهم مثل إجراء انتخابات أو تفكيك شبكات المحسوبية أو اعطاء الأجهزة الأمنية ادوارا جديدة أو تمكين الجماعات المحرومة والمستضعفة، يفرز رابحين وخاسرين «وغالبا ما يكون الخاسرون أفضل تنظيما ويقاومون التغيير». ويشير السيد إلى أن الحكومة حتى الآن لم تقصِ كل المسئولين الذين لا يتقبلهم الرأى العام لارتباطهم بالنظام القديم الأمر الذى يزعزع ثقة المواطنين فى مؤسسات الدولة. وانشاء المؤسسات الشرعية القادرة على الحيلولة دون تكرار العنف هو «أمر بطىء» بحسب التقرير اذ يستغرق جيلا كاملا، وحتى أسرع البلدان تحولا تستغرق ما يتراوح بين 15 و30 سنة لكى ترتقى بادائها المؤسسى من أداء دولة هشة مثل هاييتى إلى دولة مؤسسات فاعلة مثل غانا. ولكن فى ظل عملية التحول تلك على الدولة ان ترسل إشارات سياسية للمواطنين لكسب ثقتهم ومساندتهم، منها التحرك الفورى نحو تعيين أشخاص يحظون بالمصدقية على المستويين الوطنى والمحلى، ووجود آليات تقنع أصحاب المصلحة ان السياسات الجديدة ستنفذ بالفعل ولا رجعة فيها. ويؤكد السيد أن تحقيق ثقة المواطنين فى اجهزة الدولة سيكون له دور رئيسى فى تحديد مستقبل الاقتصاد فى مصر، لأن استقرار البلد سيكون مرهونا بالتأييد السياسى من المواطنين لمؤسسات الدولة. ومن نماذج السياسات الجديدة التى تحقق استعادة ثقة المواطنين فى الدولة وضع برامج لخلق فرص عمل تستند كبرامج الاشغال العامة واسعة النطاق كالمطبقة فى الهند وإندونيسيا، وتبسيط الإجراءات التنظيمية للقطاع الخاص، وتطوير البنية الأساسية وتبسيط الإجراءات التنظيمية للقطاع الخاص واتاحة القدرة على الحصول على التمويل.