فوجئ رواد مسرح الطليعة بقيام مظاهرات مكونة من عشرات الشباب يرددون هتافات إسقاط النظام وإرساء قواعد العدل ومطالبين بحقوقهم الشرعية فى ظل الدعوة للسلمية وعدم التخريب، يستمر الأمر كذلك حتى يرابط المتظاهرون على درج قاعة المسرح حيث يلتف الجمهور حولهم ليقرأوا اللافتات التى يرفعونها بينما يحاول مذيع أن يستطلع آراء الحضور حول الثورة وما يكنه المستقبل من أحداث مبهمة. يبدأ الشاب السكندرى الثائر سامح بسيونى بدعوة الحضور إلى استقلال أماكنهم بقاعة المسرح حيث «ميدان التحرير». وبمجرد دخولهم تستقبلهم تحت الأضواء الخافتة فرقة الملحن أحمد حمدى الذى ينادى عليهم بكلمات «يا مصرى قوم هش الوطاويط كفياك تبليط..» ثم يلومهم «يا مصرى ليه دنياك لخابيط والقلب غويط» ثم ينصحهم «صعبة الحياة والحل بسيط.. حبة تخطيط». تلك كانت بداية العرض المسرحى «تذكرة للتحرير» الذى يشارك فيه أكثر من 64 من شباب المسرح الذين شرفوا بالوجود فى قلب ميدان التحرير أثناء أحداث يناير الماضى وهو ما دفعهم للمشاركة فى العرض دون مقابل مادى مرتجلين ما تعرضوا له من المواقف العصيبة، يشاركهم تلك الروح المشرف على الارتجال يوسف مسلم والمخرج سامح بسيونى الذى كان ملازما مسجد القائد إبراهيم إبان الثورة. العرض يفتقد الملامح المسرحية المتعارف عليها لما تعمده بسيونى من أن يختلط الحابل بالنابل داخل القاعة فلا تعرف إذا كنت مشاهدا للعرض أم مشاركا به حيث أقام حوارا مع الجمهور الذى شارك الممثلين حالاتهم المأساوية ورغباتهم فى العثور على الكرامة التائهة. من خلال ستين دقيقة تعرض كل المشاعر الوجدانية التى مرت بها الشخصية المصرية ابتداء من الماضى الأليم ومرورا بأيام الثورة الثمانية عشرة وحتى خطاب التنحى وما صاحبه من أفراح. لم يجد بسيونى خيرا من كلمات «بلادى بلادى..» كى يبدأ بها عرضه الوطنى. وبمجرد أن يصاب الجمهور بتلك القشعريرة تذاع مقاطع الفيديو التى التقطت خارج المسرح وسط دهشة الجمهور، ثم يدخل مصطفى الكوميدى المنساق وراء خطيبته ياسمين ليعلنا انقلابهما على المخرج لاستبعادهما من العرض «يسقط العرض.. يسقط سامح بسيونى». استخدم بسيونى كل أساليب الإبهار البصرى بالعرض ببساطة شديدة منوعا بين حكايات الشباب المأساوية قبل الثورة مصاحبة للقليل من الموسيقى الحزينة وبين أسماء شهداء الثورة ومشهد الصلاة الذى اكتسب أكبر قدرا من الإعجاب يليه مشهد إلقاء الحجارة على قوات الأمن وأخيرا حوار الضابط والجندى ساعة موقعة الجمل وهتافات «كيلو اللحمة بمية جنيه.. متر مدينتى بنص جنيه». كل تلك المشاهد تواترت سريعا لتنسج تابلوهات فنية يتحرك وسطها الممثلون يمينا وشمالا وفوق الخشبة وأسفلها فيرسم فى النهاية علم مصر بملابسهم الحمراء والبيضاء والسوداء يتخللها شاهدا على اللحظة يظهر بين الحين والآخر ليحكى مشاعر الصفوة تجاه الأحداث. يتخلل المشاهد مقاطع فيديو لخطابات مبارك وردود أفعال الميدان إثر كل كلمة إلى أن يأتى خطاب سليمان فيتفجر مسرح التحرير فرحا بمجرد نطقه كلمة «أن يتخلى..». يخرج فى النهاية مصطفى الذى تأثر بأحداث العرض فيتمرد على تبعيته لأوامر خطيبته فى إشارة لانتهاء عصر الكبت وفرض الرأى وإيذانا بمولد الحرية والديمقراطية يعقبها مشهد «مطلوب مننا كلنا» الذى يصور حالة المصريين الخلقية المتأملة عقب الثورة. توزع فى الختام أعلام مصر على الفنانين بالتوازى مع أغنية «متقولش إيه إدتنا مصر.. قول حندى إيه لمصر». المخرج سامح بسيونى قال عن كواليس العرض: اتفقت مع الفنان هشام عطوة على عمل عرض مسرحى يحكى بعضا من مظاهر ثورة 25 يناير بحيث يسردها على خشبة المسرح شباب من الذين شاركوا على أن يختص كل فرد بموقف قام به أو تعرض له فوافق على الفور وبالفعل جمعت وإياه شباب المسرح أصدقاءنا وأخبرناهم أن العمل سيكون ارتجاليا فى حب مصر وبدون مقابل وفوجئنا بتحمس الجميع للفكرة فشرعنا فى تنفيذها فى أقل من 20 يوما عقب الثورة مباشرة.