بعد يومين من اشتبكات دموية غير مسبوقة منذ أربع سنوات، وبعد يوم شهد استنفارا عسكريا لبنانيا وتعزيزات إسرائيلية على الحدود المشتركة، ساد هذه الحدود أمس «هدوء حذر»، مع تعهد الطرفين لقوات حفظ السلام الدولية العاملة فى الجنوب اللبنانى بعدم تكرار اشتباكات بلدة «العديسة» اللبنانية، والتى أودت بحياة ثلاثة جنود وصحفى لبنانى، مقابل مقتل ضابط إسرائيلى. فقد أعلنت قوات «اليونيفيل» أن الجانبين الإسرائيلى واللبنانى تعهدا مجددا بالتعاون معها لضمان عدم تكرار حوادث مماثلة لما شهدته المنطقة الحدودية من تبادل لإطلاق النار الثلاثاء الماضى. وذكرت الإذاعة الإسرائيلية فى موقعها على الإنترنت أن هذا الإعلان جاء فى بيان أصدرته «اليونيفيل» فى ختام لقاء ثلاثى عقد فى مقر قيادتها ببلدة الناقورة الحدودية الليلة قبل الماضية، بحضور ضباط رفيعى المستوى من الجيشين الإسرائيلى واللبنانى. ودعت القوات الدولية الجانبين إلى التحلى بأقصى درجات ضبط النفس، وتجنب أى أنشطة من شأنها زيادة التوتر فى المنطقة، مشددة على أهمية احترام الخط الأزرق الفاصل بين إسرائيل ولبنان بشكل كامل من قبل جميع الأطراف، والامتناع عن القيام بأى خطوات على امتداد هذا الخط قد تفسر على أنها خطوات استفزازية. وشددت «اليونيفيل» على أنها تواصل التحقيق فى ملابسات الاشتباكات التى وقعت فى بلدة «العديسة» الحدودية، وأنها ستقدم نتائجه للجانبين لدى استكماله. ووفقا لموقع «لبنان الآن» على الإنترنت فإن القوات الإسرائيلية نفذت صباح أمس مناورة بالذخيرة الحية داخل مزارع شبعا المحتلة استخدمت خلالها الأسلحة الرشاشة والمدفعية التى سمعت أصداؤها حتى بلدتى حاصبيا ومرجعيون. وأوضح مندوب الموقع فى الجنوب أن المناورة تركزت قرب المواقع الإسرائيلية فى رويسات العلم والسماقة، حيث توجد أودية شاسعة باتجاه مرتفاعات الجولان السورية المحتلة. وقد تزامن ذلك مع تحليق مروحى للطائرات الإسرائيلية فوق مواقع الاحتلال فى المزارع. معلقا على الأوضاع على الحدود أمس، قال العميد متقاعد بالجيش اللبنانى وليد سكرية ل«الشروق» عبر الهاتف من بيروت: «أعتقد أن ما حدث فى العديسة انتهى عند هذا الحد، ويسود الحدود حاليا هدوء حذر». ورجح سكرية «ألا تقدم إسرائيل على أى عمل عسكرى، فالحرب ليست مصلحة إسرائيلية حاليا، لكونها ستصب فى صالح التوافق بين الفرقاء السياسيين اللبنانيين خلف الجيش، بما يقلل من الآثار المتوقعة لقرار المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة (رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق) الحريرى»، مشيرا إلى ما نشرته وسائل إعلام إسرائيلية عن أن المحكمة ستحمل مسئولية الاغتيال لقيادى فى حزب الله. وبالرغم من عدم انتهاء قوات «اليونيفيل» بعد من إجراء التحقيق فى اشتباكات الثلاثاء، رأى فيليب كراولى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن «إطلاق القوات المسلحة اللبنانية النار كان غير مبرر إطلاقا». وأشار كراولى إلى أن الأممالمتحدة أكدت أن الأشجار التى قطعتها إسرائيل، وكانت السبب فى الاشتباكات الدامية، كانت على الجانب الإسرائيلى من الحدود. وبدوره، يؤكد لبنان أن هذه الأشجار تقع داخل حدوده. ومضى قائلا: «لنا مصالح على جانبى الحدود، ونحن ملتزمون بأمن إسرائيل، لكننا أيضا ملتزمون بالسيادة اللبنانية، وهذه المصالح ليست متناقضة»، مضيفا أن بلاده فى انتظار تقرير الأممالمتحدة الكامل حول الحادث. وهو التصريح الذى اعتبره الخبير العسكرى اللبنانى «طبيعيا»، فحتى «لو قصفت إسرائيل لندن، فستقول الولاياتالمتحدة إن الحق مع تل أبيب، لما بينهما من تحالف وثيق»، على حد قوله. وكان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشئون عمليات حفظ السلام الآن لوروا قد أوضح مساء أمس الأول أن الجانبين الإسرائيلى واللبنانى وافقا منذ مدة على وضع عملية ترسيم الحدود بين البلدين ضمن صلاحيات الأممالمتحدة. ورد لوروا بذلك على اعتراض لبنان على ترسيم الحدود فى المنطقة التى كانت مسرحا لتبادل إطلاق النار. وقد رسمت قوات الأممالمتحدة الخط الأزرق بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلى من جنوب لبنان فى مايو 2000، بعد 22 سنة من الاحتلال، وبات بمثابة حدود مؤقتة. وبحسب العميد سكرية فإنه «عند ترسيم الخط الأزرق اعتبرت الأممالمتحدة أن هذه المنطقة (التى حدثت فيها اشتباكات الثلاثاء) تقع داخل إسرائيل، وهو ما رفضه لبنان، مؤكدا على أنها تقع داخل أراضيه، ومن هنا كان إعلان اليونيفيل أن الشجرة التى حاولت رافعة إسرائيلية اقتلاعها الثلاثاء تقع داخل إسرائيل، وهو ما رفضه لبنان، قائلا إن الشجرة موجودة داخل أراضيه».