كتب - نهى العليمى - تصوير - شريف الليثى بكل صدق وحماس قدم 64 شاباً وفتاة عرضاً مسرحياً مهماً بعنوان «تذكرة للتحرير» علي مسرح الطليعة وفيه كل مطالب من نزل إلي ميدان التحرير وشارك في الثورة.. وفيه أيضاً رصد لجوانب عديدة ضمنتها الثورة بما فيها من علاقات إنسانية ومعاني أثرت روح الميدان، وكذلك عرض لآراء الناس المتابعين لهذه الثورة عن طريق مذيعة تحاور جماهير تعبر عن مشاعرها تجاه الثورة والثوار، وكذلك إلقاء الضوء بطريقة غير مباشرة علي المخاطر التي تواجه بلدنا في هذه المرحلة الحرجة من فتنة طائفية وقلة وعي سياسي ومظاهرات فئوية يجب أن نتجاوزها كتذكرة لدخول عصر الحرية والديمقراطية. وأجمل ما في العرض أنه من تأليف وإخراج وتمثيل شباب مبدعين واعتمد علي روح الجماعة التي ميزت الثورة وليس الفرد. العرض يمثل سيمفونية متناغمة من الشباب تغاضوا عن أجورهم ليقوموا بما آمنوا به في هذا العرض ومايسترو هذه السيمفونية وصاحب الفكرة هو المخرج سامح بسيوني الذي يبلغ السابعة والعشرين من عمره، وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية ويشغل حالياً منصب نائب مدير مسرح الطليعة. - «روح الثورة» يقول سامح: «أنا إسكندراني وكنت كباقي الشباب في مظاهرات القائد إبراهيم، وشعرت بروح الثورة التي كان لها الكثير من المقدمات قبل الثورة فقد كنت أعاني كباقي المصريين من مساوئ النظام السابق وناقشت ذلك كفنان في عروضي السابقة آخرها مسرحية «يوليوس قيصر» علي مسرح الشباب والتي أخذت عنها جائزة أفضل مخرج صاعد وكانت تناقش الصراع علي الحكم لإيماني بأن الفن له دور أساسي في رصد كل أحداث وتطورات المجتمع، وأنه شريك أساسي للوعي والنضج المجتمعي ومناقشة المشاكل وقد تولدت شرارة الفكرة الخاصة بعرض «تذكرة للحرية» أيام الثورة ورأيت أن هذه الروح سيتماشي معها ورشة ارتجالية لشباب الممثلين ووضعت الفكرة بين أيديهم ولم نلتزم بخط درامي من بداية وعقدة ونهاية أو حوار مكتوب بل وضع كل ممثل من الشباب دوره في ميدان التحرير وحواره وهذه هي أول تجربة ارتجالية في مصر وكلنا لم نأخذ مليماً واحداً بل قمنا بهذه التجربة إيماناً برسالتنا ورغبة في توصيل صورة المجتمع وطرح كل مساوئه وحسناته ومواقفه وآرائه، وشجعنا جداً الأستاذ رياض الخولي رئيس البيت الفني للمسرح وعرض علينا أجورا رمزية ورفضنا.. وأضاف سامح لقد ناقشنا في العمل المظاهرات الفئوية وانقياد الشعب وراء آراء مغلوطة والجهل وقلة الوعي متمثلاً في اثنين من الممثلين تمردا علي العرض وخرجا من بين الجمهور وقد انقاد الشاب لخطيبته ضد المخرج والعمل دون حتي أن يتابع العرض وقبل أن يسمع أي شيء حتي لا يخسر خطيبته.. ولكنه في آخر العرض يفهم البطل أن أول الطريق الحقيقي لأخذ حقه هو تركها - أي خطيبته - وتبني المشكلة بالفعل دون الانقياد لفكر أحد وقضية «قالولي» التي من الممكن أن تخرب البلد عندما ينساق أحد وراء شائعات دون المصداقية في التناول أو العرض ودون التأكد من مصدر هذه الشائعات لأننا في هذه المرحلة في وضع حرج وسنقرر مصيرنا إما سنعيش نتائج ثورة ناجحة ونجني ثمار الحرية والعدالة والديمقراطية وإما سنعيش علي الأطلال وسيتم القفز من قبل ناس أخري علي مكتسبات الثورة وسنضيع أنفسنا.. لذا فهذا دورنا كفنانين أن نكون مرآة للمجتمع ونطرح هذه المخاوف، وألا يكون هذا وقت المتاجرة بالثورة وبيع التيشيرتات التي تحمل 25 يناير أو اسم مصر. وأكد سامح بسيوني أننا بعد انتهاء العرض علي مسرح الطليعة في القاهرة سنبدأ في جولة بكل المحافظات وسأذهب بهذا العرض وكل شركائي في هذا العمل إلي المدارس وسنعرضه لهم في «حوش المدرسة» حتي نصل