مع استمرار وزارة الأوقاف فى مراحل مشروع توحيد الأذان يواجه المؤذنون الرسميون والمتطوعون تغيرات تمس مهنتهم وأسلوب حياتهم ومكانتهم المرتبطة بمهمتهم المحببة إليهم. مع غروب الشمس، يسير الشيخ عثمان الحصرى بخطى سريعة إلى المسجد الصغير الذى يبعد خطوات قليلة عن منزله المكون من طابق واحد. يوزع تحياته بين سكان منطقة بنى يوسف بالمريوطية، الذين يحظى باحترام وهيبة شديدين بينهم. عندما يتقرب الشيخ عثمان خادم ومؤذن جامع «الحمد» من بابه، يضع يده فى جيب جلبابه الأبيض ويخرج مفتاح باب المسجد. «هذا المفتاح ينور لى بيتى، افتح به بيت الله للمصلين» يقولها الشيخ وهو يقبض بحميمية على المفتاح. يضيف وقد اتسعت عيناه: «أنا ربنا شرفنى بالأذان، المؤذنون هم أعلى الناس أعناقا يوم القيامة، ولهم أجر وثواب كبيران فى الآخرة». يمسك بالميكروفون وقد اكتست ملامح وجهه الطيبة بملامح شديدة الجدية، حنجرته تبدأ فى الاهتزاز بقوة وهو يردد «الله أكبر... الله أكبر». فى أية لحظة لن يصبح فى استطاعة الشيخ عثمان الحصرى مؤذن مسجد الحمد بالمريوطية أن يمسك بالميكروفون ويؤذن للصلاة. يجلس الشيخ فى انتظار رجال ترسلهم الوزارة لتركيب أجهزة الاستقبال الإلكترونية، ليتقلص بذلك دوره إلى مجرد الضغط على الزر لاستقبال أذان مركزى يبث إليه. «أخبرونا بموضوع توحيد الأذان، سوف يضعون جهاز ريسيفر فى المسجد، وأنا مهمتى أفتح الميكروفون من زر فقط» ويضيف: «نحن لا نملك مناقشة أولى الأمر فى قراراتهم وقتما يأتى الجهاز سيسرى الأمر، ولا حرمنا الله من أجرنا». قبل عدة أسابيع أعلنت وزارة الأوقاف تنفيذ مشروع الأذان الموحد بالقاهرة بداية من شهر رمضان أولا فى أحياء الهرم ومصر الجديدة ومدينة نصر حتى يتم تغطية جميع أنحاء القاهرة ثم بعد ذلك سيتم توحيده بمحافظة الإسكندرية. يقوم النظام الذى ظل محل الدراسة لثلاث سنوات على بث أذان يتلوه شيخ اختارته وزارة الأوقاف من استوديوهات إذاعة القاهرة الكبرى بماسبيرو إلى أجهزة استقبال فى المساجد، وعندما يبدأ الأذان سيقوم خادم المسجد بالضغط على زر يفتح جميع مكبرات الصوت بالمساجد ويسمع الأذان من فوق المآذن. وهو ما رأته الوزارة العلاج الوحيد لعدم انضباط المؤذنين بمواعيد الأذان فضلا عن أصحاب الأصوات «غير الجيدة». صوت الشيخ عثمان ليس جميلا. ليس مثل أصوات كبار مؤذنى الإذاعة والتليفزيون، ولا يبدو أنه درس ما يؤهله لضبط مخارج الألفاظ، يظهر ذلك من نطقه لحرفى القاف والكاف. لكنه عندما يمسك بمكبر الصوت تمتلئ وجنتاه بالدماء حماسا وقد أغمض عينيه: «ربنا بيقول لما المؤذن يؤذن يستغفر له الحجر والشجر، ده شرف شرفنى بيه ربنا. لا أستطيع النوم طول الليل من الشعور بالمسئولية والقلق من أن تفوتنى صلاة الفجر. لكن قلقى له طعم.. أن أكون مسئولا عن فتح بيت ربنا، هذا غير الثواب والأجر عند الله» بالإضافة للأجر والثواب، يربط الشيخ عثمان بالمسجد أيضا ما يلقاه من حب واحترام أهل المنطقة، وهو ما لن يجده فى عمل آخر. ترك عثمان الحصرى مسقط رأسه بإحدى قرى المنصورة حيث يعمل والده محمود الحصرى صانعا للحصير، عمل لفترة فى البناء فى مدينة المنصورة إلى أن ضاقت به الأحوال فأتى إلى القاهرة منتصف السبعينيات بحثا عن فرصة أفضل. تزوج وأقام فى نزلة السمان وهو فى العشرين من عمره: «فى سنة 2000 جئت ضمن عمال البناء لتشييد هذا المسجد ولما انتهينا بحمد لله، كان بالمنطقة أرض فضاء قريبة من الجامع فبنيت فيها بيتى الذى أسكن فيه الآن وبدأت خدمة المسجد تطوعا، وبعد فترة وجدت نفسى مسئولا عنه، وطلب منى الأهالى تولى الأذان، ثم وجدت نفسى أتفرغ تماما للمسجد» يقولها الشيخ المعين من قبل وزارة الأوقاف التى ضمت المسجد ليصبح راتبه 235 بالإضافة إلى 100 جنيه حوافز. العائد المادى الضعيف يعوضه عند الشيخ عثمان، عائد معنوى يظهر أثناء حديثه، خدمته للمسجد وتوليه الأذان جعلوه فى مكانة اجتماعية مميزة فى الحى الفقير: «يأتى إلى السكان طلبا للمشورة أحيانا وبعضهم يطلبون منى أن أسمح لهم بالأذان بدلا منى وأسمح لهم بذلك من وقت لاخر». هكذا يصبح الإمساك بالميكروفون وترديد الأذان ليسمعه الجميع بالنسبة لسكان بنى يوسف ميزة اجتماعية يفكر الشيخ عثمان كيف سيعوضها مجرد الضغط على زر فى جهاز!.