«سلام، وحشتنى، إزيك، إنتى كويسة؟». أربع كلمات يقولها أبيب نيجاسى لزوجته بالعربية لأول مرة، عندما يعود لإثيوبيا بعد أيام، لكنها ليست كل حصيلته من العربى الذى تعلمه فى مصر على مدار عام كامل من الدراسة فى كلية الهندسة بجامعة القاهرة. من عواصم إثيوبيا ورواندا وبوروندى والسودان، انتدبت وزارات الرى أبيب وايمانيول ومارك وتوماس، للدراسة فى مصر والمشاركة فى منحة دبلوم الموارد المائية السنوى، بمبادرة صندوق التعاون الفنى مع إفريقيا بوزارة الخارجية كل عام، لدراسة برنامج متكامل عن طبيعة حوض النهر النيل فنيًا وجغرافيًا وتاريخيًا وسياسيًا. البرنامج يسعى لدعم التواصل بين مسئولى المياه بدول الحوض العشر، كنوع من التهدئة ونشر الرسائل المصرية الإيجابية، حسب المسئولين المصريين. بعد انتهاء مراسم التكريم التى نظمتها كلية الهندسة لتخريج هذه الدفعة، خرج الطلاب الأربعة فى جولة تاريخية لحى الحسين والأزهر، بعد أن انتهى العام دون أن يذهبوا إلى أى منطقة أثرية سوى رحلة علمية إلى السد العالى بأسوان. يتوقف أبيب الإثيوبى أمام أحد الأبواب الخشبية العملاقة فى ضريح السلطان برقوق، وتزيد دهشته عندما يشير أيمانويل إلى لوحه جدارية مكتوب عليها تاريخ بناء الضريح فى القرن 14. يتذكر أبيب أن السلطان برقوق هو ملك مصر والذى كانت له جولات تفاوضية مع داود بن سيف أرعد، ملك الحبشة وقتها حول مياه النيل. «كان تدفق البضائع المصرية لإثيوبيا رهن تدفق مياه النيل من إثيوبيا إلى مصر، ورغم هذه العلاقات بين الملكين إلا أننا لا نمتلك قصراً عملاقاً مثل هذا فى إثيوبيا». يتأمل الأربعة التفاصيل المعمارية والآيات القرآنية المكتوبة بالخط السلطانى على جدران مسجد السلطان قلاوون. أبيب يطلب مساعدة توماس لقراءة الآيات القرآنية على الحائط، ويرفض توماس «هذه المخطوطات بالغة التعقيد.. وأعتقد أن العرب أنفسهم لا يستطيعون قراءتها». مارك، الطالب البوروندى، أثناء الجولة، كان مهتما بتصوير كل تفاصيل المنطقة. «سأحمل الذكريات المصرية فى الصور، لذلك أريد الحصول على أكثر من ألف صورة على الأقل». من 3 ساعات من التجول بين مساجد حى الحسين والدرب الأصفر وشارع المعز، تنتهى بهم أمام محل عصير القصب. يضحك أبيب من حالة الإرهاق التى وصلوا إليها. «يظن الجميع أن أفريقيا الحرارة قارة حارة، لكنها ليست كمصر. بعد عام من الإقامة فى مصر لم أشاهد المطر سوى 3 مرات فقط». الفقرة التالية كانت حفل التنورة بوكالة السلطان الغورى، وخلال ساعة ونصف كاملة، كان مارك يكرر سؤاله المندهش: «هل هناك حبوب مصرية لمنع الدوار». يستعد الأربعة بحقائبهم لرحلة العودة، والرحيل عن القاهرة، التى علمتهم أهم دروس العمر، وهو أن النيل نهر واحد، يعيش عليه شعب واحد، والمياه للجميع»، كما قالها أبيب.