رؤساء الهيئات البرلمانية بالشيوخ يطالبون باستخدام السوشيال ميديا لمكافحة التطرف وتطوير الخطاب الديني    كرّم الفنان سامح حسين.. وزير التعليم العالي يشهد انطلاق فعاليات «صالون القادة الثقافي»    رئيس هيئة قناة السويس يلتقي السفير الأرجنتيني لبحث سبل التعاون المشترك    أسعار الدواجن والبيضاء اليوم الإثنين 5 مايو2025    وزيرة التخطيط تستقبل رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار لاستعراض مختلف ملفات التعاون المشترك    رئيس جامعة حلوان: استراتيجية واضحة لدعم الابتكار    التحالف الوطنى يشارك بمعرض أبو ظبي الدولى ويبرز دور المرأة فى مواجهة التحديات التنموية    الضرائب: إتاحة نماذج تسوية المنازعات الضريبية إلكترونيًا    أبو الغيط: حريصون على دعم جمهورية القُمر في كل المجالات السياسية والاقتصادية    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى وبلدات جنوب مدينة نابلس    "رويترز" عن مصدر مطلع: الولايات المتحدة واليونان من أبرز الدول المحتملة التي قد تزود أوكرانيا بأنظمة "باتريوت"    لاوتارو مارتينيز يأمل في الحضور مع إنتر أمام برشلونة    وزير الرياضة يشهد المؤتمر الصحفي للإعلان عن البطولات العربية والإفريقية للترايثلون بالجلالة    تجديد حبس تاجر مخدرات بعد ضبطه ب26 كيلو حشيش في مدينة بدر    درجة الحرارة هتوصل 40.. ارتفاع تدريجى والأرصاد تحذر المواطنين.. فيديو    رئيس هيئة النيابة الإدارية يشهد فعاليات المؤتمر العربي الأول للقضاء    يوليو.. عقد المؤتمر العلمى السنوى لقسم التربية الموسيقية بنوعية جنوب الوادي    رئيس الوزراء يتابع خطوات تيسير إجراءات دخول السائحين بالمطارات والمنافذ المختلفة    صراع النفس البشرية في "صندوق يعقوب" على مسرح قصر ثقافة القناطر الخيرية    مراسل القاهرة الإخبارية: غزة بدون طعام.. والاحتلال يواصل قصف المدنيين    محافظ الدقهلية يتفقد مستشفى المنصورة التخصصي للاطمئنان على مستوى الخدمات    جامعة بنها تحصد المراكز الأولى فى مهرجان إبداع -صور    خريطة الأسعار اليوم: انخفاض اللحوم والأسمنت وارتفاع الذهب    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    إحالة المتهم في قضية الطفلة مريم إلى الجنايات    تحرش في الطريق العام.. بماذا عاقبت جنايات الإسكندرية "بائع دار السلام"؟    لا يسري على هذه الفئات| قرار جمهوري بإصدار قانون العمل الجديد -نص كامل    نجم الزمالك السابق: نظام الدوري الجديد يفتقد التنافس بين جميع الأندية    منافس الأهلي.. بوسكيتس: لسنا على مستوى المنافسة وسنحاول عبور مجموعات كأس العالم    مدرب نيوكاسل: لن ننتظر الهدايا في صراع التأهل لدوري الأبطال    أعدادهم بلغت 2.6 مليون.. أشرف صبحي: الطلاب قوتنا الحقيقية    كارول سماحة تكشف مواعيد وأماكن عزاء زوجها وليد مصطفى في لبنان ومصر    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    فرص وظائف بالمجلس الأعلى للجامعات بنظام التعاقد.. الشروط وموعد التقديم    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية في مراكز طب الأسرة بأسوان    طريقة عمل البيتزا، أحلى وأوفر من الجاهزة    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    «وكيل الشباب بشمال سيناء» يتفقد الأندية الرياضية لبحث فرص الاستثمار    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    أمل عمار: النساء تواجه تهديدات متزايدة عبر الفضاء الرقمي    «الصحة» تنظم دورات تدريبية للتعامل مع التغييرات المناخية وعلاج الدرن    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    وزير الخارجية العراقي يحذر من احتمال تطور الأوضاع في سوريا إلى صراع إقليمي    جامعة بنها تحصد عددا من المراكز الأولى فى مهرجان إبداع    الهند تحبط مخططا إرهابيا في قطاع بونش بإقليم جامو وكشمير    توقعات الأبراج اليوم.. 