للناس ويروا الحقيقة ويروا الأخطاء ويروا أنفسهم ويعلموا حجم المسئولية التي يتحملونها ويكونوا علي قدرها. - بائعة الورد أصغر المشتركات في العرض نور محمد 20 سنة طالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية تتكلم عن دورها قائلة: «مع أن والدتي منعتني من النزول للتحرير أثناء الثورة إلا أنني كنت فرحانة بأصدقائي وصديقاتي هناك وكنت أتابعهم وتمنيت أن أنزل معهم، لذا عندما عرض علي سامح بسيوني الفكرة تشجعت جداً ليكون لي دور في هذا الحدث التاريخي وأكثر ما أسعدني فكرة الارتجال، واخترت دور بائعة الورد في الشارع والتي تعاني من الفقر والاضطهاد من الأفراد والضباط والعساكر وأنهم يسمونني طفلة شارع.. ولا ذنب لي ولا شعور بأمان، لذا عندما ذهبت للتحرير شعرت بالأمان وبأن هذا الميدان بيتي الذي حرمت منه والناس يخافون علي ويحسنون معاملتي وقد مثل الميدان لهذه الفتاة البيت والوطن وكل شيء وطالبت بحقها المشروع في الحياة الكريمة.. وأنا سعيدة بهذا الدور وأتمني أن يعجب به الناس وتبدأ النظرة تتغير وتوجد الحلول لأطفال الشوارع لأنها مشكلة ضخمة يجب أن تكون في أولوياتنا كمجتمع يريد أن ينهض ويتمتع بالعدالة والديمقراطية والحرية. - فلنحافظ علي ما ضحينا من أجله أما سمر علام 25 سنة فهي ممثلة محترفة تعشق التمثيل وتقول: «أتمني أن يقوم الفن في هذه الفترة بدوره في توعية الناس وحثهم علي المشاركة واحترام الرأي الآخر.. وقد شاركت في ثورة التحرير بعد أن طلبت مني والدتي النزول وشجعتني ليكون لي رأي وأكون شخصيتي وأشعر بمجتمعي فأنا مع بلوغي سن الخامسة والعشرين لم تكن لي أية مشاركة سياسية قبل ذلك وكان اهتمامي فقط بالفن والتمثيل فأنا خريجة فنون مسرحية، ومنذ نزولي التحرير شعرت بقيمة الحرية وقيمة الوطن وهذا هو الدور الذي اخترت تمثيله بالعرض وارتجلت الحوار فهي فتاة نزلت التحرير فقط بناءً علي رغبة خطيبها.. وكان حلمها فقط الزواج وتكوين أسرة وإرضاء خطيبها وبعد نزولها استشهد خطيبها أمام عينيها وبدأت عند هذه اللحظة تفهم أن الحياة أكبر من هذا وأن الأب والزوج والأخ قد يذهبون ولكن الوطن باقٍ وأنا سعيدة بتمثيل هذا الدور لأنه يمثل شريحة كبيرة ممن في سني. - عندما تجتمع السياسة مع الفن وتقول إيناس المصري- 27 سنة- ممثلة شابة وخريجة علوم سياسية: كلنا كمصريين انفعلنا بأحداث الثورة ومن قبلها كان هناك إحساس كبير بضرورة التغيير ورفع الظلم والاستبداد، وكانت هناك طاقة كبيرة لإظهار روح ميدان التحرير ورصد النظرات المختلفة لمن هم داخل وخارج الميدان، وأنا أمثل دور مذيعة تعرضت لإحباطات عديدة في حياتها وتحاور الناس أثناء العرض ممن في التحرير وخارجه وتعرض وجهات النظر المختلفة ودراستي للسياسة أفادتني كثيرًا في فهم أبعاد الموقف الذي نعيشه والعرض ساعدني علي إظهار الرسالة التي أود توصيلها للناس بأن يكون عندهم وعي لأهمية المرحلة التي نعيشها والمسئولية التي علي أعناقنا لبناء بلدنا. - كل يوم ثورة «كنت أعيش كل يوم ثورة» هكذا بدا مصطفي أبو سريع 26 سنة خريج كلية الآداب قسم مسرح، وأحد أبطال هذا العمل الجماعي، حديثه قائلاً: كنت أعيش كل يوم معاناة وسلبيات في الشارع والجامعة والعمل وكان جيلنا محروماً من لغة حوار ليعبر عن مشاعره ومشاكله، فلم يكن أحد يصغي إلينا ولا أحد يحل هذه المشاكل ويعالج الفساد والبطالة والواسطة، وجاءت الثورة لتعلن العصيان علي كل هذه المشاكل والآن يجب أن نغير من أنفسنا قبل أن نغير ما حولنا فيصبح عندنا مفهوم ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر وتقدير الموهبة وتكافؤ الفرصة. وأضاف: أقوم بدور مصطفي خطيب ياسمين