لا يكاد توجد مجموعة متجانسة ثقافيا من البشر تعانى هذا الكم من المشاكل المتراكمة والمتداخلة مثل منطقتنا العربية، ومع ذلك يسعى الكثير من مثقفيها لتجاهلها. مشاكلنا السياسية، على الأقل، لا يمكن إنكارها. فهناك بلدان دخلت بالفعل دائرة الدول الفاشلة أمنيا أو هى على حوافها وهو ما نجده بوضوح فى فلسطينالمحتلة (بحكم الاحتلال) ولبنان والصومال والعراق والسودان واليمن وجزر القمر. وهناك دول الاستقرار القبلى، أى هى الدول التى ارتبط استقرارها بسيطرة قبيلة أو أسرة حاكمة على شئون الحكم فى دولها مع التخوف الشديد من أى محاولات تحديث سياسى حقيقية وإلا ينهار كل البناء السياسى الهش وهو ما ينطبق على معظم الملكيات وأشباه الملكيات مثل ليبيا. وتبقى مصر وسوريا وتونس والجزائر مرتبطة بنظام الحزب الواحد من الناحية العملية. والحقيقة أن دارسى العلوم السياسية كانوا يفرقون بين نظم الحزب الواحد، حيث لا توجد أحزاب أخرى (مثل الصين وكوريا الشمالية) والحزب المسيطر الذى يختاره الناس ديمقراطيا رغما عن وجود منافسين مثل الهند واليابان منذ الخمسينيات حتى الثمانينيات. ولكن هذه الدول العربية الأربع يمكن تصنيفها على أنها دول الحزب الواحد المسيطر، مع ما لهذا الحزب الواحد من كل خطايا عدم التداول السلمى للسلطة والتأثير السلبى لغياب الرقابة والمحاسبة الفعالة. إن أى محاكمة عادلة للنخب العربية الحالية ستنتهى أغلب الظن بالإدانة بدرجات متفاوتة. هناك هشاشة حقيقية فى النظام العربى. وهناك تجاهل على نحو مرضى وبمنطق قبائلى متخلف، للتحديث السياسى الداخلى ولبناء آلية جادة للعمل العربى المشترك، سواء فى المجالات السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية. لقد أصبحت منطقتنا العربية مساحة فراغ مستباحة لدول الجوار والغرب، ومساحة استقطاب حادة داخل مجتمعاتنا لأسباب دينية أو عرقية. وهذا ما يجعلنا نسأل عن الخلفية الفكرية لحكام هذه المنطقة من العالم. الزكى النجيب محمود يجيب فى كتابه «عربى بين ثقافتين»: إننا قد عكسنا الترتيب الطبيعى بين الفكر السياسى من جهة وتطبيقه من جهة ثانية، فالطبيعى أن يفكر المفكرون ثم يجىء رجال السياسة فيتشربون الحصيلة الفكرية ليُجْروها فى قنوات الحياة العملية، لكن الذى يحدث على الأغلب فى حياتنا هو أن تسبق إدارة القائد السياسى فكر المفكرين، وسرعان ما يجعل هذا المفكر نفسه ظلا لما أراده السياسى. وهذه كارثة أن يعمل المثقف تابعا للسياسى الذى يحتاج أن يسمع ما يخالف رأيه ويصوبه وليس ما يجاريه ويزيّنه.