لم أكن أعرف حتى مساء الاثنين الماضى أن رجل الأعمال الكبير إبراهيم كامل خبير فى التكنولوجيا النووية. كنت أظنه مجرد تاجر شاطر فى الاستيراد والتصدير والحصول على القروض من البنوك إضافة إلى أنه عضو أمانة السياسات بالحزب الوطنى. لكننا فوجئنا به يتحدث باعتباره فالق الذرة، والفاهم الوحيد فى تفاصيل الغبار النووى. تحدث كامل لقناة الحياة وجزم بأن موقع الضبعة يصلح فقط للسياحة وليس لإقامة المحطات النووية، لأن الرياح فيها شمالية شرقية وإذا حدث تسرب فسوف تتعرض الدلتا لخسائر كبيرة. وعلى ذمة ما نشرته صحيفة الوفد فى طبعتها الثانية صباح الأربعاء الماضى بالصفحة الأولى فإن د.إبراهيم كامل قال إن «هناك مواقع أخرى بديلة لإقامة المحطات، ومن يقول غير ذلك مهرج ولا يفهم شيئا». وضاف كامل أن أرض الضبعة تساوى مائة مليار جنيه، وهذا المبلغ يزيد على تكاليف وإنتاجية المفاعل النووى. لا أعلم مبعث الثقة التى يتحدث بها د. كامل، ومبلغ علمى أنه ليس خبيرا فى الانشطار النووى، قد يكون فاهما فى كيفية الحصول على القروض وكيفية تسديدها، وتأسيس صناديق الاستثمار مع الكبار، كما كتب مفصلا هذا الأمر الزميل جمال عصام الدين فى جريدة العربى عدد 12 يوليو الماضى. الخبراء فى المجال النووى وطوال الشهور الماضية أكدوا أن الضبعة هى الأفضل، وقبل أيام تحدث د.إبراهيم العسيرى كبير المفتشين السابق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية والمستشار الفنى لهيئة المحطات النووية المصرية لجريدة المصرى اليوم.. وقال بوضوح إن عدم إقامة المحطات فى الضبعة هو جريمة متكاملة الأركان لأن المكان تم اختياره واختيار مكان بديل يكلف الدولة أكثر من 15 مليار جنيه لدراسة الموقع، والأخطر أنه يؤخر انطلاق المشروع لسنوات. ثم أنه بات ملعوما أن تقرير الاستشارى الدولى أكد أن الضبعة هى المكان الأنسب، وهو نفس رأى الاستشارى القديم فى منتصف الثمانينيات قبل أن يتوقف انطلاق المشروع. إذن لدينا المتخصصون والخبراء يقولون بوضوح إن الضبعة هى الأفضل، ولدينا د.إبراهيم كامل يجزم بأن من يقول ذلك لا يفهم شيئا، السؤال هو: كيف يمكن لنا حل هذا اللغز؟!. ليس هناك سبب منطقى يجعل د.كامل يضع نفسه فى تناقض تام مع الجميع.. سوى أنه يدافع عن مصالحه واستثماراته حتى لو كانت على حساب مصالح الوطن. فى نفس اللقاء التليفزيونى الذى نشرته الوفد تحدث إبراهيم كامل بيقين عن أن جمال مبارك سيكون هو مرشح الحزب الوطنى للرئاسة بنسبة 99٪، مضيفا أن جمال شخصية جادة ومحترمة ويعرف تفاصيل وعمق المشكلات التى تعانى منها البلاد وقادر على مواجهتها وأنه الأكثر مقدرة لتولى المنصب حال عدم ترشح الرئيس حسنى مبارك. لن أناقش أو أجادل الدكتور إبراهيم كامل فى رأيه فى جمال مبارك، فهو فى النهاية رأى يحق له أن يتبناه. لكن الملفت أن بعض المحيطين بالسيد جمال مبارك صاروا يجاهرون رويدا رويدا بمواقفهم التى يصدف للغرابة أنها تتصادم مع معظم الأمانى والآمال الشعبية مثل المحطة النووية. بالمنطق البسيط ومنطق رجال الأعمال كان يفترض أن د.كامل يؤيد إنشاء المحطات فى الضبعة باعتبارها أنه تم اختبارها ودراستها منذ سنوات، لكن فى مصر صار هناك كثير من القضايا المستعصية على الفهم. البعض تحدث عن وجود انقسام داخل أهل الحكم حول الضبعة وأن عمق نفوذ المعارضين لاختيار الضبعة هو الذى يؤجل الإعلان عنه حتى الآن. لكن أكثر ما يخشاه المرء ألا يكون الخلاف فقط حول مكان إنشاء المحطات، بل يتحول إلى خلاف واختلاف حول فكرة إنشاء المحطات النووية نفسها، وقد لا نفاجأ إذا ما خرج علينا أحدهم للقول إن إنشاء أى محطة نووية قد يؤثر على مزاج السائحين فيهربون وبالتالى فالأفضل أن ننسى تماما فكرة المحطات النووية، ولو كانت ضرورية جدا فوقتها يمكننا استيرادها من جارتنا إسرائيل. نتمنى من الدكتور إبراهيم كامل أن يتوقف عن الافتاء فى المسائل النووية، يمكن له أن يفتى فى مجال عمله الذى هو استيراد المكرونة والصابون والشامبوهات، يمكن له أن يتحدث مع صديقه الرئيس الأوغندى كى يكون موقف بلاده لينا فيما يتعلق بأزمة مياه النيل. مثل هذه الخدمة يمكن فعلا أن تفيد مصر، وعليه ألا ينتظر طلبا من أحد كى يتحرك للاتصال مع الرئيس الأوغندى. وإلا سنصدق أن أحدا آخر طلب منه أن يتحدث عن مزايا جمال مبارك ومساوئ الضبعة.