قلنا وقالوا قواله بالهبل وتحدثوا وتحدثنا أحاديث بالزوف معظمها ساذج ولا يقدم ولا يؤخر، فالمصريون فى هذه الأيام لا يحتاجون إلى واعظ أو خطيب أو كلّيم بل ولا إلى مفكر ولا مُنظّر بضم الميم ولا ينتظرون من يسخّنهم فهم ساخنون جدا وعلى الآخر، يعنى عندما يقول أحدهم إن كرامة المصريين قد ضاعت فما يقوله ليس جديدًا أو اختراعًا، فكلهم يقولون ذلك وربما فى نفس واحد، وإذا قالوا إن الجزائريين أخذونا على خوانة فهذا صحيح ويعرفونه من أول لحظة، وإذا قالوا لنا إن الشباب على أحر من الجمر، فهذا حقيقى ونراه ونلمسه فى كل لحظة، وإذا كتبوا أن المصريين فى الجزائر فى خطر فهذا شىء موجود وعلى عينك يا تاجر، وإذا قالوا إن ما تم هو مؤامرة على مصر وشعبها، فهم يدركون كل ذلك. الوطنية لدى المصريين لا تحتاج إلى من يشعلها بعود كبريت أو حتى بصاروخ، فنحن الذين علمنا العالم معنى الوطنية، فقد عشنا وعاشت فينا طوال سنوات الاحتلال الطويلة فى تاريخ مصر. حضرات القراء.. لقد أصبح لنا متحدث لكل مواطن، الكل يدخل فى الزفة ومن الزحمة ليلفت الأنظار إليه وليثبت أنه الأكثر وطنية، المشكلة بل الكارثة أنه مع كل ما يدور فى مصر، لا أحد فى الخارج يشعر بنا، لا أحد يشعر بالمرارة ولا بالغضب أو الحزن الذى يعيش فيه المصريون. أغنية واحدة فقط أبرك من كل ما يقال، هى أغنية شادية يا حبيبتى يا مصر هى التى تهز أحاسيسنا ومشاعرنا وتلهب عواطفنا، أكثر من الفضائيين والكتيبة والمتحدثين. طيب بذمتك هل يؤثر فيك شخص يحاول أن يدغدغ عواطفك ويخرق طبلة أذنك وهو فى كامل أناقته ومسبّل عينيه وضارب الجِل على شعره بكسر الجيم. عزيزى أنت وأنا وهو وهى وهم ونحن محاصرون كما حوصر أبناؤنا فى السودان، من كثرة ما تسمع يخيل لك أن القيامة قد قامت، ثم تحاول أن تنظر إلى ما يجرى فى خارج مصر. وتسأل هل العالم يشعر بنا؟ هل العالم يقف على رجل واحدة من أجلنا؟ بلاش العالم الأجنبى، هل العالم العربى يشعر بما دار، هل هو سعيد أم حزين من أجل أبناء الشقيقة الكبرى أو علشان سواد عيون أم العرب؟ لا حس ولا خبر الكل يدير لنا ظهره وودن من طين وودن من عجين. كل العرب أصبحوا فجأة لا يسمعون أو يشاهدون، وبالتالى هم لا يتكلمون. طيب من فضلك شاور لى على مقالة واحدة أو حتى سطرين أو سطر واحد يطيب خاطر المصريين، أتحداك لو وجدت تلك الحروف عند عموم العرب. قد يكونون لا يسألون أو غير مهتمين بسبب أننا نتحدث كثيرًا مع أنفسنا وأنه ليس لنا منطق وأنه ليست لدينا دلائل، أو لأننا نكلم أنفسنا تمامًا كالشخص الذى يسرق فى المولد أو فى محطة مصر ولا يجد من يهتم به، فالكل يمضى فى حال سبيله. أو ربما لأن الذين يتكلمون غير صادقين ولا يتكلمون إلا لأن عملهم هو الكلام، أو هم يحبون التحدث إلى الكاميرا ومع الميكروفون أكثر من الحديث مع الناس. عزيزى القارئ.. طيب لماذا لم يفكروا حتى فى محادثة العرب أو الكلام معهم أو ضمهم