3 أبراج تواجه أيامًا صعبة وضغوطًا ومفاجآت خلال الفترة المقبلة    بدرية طلبة تتصدر الترند بعد إطلالاتها في مسرحية «ألف تيتة وتيتة»|صور    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    ارتفعت 3 جنيهات، أسعار الدواجن اليوم الإثنين 5-5-2025 في محافظة الفيوم    أمير هشام: الزمالك في مفاوضات متقدمة مع البركاوي.. وبوزوق ضمن الترشيحات    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة 25 يناير والحرية والعدالة فى التعليم.. نحو معلم ملتزم
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2011

عاش الشعب المصرى بقيادة شبابه ثورة فريدة من نوعها على مدى الأسابيع الماضية تضامنت فيها الاتجاهات العديدة، واتحدت الأصوات وساد مطلب رئيسى هو إسقاط نظام اتسم بالسلطوية والفساد وارتفعت أصوات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. أكدت ثورة 25 يناير أركانا رئيسية من خصائص الثورات عامة مع الأخذ فى الاعتبار بعض خصوصيات الواقع المصرى وواقع مجتمع ما بعد الحداثة.
عزمت هذه الثورة الحديثة والشبابية على تغيير علاقات القوة ليس فقط على الصعيد السياسى ولكن أيضا على المستوى الإجتماعى وعزمت أيضا على ملء فراغ قيمى قد عانى منه المجتمع المصرى فى الأونة الأخيرة، وأكدت قيم العدالة والديموقراطية والشفافية والصدق والاحترام وأخيرا وضعت أسسا مستحدثة للمواطنة باعتبار أن الوطن ملك الجميع يشارك فيه جميع الأطياف بإيجابية بناءة أصبحت ملهمة، وأجمل ما اتسمت به هذه الثورة أنها اعتنقت أسلوب النمذجة فى مجتمعها المصغر فى ميدان التحرير وما بعد ميدان التحرير، وبرهنت للعالم أجمع أن فى استطاعة المرأة والرجل المصرى أخذ زمام أمور حياتهم بين أيديهم فهم قادرون على تنظيم أنفسهم وخدمة ذويهم وكذلك حماية مجتمعاتهم المصغرة حتى فى غياب مؤسسات الدولة.
وقد ساد روح التضامن والتعاون والمحبة والمساواة فى مجتمع التحرير، فهناك صناديق لدعم المحتاجين وطعام يقسم بين المقيمين، وأراء يتم الاستماع إليها من خلال الحوار السلمى واحترام الديانات وكذلك بين الإناث والذكور بل إن شباب التحرير أفرز مواثيق ومعايير للمواطنة الصالحة يصيغون فى هذه المنشورات خصائص المواطن المصرى وطبيعة السلوكيات والاتجاهات المنشودة من الحفاظ على نظافة مجتمعاتهم إلى الصدق فى إبداء الأراء السياسية والثقافية والجدية فى محاربة الفساد والفتنة الطائفية.
وبرهن شباب التحرير أنهم قادرون على أرقى مستويات الإدارة الذاتية بسرعة فائقة وبفاعلية وكفاءة مذهلة فمن إذاعات وأساليب للتواصل إلى مستشفى ميدانى وخدمات للصرف الصحى.
والسؤال المطروح هو: كيف يمكننا نقل هذا النموذج الرائع من الأداء والفكر إلى الساحة التربوية، وكيف تستطيع مدارسنا ضمان هذا المد الثورى واستمرار روح ميدان التحرير من خلال ترسيخ مجتمع الحريات والكرامة والاستقلال والاعتماد على الذات والعدالة الجتماعية، وبأسلوب آخر: ما هى الشروط الضرورية والكافية لضمان احترام الحرية المسئولة والمواطنة الصالحة من خلال طبيعة وأسلوب التعلم؟ وما مدى مساهمة النسق التربوى فى إيجاد هذه الشروط؟
يجب طرح عدد من الأسئلة غير التقليدية حول الأنساق التربوية ربما تختلف عن الأسئلة التى اعتدنا على طرحها فى التقارير الوطنية والدولية حول القياسات الكمية أو حتى الكيفية والتى ابتعدت تماما عن وصف طبيعة العلاقات داخل الأنساق والمؤسسات التربوية.
