الديمقراطية الآن هي الهدف التالي والمعركة الحقيقية لكل جموع الذين تحملوا برد الميدان وحماقات النظام طيلة الثمانية عشرة يوماً الماضية. الديمقراطية الآن هي المطلب بعد تحقق المطلب الأول وهو رحيل النظام. وأري أن الشباب أصحاب الثورة مطالبون الآن بالتفكير والتخطيط لمرحلة الوطن القادمة بدقة. الإشكالية الآن هي العلاقة المزدوجة بين التطوير والديمقراطية، هناك الكثير الذي يحتاج للتطوير كي نصل إلي الديمقراطية المنشودة، وهذا التطوير نفسه يحتاج للديمقراطية أن تكون مرساة كي يتم، العلاقة المزدوجة بين التطوير في نظم وقوانين ودستور البلاد وبين الديمقراطية سواء في إرسائها أو في وجودها وجوباً قبل التطوير (دراسات خليل العناني – مركز الدراسات الدولية) هي اشكالية سوف تقابل الشباب في المرحلة القادمة ولعل وجود الجيش كمرحلة من الحكم لا تستوجب فعالية الدستور الحالي ولا الكيانات السياسية السابقة علي تولي الجيش المسؤلية قد يتيح للثورة أن تصل لحل لهذه الإشكالية من خلال دعوة الجيش لتحديد جدولاً زمنياً (يسمونها حديثاً خارطة طريق!!!) واضحاً ومحدداً لتغيير الدستور المهلهل الحالي بدستور جديد يتم طرحه للاستفتاء وإجراء انتخابات نيابية تحت إشراف القضاء المصري الكامل، وبعدها يأتي تحديد موعد الانتخابات الرئاسية بنفس شروط الاشراف القضائي. ثم إذا تم هذا يذهب الجيش مشكوراً وتبقي الدولة المدنية التي تم انشائها. أما ما يثور من أسئلة عند بعض منا مثل "هل سيستطيع هذا الشعب الذي حرم من الرؤية الديمقراطية لمدة ثلاثون سنة أن يحسن الاختيار؟ فإني أري أن تحقق الديمقراطية بمفهومها الأولي الواضح المشتق من اليونانية القديمة " حكم الشعب" أو "سلطة الشعب" ومبادئها الأساسية وهي "الشعب مصدر السلطات" و "مبدأ تداول السلطة" و "مبدأ محاسبة الحاكم" و "التمثيل النيابي واحترام الأغلبية" وهي نفسها المبادئ التي ربما تضمن أن الشعب حتي لو أخطئ هذه المرة اختياراته فإنه يستطيع إصلاح الخطأ بصورة أسرع من الانتظار ثلاثين عاماً لتصحيح الخطأ بثورة أخري. إن الديمقراطية عند مؤسسي النظرية الأولي (أفلاطون، أرسطو وغيرهم- نظرية الحق الطبيعي) و تأتي من بعدها بقية النظريات (توماس هوبز – نظرية العقد الاجتماعي) ومروراً بدراسة (كرستيان توماسيس – القانون الطبيعي وتكوين الأمم) تأتي في المرحلة السابقة للتطور والتطوير بل وقد تأتي في مرحلة قبل تكون الأمة نفسها هذا إذا أردنا أن تكون أمتنا ديمقراطية، لذلك فإن إرساء أرضية تلك الديمقراطية من دستور مدروس بعناية غير متسرعة يكفل التساوي في الحقوق والواجبات لكل مواطن يحمل هوية وشعار هذا البلد الكريم، ومجالس نيابية تمثل مبدأ الشعب مصدر السلطات ومبدأ احترام رأي الأغلبية وإرساء قواعد الانتخاب الحر تحت إشراف هيئات نزيهة مثل القضاء المصري، والكثير من القواعد الأخري التي تضمن لهذا الشعب أن يشارك في حكم بلاده. كل هذا قد يعزز ضمانة أن تأتي الفترة القادمة بما هو أفضل للأمة المصرية، وأن يحكم مصر من نرتضي سلوكه وتصرفه في شؤن البلاد فإذا ما أساء لنا في مكانه ودعناه بأليات ديمقراطية مصونة بحكم الدستور وأتينا بغيره، نحاسب من يحكمنا بحكم دستور ليس يعلو فوقه فرد حتي لو كان الحاكم، وهنا تأتي ميزات أخري لفكرة أنه ليس أحدا فوق المحاسبة- تذكروا أن السمكة تفسد من رأسها- فإذا صلح الرأس يتعافي بقية الجسد تدريجياً. هذه الإجراءات الاستباقية لتطبيق الديمقراطية كانت لتكون من الصعوبة إذا كانت الثورة فقط أسقطت النظام دون بديل، فوجود الجيش علي رأس السلطة الآن يمنح مصر الوقت لتعطيل الدستور الحالي علي حالته المهلهلة التي وصل إليها بعد طول تمزيق وترقيع لمواده، ويعطي الفرصة لحل المجالس النيابية دون المساس بشرعية البلد حيث أن المجلس العسكري هو المكلف الآن بإدارة الشؤن، ويعطي الفرصة بعمل انتخابات جديدة في ناحية المجلس النيابي أو ناحية اختيار رئيساً للجمهورية، ومما يعطيني شعوراً بالارتياح قرار المجلس العسكري مشاركة رئيس المحكمة الدستورية العليا في إدارة الفترة الحالية. ما بقي الآن هو دعواتنا كلنا للسادة أعضاء المجلس العسكري لسرعة اتخاذ الاجراءات وتحديد جداول زمنية للبدء والله الموفق لكل مصر علي طريق إرساء قواعد الدولة الحديثة.