إلى صفنا أو شرح عدالة قضيتنا، بصراحة حتى الآن لا أعلم لماذا، أشاهد كل ذلك وأترحم على أيام مذيع العرب الأوحد الرائع أحمد سعيد الذى لم تكن لديه الوسائل الإعلامية المتاحة الآن ومع ذلك كان يسيطر على آذان وعقول وقلوب العالم العربى، لم يكن يملك سوى ميكروفون الإذاعة الذى لا يقارن ببرامج التوك شو الآن أو البرامج السياسية التى لا حصر لها ولا الإنترنت الذى قرّب المسافات بين الشعوب، كان العرب يستمعون له كما كانوا يستمعون إلى أم كلثوم، ويا سلام عندما كان يقول «أمجاد يا عرب أمجاد» كان العرب ينتفضون ويشعرون أنهم يد وذراع واحدة. وأنا أتحدى أننا لو كنا تركنا للرجل مساحة إعلامية لكان قد جمع العرب مع المصريين فى قضية الجزائر. نحن لم نتحدث لا للدول العربية الصديقة ولا حتى غير الصديقة، حتى أشقاؤنا السودانيون لم ننجح فى ضمهم لصفنا قبل وربما بعد المباراة. حضرات القراء، بصراحة نحن أكبر فشلة فى إدارة أى ملف مهم، فشلنا فى الملف الرياضى لتنظيم كأس العالم، ولم نحصل على أى رقم، فشلنا فى الملف الثقافى ملف فاروق حسنى واليونسكو، فشلنا فى الوصول لنهائيات كأس العالم ثم فى إدارة الأزمة بعد المباراة. فعلاً منتهى السذاجة، فقد صدقنا أنها مباراة فى كرة القدم بين اتحاد الكرة واتحاد للكرة، وبين وزير للرياضة ووزير للرياضة ولم نشك فى لحظة أنها يمكن أن تكون بين اتحاد الكرة المصرية والدولة الجزائرية، حمّلنا اتحاد الكرة ووزير الرياضة أكثر مما يحتملان كما حملّنا السودان نفس هذا العبء. كان العمل فى الجزائر يدور على أنه معركة قومية وطنية الدور الرئيسى فيها للدولة، ونحن حسبناها معركة كروية يديرها حسن شحاتة. نحن تعودنا أن نعمل فى الساعة الرابعة والعشرين ومع ذلك كنا ننجح، أما فى هذه المباراة فنحن لم نعمل أصلاً لا فى الساعة الأولى من اليوم ولا فى الساعة الأخيرة ولا حتى فى اليوم التالى. ومن المضحكات المبكيات أن المسؤولين يستنجدون بالمواطنين ليرسلوا لهم أى وثيقة تساعد فى الملف المصرى، تصور المسؤولين ليس لديهم ملف، إذن أين الملف، ولست أدرى ماذا أخذ معه زاهر وأبوريده إلى سويسرا، ولا أدرى أيضًا ماذا قالا هناك؟ عزيزى القارئ.. قد تسألنى أنا مفروس ليه ومكتئب ولم أغادر منزلى ولا أرد على أحد وأحاول ألا أظهر على شاشة التليفزيون ولم أفعلها سوى مرة واحدة بعد ضغوط.. قد أقبل أن يُعتدى على مصرى، وارد فى عالم كرة القدم.. ولكن أن أرى علم بلادى يحرق ويُداس عليه بالسيارات أو يتبولون عليه فهذا ما لا أقبله. مشكلتى ربما أنا وجيلى أننا تعلمنا من الصغر قيمة العلم وحبه، تعلمناه من طابور العلم فى الصباح، نحن لم نحب عَلَم مصر من مباريات كرة القدم، الآن لا طابور للعلم، كان العَلَم يرفع فى مدرستى ببطء وننظر له باحترام وحب وحنان حتى يعلو ثم ننشد النشيد الوطنى، من فضلكم اسألوا أبناءكم، هل يتم ذلك فى المدارس الآن، هل هم كانوا قبل هذه المباراة يحبون العلم أكثر أم كرة القدم؟ وفعلاً رُبّ ضارة نافعة، فالمصريون والشباب على وجه الخصوص التفوا حول العلم بكل الحب والاحترام، إننى أقترح فى يوم 18 نوفمبر من كل عام أن يرفع المصريون العلم المصرى فوق منازلهم وفوق المصالح الحكومية والمحال التجارية وفى الأبراج العالية، وفى نفس اليوم يكون هناك طابور للعلم بحق فى جميع مدارس مصر فى نفس التوقيت، إن ذلك قد يكون رمزاً لوحدتنا وتوحدنا وإعلان حبنا لبلدنا «مصر». حضرات القراء.. الأمر الآخر الذى يشغلنى هو شباب مصر الذى توحد فى هذه الأزمة، هل نتركهم ينفلتون ويتفككون، اتصل بى كثير من الشباب يسألوننى ماذا بعد؟ اسمحوا لى أن أقدم مبادرة فكرت فيها أنا والفنان الكبير حسين فهمى، لبحث ماذا يمكن أن نفعله مع هؤلاء الشباب وكيف نضمن استمرارهم، وسنبدأ فى التحدث مع بعض المثقفيين والفنانين ورجال الأعمال والإعلام للتحدث عن الصيغة الملائمة لهذه الاستمرارية. كما طلب منى أنا والفنان حسين فهمى، كثير من الشباب الالتقاء للحديث عن قضية «أما بعد» أرجو لهذه المبادرة أن تتم ولا يفهمها أحد خطأ، فلا أنا ولا الفنان حسين فهمى نبحث عن شىء خاص. فقط نحب «مصر».. وعلم «مصر» وشباب «مصر». مشاعر ■ د. فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب.. لأول مرة أرى أن المجلس يوفد بعثة برلمانية لحضور مباراة فى كرة القدم.. وإذا كان ذلك صحيحاً فكان من الأحرى إرسال لجنة الشباب والرياضة برئاسة النائب سيد جوهر لا برئاسة النائب محمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة. ■ سمير زاهر، رئيس اتحاد كرة القدم.. أتفق معه بأن مباراة مصر والجزائر بالسودان كانت بين اتحاد الكرة المصرى ودولة الجزائر.. ما قاله صحيح تماماً خاصة أن الحكومة لم تقف معه. ■ تييرى هنرى لاعب المنتخب الفرنسى.. أثار أزمة بين أيرلندا وفرنسا فى المباراة الفاصلة بينهما فى نهائيات كأس العالم، العالم كله احترمه وتحدث عنه عندما أعلن اعتذاره عن لمسه للكرة باليد التى تسببت فى هدف فرنسا، أجمل ما فعله تعليقه يافطة كبيرة على مدخل نادى برشلونة يعتذر فيه عن هذا الخطأ.. العالم تحدث عن هنرى أكثر مما تحدث عن أحداث مصر والجزائر. ■ مجلس الشورى. النائب الذى ذبح خمسة عجول بمناسبة إعادة افتتاح المجلس.. تصرفه يُثير العجب والتساؤل.. ألم يكن من الأفضل تقديم هذه اللحوم لفقراء دائرته، ولماذا فعل ذلك؟ هل هو عربون لترشيحه لانتخابات مجلس الشورى العام المقبل. ■ سيدات برامج التوك شو.. لبنى قناة «الحياة» وريهام قناة «المحور»، نجحت لبنى بلا حدود فى برنامجها مع زميلها شريف خاصة عند تغيبه لبضع حلقات.. ريهام نجحت جداً ولكن فى حدود المساحة المقررة لها وفى حدود غول إعلامى يعمل معها هو معتز الدمرداش، د.