ومن أهم الأسئلة التى يجب طرحها هى تلك التى تقيس المساحة المسموح بها داخل المؤسسة التعليمية للحوار الحر وأساليب التعلم النشط المرتكزة على أفعال ومشاركة الأطفال والتى ترمى إلى التعلم المسئول مدى الحياة، وكذلك ما هى طبيعة العلاقة بين المعلم والمتعلم؟ هل من مجال للاحترام المتبادل والشراكة، وما هى المساحة المطروحة والمخططة للتعلم ذاتى التوجه النابع من اهتمامات المتعلم والتى تمكنه من التفكير الناقد والحر والابتكارية والممارسة العملية ومن بناء نماذج ومشروعات من أفكارهم؟
وما هى الفرص المطروحة أمام المعلم والمتعلم لإكسابهم وعيا تحليليا يمكنهم من معرفة وفهم حقيقة الظواهر التى تحيط بهم؟ وما هى المساحة المطروحة داخل المؤسسة التعليمية للتفكير والتفكر الحر الذى قد يختلف عن المرجعيات السائدة وما مدى قبول الاختلاف برحابة واحترام؟
واستكمالا لهذه الأسئلة المطروحة حول المؤسسة التعليمية، هناك أسئلة أكثر خطورة تطرح نفسها حول مكانة ووضعية المعلم.
هل يستطيع المعلم بكل ظروفه وأوضاعه واتجاهاته أن ينقل روح ميدان التحرير إلى الصف، وأن يرقى إلى مستوى المسئولية للمشاركة الفاعلة فى المراحل القادمة من التحول المجتمعى فى إطار مطالب ثورة 25 يناير؟
تتطلب المراحل القادمة من التحولات المجتمعية والثقافية أعدادا كبيرة ومستويات عديدة من «المثقفين العضويين» أى من المثقفين القادرين على معايشة ومواكبة التحول من خلال التلاحم والتواصل الحميم والفعل المشترك مع جميع الفئات المجتمعية الراغبة فى التغيير والتحول، ومن أهم هؤلاء المثقفين «المعلم الملتزم» Engaged Educator، فهو قائد المعركة فى المراحل المقبلة، فمعايشته الحميمية لشباب الحاضر والمستقبل وقدرته على التعامل الإيجابى والمستمر فى صناعة مواطن الثورة الحر المستقل هى فرصة يجب ألا تضيع.
«المعلم الملتزم» هو فى الواقع معلم واعٍ يصبو إلى الكرامة والحرية والعدالة، ويدرك أن من أهم أساليب القمع هو أسلوب التلقين من ناحية وممارسة كل أساليب العنف فى الساحات التربوية من ناحية أخرى.
«المعلم الملتزم» لديه من الثقافة والعلم والرقى والكفايات والمهارات التى تمكنه من ممارسة الحوار ليتوصل إلى غايات التحرر والتمكين وتفجير الطاقات الكامنة الى اقصى مدى ليس فقط لتلاميذه ولكن ايضا لذويه من الأقران وكل العاملين فى أشرف مهنة على وجه الأرض.
فالحوار أداة للتحول يفتح آفاقا أمام من يدخل فى علاقة تعلم تبادلية ويتيح الفرصة للاستمرار فى التعلم لدى طرفى الحوار (المعلم والمتعلم) فكلاهما يتعلم وكلاهما يتحول أثناء هذه العملية ويستطيعان تحويل علاقة اتسمت بالقمع والسلطوية تقليديا، وأكدت تابعية التلميذ الى علاقة تعاون واحترام وتعلم وتحرر.
