على بعد أمتار قليلة من مطعم النور الذي يمتلكه عبده حمادة، الرجل الذي أحرق نفسه أمام مجلس الشعب، تسكن أسرته البسيطة على الطريق الرئيسي بمنطقة الحرش بالقنطرة غرب بالإسماعيلية. المنزل ريفي مبني بالطوب اللبن، حالته المتواضعة من الداخل والخارج توحي ببساطة المعيشة فيه، فالباب الخشبي متهالك كثيرا بالقدر الذي يجعل أفراد يشعرون بالخوف، اللهم إلا إذا لم يكن هناك ما يخافون عليه، وأثاث المنزل لا يقل تواضعا: قطع خشبية بسيطة على أرضية طينية تتراكم عليها المياه، وعلى بعد أمتار يلعب سيد وأمنية ابنا عبده الصغيرين دون وعي منهما بحالة والدهما، وربما كانا أحد أسباب إقدامه على الانتحار. السيدة "صديقة عثمان"، زوجة عبده، 42 عاما، أمية لم تحصل على نصيبها من التعليم مثل زوجها، الذي ارتبطت به منذ أكثر من 20 عاما، تقول إنها لم تر منه خلالها أي تصرف غير طبيعي. الزوجة تؤكد أنها لم تعلم بدخول زوجها لمستشفى الأمراض العقلية من الأساس، ولم تشك ولو للحظة واحدة في أنه إنسان غير طبيعي، فحنانه على أبنائه، كما تقول، فاق الوصف. وطوال 20 عاما التي وصفتها الزوجة ب"عِشرة العمر" لم يخطئ في حقها على الإطلاق. تحكي الزوجة: خلال الفترة الأخيرة تأثر دخل زوجي كثيرا، لأسباب تراكمت جميعها في وقت واحد، "ويمكن ده كان سبب إنه ولع في نفسه، لكن هو إنسان يعرف ربنا كويس، وربى أولاده على حفظ القرآن، وكان مصمم إنهم يتعلموا زي كل الأولاد ويحققوا أحلامه". تكمل الزوجة: "المطعم على طريق رئيسي، وكل رواده من سواقين النقل والمقطورات، وبعد ما بدأ إضراب المقطورات تأثر الدخل جدا، وخاصة إن المطعم إيجار مش تمليك، وفيه عمال شغالين وعايزين يومية، والأولاد محتاجين مصاريف، ده غير علاج والدته وعلاجي الشهري من أدوية البهاق والسكر، إزاي يقدر يوفر كل ده مفيش أكتر من دخل المطعم عايشين عليه". تكمل الزوجة: "يعنى الغلبان بلاش يعيش؟ هو مطلبش أكتر من زيادة حصة العيش"، وتقسم أنها لاستهلاكهم في المنزل، وليس للمطعم كما ادعى المسؤولون، "فالأسرة 6 أفراد، وزوجي طلب 20 رغيفا بس، لكنهم رفضوا بحجة إنه بيستخدمهم في المطعم، مش ممكن مطعم كامل يشتغل ب20 رغيفا". "زوجي راح كتير لمجلس مدينة القنطرة، عشان يوافقوا له على زيادة حصة العيش"، تضيف الزوجة، حتى جاء اليوم السابق للحادث مساء، ولم يرجع الزوج للمنزل، "سألت متولي، ابني الكبير، هو بيشتغل مع والده جنب دراسته، فقال لي إنه خرج من المطعم وما يعرفش راح فين، انتظرنا لحد بالليل وما رجعش، لحد ما اتصل هو وقال إنه سافر القاهرة وهيبات هناك". كان الابن الكبير أول من عرف بمحاولة انتحار الأب من التليفزيون، أخفى الخبر عن أمه "خوفا عليها"، حتى جاءت قنوات فضائية إلى البيت للتسجيل مع الأسرة، حينها عرفت الزوجة بالخبر. الزوجة تقسم أن أيا من مسؤولي المدينة لم يتصل بها، وتقسم مجددا على أن زوجها لم يفتعل مشاكل مع مسؤولي التموين، وتصف ما قيل في هذا السياق بأنه "كذب". بعد غياب الزوج بيوم واحد لم تجد الزوجة ما تشتري به طلبات البيت، ف"استلفت 100 جنيه من جارتي"، تقولها "صديقة"، والنقاب الذي ترتديه لم ينجح في إخفاء دموعها، ثم تدعو لزوجها أن يعود لبيته وأولاده، وأن "يكفيه ربه شر النفس الأمارة بالسوء".