ازدادت فى الآونة الأخيرة الانتقادات الموجهة من الجمهور العلمانى إلى الجمهور الحريدى والمتدينين المتزمتين، وكان آخرها مطالبة الحريديم بتخفيض نسبة الولادات بينهم، إن هذه مطالبة خطأ وتؤدى إلى نتيجة عكسية، إذ لا نستطيع حل مشكلة الحريديم بأن نفرض عليهم تغيير نمط حياتهم. ثمة مشكلة لدى الجمهور الحريدى، فقد أشار تقرير بعنوان إسرائيل فى سنة 2028 نشر قبل عامين إلى أن تدنى نسبة العمل وسط الحريديم هى التى تمنع إسرائيل من أن تكون خلال عشرين عاما بين أول 15 دولة فى العالم، كما أشار التقرير الأخير عن الفقر، والصادر عن صندوق الضمان الوطنى إلى أن 56٪ من العائلات الحريدية هى عائلات فقيرة تنجب كثيرا من الأولاد الذين يكون مصيرهم الفقر أيضا. يعيش المجتمع الحريدى منذ أكثر من عشرة أعوام ثورة صامتة يعتمد حظوظ استمرارها واستقرارها على حسن ادخال التغييرات التى ينتظرها هذا الجمهور، فهذه الثورة لا تهدف إلى تغيير العادات وأنماط العيش فحسب، بل إلى ادخال تغيير جذرى على المبادئ التى وجهت حياة الجمهور الحريدى منذ نشوء الدولة أيضا. عندما نشأت دولة اسرائيل طلب زعماء الجمهور الحريدى من بن غوريون اعفاء تلامذة اليشيفوت المدارس الدينية من الخدمة العسكرية، حدث هذا فى سنة 1948 أى بعد ثلاثة اعوام على انتهاء الحرب العالمية الثانية، والمحرقة فقد ساد يومها الشعور بأن عالم اليهودية الحردية التى كان مركزها فى أوروبا الشرقية يوشك أن يزول بعد ان دمرت المحرقة معظم المقار الدينية التابعة للحاخامين وقضت على أتباعهم ولم يبق منها سوى ما كان موجودا فى اسرائيل وفى بعض المراكز الأخرى فى العالم مثل الولاياتالمتحدة وأوروبا. وكان التوجه الاساسى لزعماء الجهور الحريدى هو ضرورة التعبئة الكاملة لهذا الجمهور من اجل دراسة التوراة، فعلى الرجال كلهم دراسة التوراة فى المدارس الدينية، وعلى النساء تزويد هذه المدارس بتلامذة جدد. هذه التعبئة العامة هى التى أوجدت مجتمع الطلاب من الحريديم الذين يبلغ عددهم اليوم 60000 تلميذ متدين. إن دعم الدولة لهذا الجهد الانقاذى الذى تمثل فى اعفاء تلامذة اليشيفوت من الخدمة الالزامية فى الجيش وفى مختلف انواع الدعم الاخرى المقدمة الى اليشيفوت والى تلاميذها هو الذى سمح بالتعبئة العامة من أجل دراسة التوراة، ومنحها الشرعية طوال اعوام عديدة، وقد تطلب مرور اكثر من خمسة عقود للتخلص من صدمة المحرقة، إذ ارتفعت نسبة الجمهور الحريدى فى اسرائيل من 2٪ فى سنة 1948 إلى 9٪ من مجموع السكان فى سنة 2010 وأصبح اليوم 27٪ تقريبا من تلامذة الصف الاول الابتدائى فى القطاع اليهودى هم من أولاد الحريديم. يدرك زعماء الجمهور الحريدى أن عليهم تغيير توجهاتهم الاساسية لعدة أسباب: أولا: زوال الخطر الذى كان يتهدد الطائفة الحريدية، ثانيا: لأن ليس كل الرجال فى الطائفة الحريدية هم من أصحاب الكفاءات العالية. علينا أن نرحب بهذا التغيير الجذرى، والعمل على تشجيعه عبر تقديم الوسائل اللازمة وانتهاج السياسة الملائمة وتغيير المواقف من الجمهور الحريدى، أما الوسائل فهى تقديم أطر التأهيل والتثقيف والعمل والخدمة العسكرية فى الجيش وفى قطاع الخدمات المدنية الوطنية