والتحول الحقيقى فى المقاربة التعليمية المستحدثة ليس فى تدريب المعلمين على المزيد من المهارات والمعلومات حول مواد تخصصية فحسب، ولكن فى إعطاء المعلمين والتلاميذ الحرية والمساحة الكافية للحوار ولممارسة أسلوب التعلم النشط الفعال وكذلك البحث والتعلم الذاتى وفى ضمان آدمية وإنسانية المعلم الذى سرعان ما تحول الى عامل مهمش ومغترب قد يتكسب أحيانا بطرق غير مشروعة، ويكمن هذا التحول أساسا فى تغير مجمل طبيعة العلاقات التى تسود فى المؤسسة التربوية فلا يجوز ازدهار مناخ من الحرية، ولا يمكن التأكيد على الكرامة وتفعيل الحقوق التى كفلتها جميع المواثيق إذا سادت علاقات اتسمت بالسلطوية والقمع وعدم الشفافية بين قيادات المؤسسات التربوية والعاملين بها.
«المعلم الملتزم» هو إنسان مؤمن بقضايا الحقوق والحرية والكرامة الانسانية فهو مشبع بفكرها، وهى إجمالا قيم راسخة بداخة، فأحيانا يصبح هذا المعلم مناضلا سياسيا بشكل مباشر وأحياناً اخرى يصبح ممارسا لحقوقه وحقوق المتعلمين من خلال الارتقاء بأدئه، فهو يؤدى رسالة سامية ومهنة دقيقة تتطلب التزاما وجهدا مستمرا فى تطوير أساليبه فى الأداء من التخطيط والتقييم الذاتى والتأمل والتفكير.
فتحية لأمثال أحمد بسيونى المدرس المساعد فى كلية التربية الفنية الذى استشهد فى ساحة التحرير، وتحية للميسرات / المعلمات اللائى حافظن على قيم العدالة الاجتماعية، وكفلن حقوق الفقراء من خلال التعليم المجتمعى فى نجوع صعيد وريف مصر، وتحية لكل معلم رفض التكسب غير المشروع من خلال الدروس الخصوصية، وتحية لكل معلم التزم بالارتقاء بأدائه رغم كل الظروف الصعبة من طوارئ وفقر وقهر.
ولصناعة وتنمية «المعلم الملتزم» المتفكر والباحث فى أمور تحريره وتحرير مواطنيه من كل صنوف الإذلال والقهر والفساد، أدوات وآليات ومؤسسات داعمة، فلا يستطيع المعلم أن يلتزم ويتمكن من لعب دور ريادى فى التحول المجتمعى إلا إذا تحولت أوضاعه ومكانته من موظف مسلوب الإرادة إلى مهنى متمكن وواعٍ بالتغيير المنشود ولا تتحقق هذه الوضعية الا من خلال رزمة من السياسات والمؤسسات والبرامج التى تدفع بالارتقاء بمهنة المعلم من النواحى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية.
وتعتبر المؤسسات والنقابات والمنتديات الرامية لتمهين وتثقيف المعلمين من أهم الآليات للوصول الى الهدف، شرط أن تكون هذه الآليات بمختلف انواعها بمبادرة من المعلم وملكا له وليست بمبادارات فوقية بغرض السيطرة عليه.
ومشاركة المعلمين فى وضع الرؤى والسياسات الخاصة بهم وايضا الخاصة بالنسق التربوى هى كذلك من الأساليب المهمة لتمكينه من التحول الى معلم ملتزم ومشارك وأيضا قابل للمساءلة والمحاسبة.
وقد اختصرت تاريخيا أشكال المساءلة إلى تلك التى تأتى من قبل القيادات والمسئولين الرسميين، ولكن المطلوب الآن فى اطار التحولات المنشودة أن تأتى المساءلة من المتعلمين وذويهم من المجتمعات المحلية وأيضا من الأقران الممارسين لذات المهنة السامية.
كذلك جرت العادة عند الحديث عن تحفيز المعلمين الاختصار على الحوافز النقدية المباشرة، وإن كانت مهمة فهى ليست الوحيدة فى الارتقاء بالأداء ورفعة المهنة. فهناك العديد من الوسائل الأخرى لتحفيز مثل الامتيازات العينية من سكن ومواصلات وتأمين وكذلك الحوافز المعنوية من جوائز وتراخيص وشهادات، وكذلك فرص لمزاولة مهن مشروعة لصيقة بالتعليم مثل البحث العلمى والنشر والتدريب والارشاد، وصياغة المناهج والمشاركة فى وضع سبل التقييم التربوى والمؤتمرات والمحاضرات العامة والتبادل الثقافى والبعثات.
..وللحديث بقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.