راتب مطلوب إعطاؤها مساحة أكبر.. أما عن منى الشاذلى فهى حالة خاصة. ■ د. سمير فرج، رئيس المجلس الأعلى للأقصر.. نجاح بلا حدود وتطوير رائع ومستمر فقط أرجوك أعد النظر فى سور معبد الأقصر فهو لا يتناسب مع ما يتم. ■ إبراهيم حسن.. لك كل الاعتذار من الذين هاجموك بسبب مباراة المصرى مع الجزائر.. للأسف اتحاد الكرة جامل روراوه رئيس الاتحاد الجزائرى، على حسابك.. اتحاد شمال أفريقيا فى رأيى أنه كان فاشلاً منذ بدايته، وإنشاؤه كان مجاملة للجزائر التى لم تحترم هذا الموقف. بدون مشاعر الفنانون أبكونا تحت سفح الأهرامات بموقف أقوى من كل الكلمات من البداية كنت صامتًا صمتًا لا أعرف سببه، كان نفسى مكتومًا بطريقة لم أتعود عليها، كنت أقول كما يقول كل المصريين «اللهم اجعله خير».. كل ذلك قبل مباراة الجزائر فى مصر، أزعم أننى قلت لأسرتى ولأصدقائى.. لا مباراة مصر ولا المباراة التالية ستمر على خير. وقد حدث ما حدث، نعم حزنت على بلدى وعلى مصريتى وعلى أبناء وبنات بلدى وعلى علم بلدى. كان يؤلمنى أنه لا أحد يشعر بأن هناك شيئًا يدبر فى الخفاء. حسن الظن كان هو السيد، عدم التخوين كان هو المسيطر، الثقة فى الوصول لكأس العالم غطت على كل شىء. بالطبع كانت هناك أخطاء ولكن فى نظرى أكبر خطأ أننا لم نرسل مشجعى الكرة الحقيقيين، فلاعبو الكرة فى مصر لا يبدعون إلا على هتافات وتشجيع هؤلاء المصريين، وجودهم فى رأيىّ كان يمكن أن يقلب الأوضاع ففى وجودهم يشعر لاعبونا أنهم فى دارهم، آذانهم لم تتعود على هتافات جديدة طالعة بالعافية، تصوروا المعلب يحتله المصريون والسودانيون ونظروا ولم يجدوا ما ينتظرونه، ولهذا كنت أشعر أن هذا ليس هو أداء هذا الجيل من اللاعبين، كانوا أقل حماسًا وأكثر خوفًا ورهبة. لابد هنا أن نعترف أننا جميعًا عشنا أيامًا صعبة، الحزن دخل كل بيت، الأطفال الصغار الذين تعودوا حمل العلم والهتاف لمصر سقط منهم العلم إما بسبب الخوف أو الهزيمة. ولعل أجمل ما حدث فى الأيام السابقة هو أننا لأول مرة فى تاريخ كرة القدم المصرية لا نهاجم الجهاز الفنى أو اللاعبين، لم يستطع ملوك الكتابة الرياضية أن يمارسوا هوايتهم فى تقطيع الجهاز الفنى أو حسن شحاتة، مر حسن شحاتة من هذه المجزرة كما تمر الفتلة من الإبرة، والحمد لله بدلاً من رميه بالطماطم علقنا على صدره هو وزملائه الورود وهو أمر جديد لم نتعود عليه ونتمنى أن يستمر. وأيضًا فى وسط هذه الحماسة والسويقة الكلامية حدث شىء أنزل دموعى ومسح الألم من على صدرى، فلأول مرة نقدم شيئًا حضاريًا نكلم به العالم الخارجى، اتحدث عن الحفل الذى أقامه فنانو مصر وأتحدث عن حسن اختيار الموقع تحت الأهرامات وفى حضن أبوالهول.. أعترف أننى بكيت من كلمات الفنانين ومن احتضانهم علم مصر. شكرًا للجميع لحسين فهمى وعمر الشريف ومحمود يسن وليلى علوى ويسرا، للأسف هؤلاء من رأيتهم وتحياتى للفنانين الآخرين بكيت وأبكيت زوجتى وأحفادى الذين لم يعرفوا لماذا البكاء ما فعلوه وصل العالم كله، وكان أقوى من كل الكلمات، منكم لله أيها الجزائريون.