يبدو أن حركة المستوطنين فى المناطق (المحتلة) آخذة فى التحول بالتدريج إلى مجموعة ضغط سياسية اقتصادية تسعى لتعزيز قوتها السياسية كى تحصل على مزيد من الأموال والأراضى من الدولة الإسرائيلية. ويمكن القول إنه فى الوقت الحالى لا توجد فوارق كبيرة بين مطالب «مجلس مستوطنات يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة» والمقربين منه فى الكنيست، فيما يخص البناء (فى المستوطنات) ومخصصات الدعم والتعويض الحكومية، وبين مطالب حركة شاس (الدينية المتشددة) فيما يتعلق بالمخصصات الاجتماعية الحكومية. فى المقابل، فإن الخطاب الاقتصادى بات مسيطرا بصورة كبيرة على خطاب المستوطنين، إلى درجة أن عمليات الانتقام التى يقومون بارتكابها إزاء الفلسطينيين فى الآونة الأخيرة يطلقون عليها اسم «جباية الثمن». وفى رأيى، فإن ما يحدث (لدى حركة المستوطنين) هو تطور حتمى شبيه بما يطرأ على حركة ومنظمات تصبح ذات موارد ونفوذ سياسى، وتقوم، فى مرحلة معينة، بالانفصال عن أفكارها الأيديولوجية. ومن المعروف أن حركة الاستيطان الإسرائيلية «فى المناطق المحتلة) بدأت من خلال أنشطة ميدانية متشعبة، ومن خلال قراءة مؤلفات الحاخام كوك (زعيم التيار الصهيونى الدينى المتشدد)، لكنها أصبحت تعمل الآن من خلال مجموعات ضغط ومكاتب دعاية، شأنها شأن الشركات التجارية الكبرى. بكلمات أخرى، فإن المستوطنين حظوا فى حينه باحتكار حكومى لتطوير أراضى الضفة الغربية، وهم يعملون فى الوقت الحالى على تعزيز هذا الاحتكار تحت غطاء «تطبيق الصهيونية» و«الكفاح من أجل أرض إسرائيل». إن ما يقف وراء الحملة الكبيرة التى يقوم بها «مجلس مستوطنات يهودا والسامرة الضفة الغربية وغزة» الرامية إلى استئناف أعمال البناء فى المستوطنات بعد انتهاء مفعول القرار الحكومى القاضى بتجميد أعمال البناء هذه فى 26 سبتمبر المقبل هو مصالح اقتصادية واسعة النطاق تتعلق بأطراف كثيرة، مثل مقاولى بناء، ومهندسين، وشركات حراسة، ومكاتب عقارات، ومحامين، وتجار أثاث، ومقاولى نقليات وغيرهم، وهؤلاء كلهم سيجنون أرباحا كبيرة جراء وقف القرار القاضى بتجميد أعمال البناء.