أقسم بالله العظيم أننى بكيت فرحا، وأنا أرى مصر الحقيقية تولد من جديد فى قلب ميدان التحرير ليلة أمس الأول الثلاثاء. من لم يعش هذه الساعات العظيمة أو يسير فى واحدة من المظاهرات الكثيرة، التى اجتاحت القاهرة الكبرى والمحافظات فقد فاته الشىء الكثير. قبل هذا اليوم كنت مثل كثيرين من الذين يعتقدون أن الشعب ربما يكون قد مات، وأن أفراده بدأوا يقفون فى طابور طويل من أجل الانتحار يأسا.. لكن ما رأيته وتأكدت منه. أن الشعب لم يمت، وأنه قرر أن يحرق خوفه بدلا من أن يحرق نفسه. الذين تظاهروا فى شوارع مصر، واعتصموا فى ميدان التحرير، لم يكونوا من الإخوان المسلمين أو أى حزب أو قوة، كما حاول بعض الكذابين والأفاقين والمنافقين أن يصور الأمر.. لم يكونوا قلة مندسة أو مشاغبة، أو فوضويين.. كانوا فى معظمهم جماعات من المصريين العاديين. الإخوان والناصريون والماركسيون كانوا موجودين، ويمكنك أن تعرفهم من ملامحهم أو طريقة كلامهم أو ملبسهم، لكنهم كانوا قلة.. الأكثرية كانت مواطنين عاديين.. وعندما حان وقت الصلاة، اصطفت مجموعة تقترب من 300 شخص، لكن كان هناك الآلاف الذين اندمجوا فى هتافات متنوعة، ومجموعات تغنى لفيروز أو لأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام وعبدالحليم حافظ. ومتظاهرون آخرون يتحدثون عن الفقر والبطالة وانتهاك الكرامة. الذى رأيته بعينى ولم يخبرنى به أحد من السابعة مساء وحتى الواحدة صباحا كان إعجازيا.. التزام كامل بالنظام عدم الاعتداء على أى محل بالميدان، عدم الاحتكاك كثيرا بالشرطة، بل عندما كان البعض يشذ عن القاعدة كان الهتاف المدوى هو: «سلمية.. سلمية». سمعت من السياسى الكبير أحمد بهاء الدين شعبان حكاية الشاب والضابط قرب المتحف المصرى، الضابط أمر سيارة إطفاء بإمطار المتظاهرين بخراطيم المياه المندفعة يفرقهم.. لكن شابا تمكن من القفز فوق السيارة وإغلاق محبس المياه، فى مشهد يذكر بالفنانة شادية وهى تفتح الهاويس فى «شىء من الخوف».. الضابط صعد فوق السيارة لمنعه واشتبك الاثنان، ثم وقعا معا من فوق السيارة العالية، شعبان قال لى: إنه لو لم ير هذا المشهد بعينه لظنه مشهدا فى أحد الأفلام الهندية. القصص كانت كثيرة، وكلها تؤكد أن معدن هذا الشعب عظيم، وأنه بشىء من العمل والتنظيم يمكنه أن ينجز الكثير. هذا الشعب قفز فوق أحزابه الكرتونية، ونخبته المتعجرفة. فى صوت واحد سمعت الآلاف يهتفون ويهدرون «الشعب يريد إسقاط النظام».. أتصور أن هذه الرسالة وصلت إلى من يهمه الأمر. الصديق عمرو الشوبكى قال لى أثناء المظاهرة إن الأوضاع فى مصر بعد يوم 25 يناير لن تكون مثل قبلها، والدكتور علاء الأسوانى كانت عيناه تلمع فرحا، وهو يقول لى إنه سعيد لأنه راهن على الشعب ونجح، وإبراهيم عيسى، تحلق حوله المئات.. المعجبين فزاد يقينه إن الدنيا ما تزال بخير. فى هذه الليلة كل مصر الحقيقية كانت هناك.. رأيت مئات الأصدقاء.. كانوا يبتسمون.. والكل يهنىء الآخر وكأنه فرحه الخاص. فى ميدان التحرير تقررت أمور كثيرة.. وعلى الحكومة أن تستوعب الرسالة، وعلى الحزب الوطنى أن يفهم أن كل ما حدث فى الانتخابات الأخيرة كنسته هتافات المتظاهرين. هناك حقائق كثيرة تتشكل الآن فى مصر.