التي تقوده في كل شيء حتي أنها دفعته للقيام بمظاهرة ضد المخرج والعرض دون حتي أن يعرف، وقبل أن أتابع العرض وينتهي العرض بأن أتخذ موقفًا بعد أن فهمت مغزي الثورة، وأن هناك أولويات يجب علي الإنسان أن يحققها قبل أن يطلب ثمار الثورة من حرية وديمقراطية أولها أن أؤمن بقضية وأقتنع بها فلا أجري وراء آراء أخري أو أنقاد لاعتصامات وإضرابات وأطلب أن آخذ قبل أن أعطي، وأظن أن هذه رسالة مهمة جدًا الآن في ظل ما نعيشه من أحداث. - ارتجالية من الواقع حوارات ارتجالية عديدة بين المتظاهرين في الميدان يقوم بها الممثلون بواقعية ويناقشون مشاكل عديدة: الواسطة.. التحرش.. إهانة المصريين في الخارج.. الإرهاب.. الفساد.. وحوارات أثناء خطاب الرئيس السابق توضح غضبهم ثم تذمرهم ثم فرحهم بالتنحي.. كل هذه الحوارات التي وضعها الممثلون أنفسهم أشرف عليها سيناريست شاب هو يوسف مسلم- 31 عامًا الذي يقول لنا: لي تاريخ سيئ مع النظام السابق من الظلم والكبت والفساد عانيت منه وعندما نزلت ميدان التحرير يوم 27 يناير نزلت بدافع الفضول لأري ما يحدث ولكنني عندما أصبحت في الميدان شعرت بشعور مختلف عن أي مظاهرة أخري، فكم التصميم والحماس والإصرار كسر عندي ما كنت متأكدًا منه عن الشعب المصري الغلبان الخاضع، وعلمت أن هؤلاء البشر في التحرير هدفهم واضح وحماسهم فاق الحد نتيجة الظلم والكبت، لهذا عندما جاءت لي فكرة العرض وجاءت الحوارات علي ألسنة الشباب الارتجالية أعطيتها خطاً درامياً وأشرفت عليها ولكنها كانت حقيقية جدًا وصادقة وواقعية وتعبر عن كل المواقف داخل الميدان وخارجه، ونحن الآن كفنانين في موقف رصد للتجربة وليس موقف تقييم لأن هذا التقييم قد يأخذ سنوات لتتضح الصورة ولنصل لنتيجة هذه الثورة إما نجاح وإما فشل وما نعيشه هذه الأيام خطير، فهذه المرحلة الانتقالية هي التي ستحدد مستقبلنا، وللأسف نسبة الجهل كبيرة جدًا وغياب الوعي أكبر، لذا الحل هو الوعي المجتمعي حتي لا يؤثر أحد علي اتجاهاتنا وآرائنا ونعيش حرية سليمة وثابتة الأصول نبني بها مستقبلاً أفضل.. وسعادتي بهذا العرض أنها المرة الأولي التي يكون فيها الحوار ارتجاليًا علي غرار مسارح إيطاليا ولكن ما يميزنا أننا شباب وأن الممثلين حديثو العهد بالتمثيل وأنا سعيد بقدرة هؤلاء الشباب المصريين علي ذلك. -الجيل الأكبر أيضًا مشارك بجانب الشباب علي المسرح هناك ممثلون أكبر سنًا وخبرة شاركوا الشباب منهم الفنان ممدوح سنجام الذي يقول: أنا سعيد جدًا بوقوفي بجانب الشباب الذي طالما أحببته وشجعته وأحببت التمثيل بجانبه، فهذا هو مبدأي قبل الثورة ولكنه ليس مبدأ الكثيرين قبلها، فالثورة أعادت للشباب مكانته وفرض احترامه وأنا عن نفسي عانيت الظلم وعانيت من الفساد والواسطة وعانيت من سلب لحقي، لذا عندما عرفت بالفكرة تحمست لها جدًا لأنها جاءت علي الجرح، وأتمني أن تصل رسالتنا للجمهور ويعي ويفهم الإنسان البسيط الذي ينظر تحت رجله ولا يفكر إلا في رغيف العيش أهمية ما نعيشه من تحول سياسي فما حدث في استفتاء التعديلات الدستورية يؤكد أننا مازال بيننا الكثيرون لم ينضجوا سياسيًا. أما الفنان أشرف صالح فيقول: أنا سعيد جدًا بمشاركتي في هذا العرض بجانب الشباب الصغير الذي يريد التغيير عن نفسه، وأنا متفائل بروح الميدان التي ظهرت علي الشعب المصري وأتمني أن يتم الحفاظ علي هذه الروح فننظف بلدنا ونعمل باجتهاد ونتوقف عن المظاهرات الفئوية فكل واحد سيأخذ حقه ولكن سيحتاج هذا لوقت وهذا هو دور الفن ليعلم الناس أن من حقهم المطالبة بحقوقهم ولكن كيف تتم المطالبة ومتي وأن تكون بلدهم ومستقبله دائمًا أمام أعينهم في أي تصرف ولو بسيط.