ذهب نتنياهو للقاء أوباما معتقدا أن الوقت يقف إلى جانبه. لكنه مخطئ، فالوقت يمر بسرعة. ذكر الإعلان السابق على اللقاء أن اجتماعا سوف يُعقد، لا أكثر، وأن أيا من باراك أوباما وبنيامين نتنياهو لن يطرحا مبادرة كبرى فيما يخص الشرق الأوسط. بل إنهما سوف يجلسان معا، ويتحدثان بمودة، ويتخذان أوضاع التصوير. ويعتبر ذلك تطورا مهما، خاصة بالنظر إلى ما حدث قبل شهرين، حينما ترك أوباما الغاضب بيبى منتظرا لساعات فى الجناح الغربى فى البيت الأبيض، ثم أنهى المقابلة بعد وقت قصير، دون القيام بأشياء على غرار التقاط صور للذكرى. واقتصرت القمة على الأحضان الدافئة وإظهار المودة. وتحدث أوباما عن «الرابطة الخاصة» بين الدولتين، بالرغم من «المناقشات الحادة»، التى قد تحدث بينهما من وقت إلى آخر. وأومأ بيبى موافقا، وأضاف أن «الأسر» المترابطة قد تواجه خلافات مثل هذه. وكانت الأنباء حول أى توترات بينهما عارية عن الصحة، بدليل دعوة بيبى لأوباما لزيارة إسرائيل. وقد اصطحب ميتشل سارة نتنياهو فى جولة داخل البيت الأبيض. وظل الصحفيون منتظرين نهاية الغداء الذى جمع بيبى وأوباما، واستغرق وقتا طويلا، وهو ما يثبت بالقطع أن الرجلين لم يشبع أحدهما من الآخر. ونتيجة لكل ذلك، لم يبتعد الإعلان السابق على اللقاء كثيرا عن الحقيقة. فلا شك أن الرئيس الأمريكى لم يكن فى حاجة إلى الإسراع فى إثارة الاضطرابات. ذلك أنه لم يتبق سوى أربعة أشهر على إجراء انتخابات التجديد النصفى، وهى الانتخابات التى تواجه خطر تَحَول مسألة دعم إسرائيل إلى قضية ذات شأن، على الأقل فى عدد من الولايات، التى قد تؤثر أصوات اليهود فى نتائجها. وخلال العديد من النقاشات بين مرشحى الكونجرس، أثار مرشحون جمهوريون مشكلات حول الحزم، الذى تبديه الإدارة الأمريكية مؤخرا تجاه إسرائيل. واتهم أحد المرشحين أوباما بترهيب الدولة اليهودية، بينما اعتبر آخرون أن الإدارة الديمقراطية تعمل على قطع الصلات التاريخية التى تربط البلدين. ومن ثم، لا يوجد ما يثير الدهشة فى تودد أوباما إلى بيبى، على الأقل حتى موعد الانتخابات فى الثانى من نوفمبر. وبالرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلى لن يخوض انتخابات قريبا، فإنه يسعده السير وفقا لإستراتيجية ترتكز إلى التوقف والتأجيل. ذلك أن نتنياهو يفضل عدم الفعل على الفعل، لأن مجرد المطالبة بتنازلات مراوغة بشأن تمديد فترة القرار الخاص بتعليق بناء المستوطنات فى الضفة الغربية قد يهدد الائتلاف الحكومى الهش الذى يترأسه، ويدفع الصقور من أحزاب اليمين المتطرف إلى الخروج منه. وما دام الأمريكيون لا يطالبون بيبى بأى شىء، فسوف يكون بوسعه البقاء مستريحا على كرسى الحكم. كما يوجد تفسير أهم لولع رئيس الوزراء الإسرائيلى بالثبات والجمود، وهو أن الفرضية العملية، التى يتبناها هو والائتلاف القومى اليمينى الذى يتزعمه تعتبر أن الوقت فى مصلحة إسرائيل. وهذا الاعتقاد عميق الجذور، ويستمد مقوماته من تاريخ الصهيونية الممتد عبر قرن من الزمن. فقد وسع المستوطنون الأوائل فى فلسطين حدود الممكن، وثبتوا وجودهم فى أماكن كانت فى البداية تُعتبر طموحا مجنونا، تاركين الوقت كى يكافئهم على جرأتهم. فقد قبل اليهود قرار التقسيم لعام 1947 الذى منحهم 56% من أراضى فلسطين، فقط كى يزيدوا نصيبهم إلى 78% فى نهاية حرب 1948 1949. وقد أتى الانخراط فى لعبة طويلة الأجل بثماره فى الماضى. وربما يفترض الإسرائيليون أن هذا النهج سوف ينجح ثانية. وبوسعك أن ترى لماذا ينجذب بيبى نحو هذا الطريقة فى التفكير. فكل يوم يمر يعزز من الوجود الإسرائيلى فى الضفة الغربية. ولابد أن تأخذ فى اعتبارك أنه لم يكن هناك مستوطنون يهود عام 1967، وأن عددهم بلغ 120 ألفا فى عام 1994 وارتفع إلى 300 ألف فى الوقت الراهن. وتعطى هذه الأرقام فى حد ذاتها، التى تستثنى القدسالشرقية قوة للدعوة إلى الانخراط فى لعبة طويلة الأجل، وترك الوقت يغير الوقائع على الأرض، إلى الحد الذى يصبح معه من المستحيل العودة إلى الوضع السابق. وعلاوة على ذلك، ما الذى يدعو إلى العجلة؟ فالاقتصاد الإسرائيلى يعمل بطريقة جيدة متحديا التوجهات العالمية، حيث تعج مقاهى الشواطئ بالزوار، بينما تتجه إسرائيل لأن تصبح مقرا ساخنا لسياحة المثليين جنسيا. لماذا إذن المخاطرة بالتغيير ما دام يمكن احتمال الوضع الراهن. غير أن الفرضية الكامنة فى هذا الطرح مخطئة بلا شك، لأنه على عكس ما ترى، ينفد الوقت بسرعة. فعلى حد قول أحد كتاب الأعمدة فى صحيفة هاآرتس، تندفع إسرائيل نحو منحدر الدولة المنبوذة. فقد كشف حادث الأسطول المتوجه إلى غزة هذه الحقيقة بوضوح، حيث وجدت إسرائيل نفسها فى عزلة دبلوماسية، وتعرضت للتوبيخ بواسطة أولئك، الذين كانت تعتمد عليهم كأصدقاء. وظلت الولاياتالمتحدة دائما فى مقدمة هؤلاء. فمنذ زمن طويل، كان بوسع إسرائيل الاعتماد على الدعم القوى من جانب واشنطن، التى رأت أنه تجدر مساندة دولة مخلصة نصف مستقلة، تقع فى منطقة فى أفضل الأحوال لا يمكن الاعتماد عليها، وفى أسوأها تعتبر عدوا. لكن هذه الحسبة قد اهتزت. لاحظ أن 54 من رجال الكونجرس أصدروا بيانا يُعنف إسرائيل على ما قامت به مع السفينة. ولاحظ ورقة أنطونى كوردسمان، أحد أعمدة السياسة الخارجية الأمريكية، التى تساءلت عما إذا كانت إسرائيل قد باتت «خصما استراتيجيا». ولاحظ أيضا تعليقات ديفيد بتريوس، الذى أصبح قائد قوات الناتو فى أفغانستان، التى حذرت من أن العناد الإسرائيلى يؤثر سلبا على المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط. ويضيف ذلك إلى المزاج العام، الذى يجعل أوباما قادرا على تحمل نتيجة اتخاذ موقف حاسم مع نتنياهو، لأنه يعلم أنه لا يقف فى ذلك وحده. ويعتبر التيار الرئيسى من يهود الشتات خاصة المقيمين فى الولاياتالمتحدة المصدر الثانى للدعم القوى الذى تتلقاه إسرائيل. وخلال عقود، لم تردد الأصوات الرسمية لليهود الأمريكيين سوى كلمات الوحدة والمساندة، بينما ظلت الانتقادات هامشية. لكن هذا الوضع يتغير الآن أيضا. ويتمثل التعبير المؤسسى عن هؤلاء فى المنظمة اليهودية الأمريكية جى ستريت، التى استطاعت فى غضون ثلاث سنوات الحصول على مساندة 100 ألف شخص لطرحها البديل عن ذلك، الذى تتبناه لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية التى تتسم بالدوجمائية، وتساند المواقف الإسرائيلية صحيحة كانت أم خاطئة. وفى مقال ظهر مؤخرا فى نيويورك ريفيو أوف بوكس، انتقد بيتر بينارت بعنف قادة اليهود الأمريكيين، بسبب عجزهم عن إدانة الانحراف اليمينى الأكبر من نوعه من جانب السياسة الإسرائيلية. بالطبع ليس هناك جديد فيما يخص وجود معارضين يهود لإسرائيل، حيث إن عمر هؤلاء يزيد على عمر تلك الدولة نفسها. لكن ما يعطى هذه التدخلات معنى مختلفا هو أنها جاءت هذه المرة من أصدقاء إسرائيل المخلصين. وترفع جى ستريت شعار «مع إسرائيل، مع السلام». وعمل بينارت فى الماضى محررا فى مجلة نيو ريببليك الموالية للصهيونية بقوة. كما توجد أصداء لهذه الحالة خارج الولاياتالمتحدة. ففى أوروبا، أستطاع التماس على الإنترنت حَمَلَ عنوان «دعوة جى»، جذب توقيعات عدد ممن كرسوا أنفسهم فى الماضى للدفاع علنا عن إسرائيل، ومن بين هؤلاء المفكران الفرنسيان اللامعان بيرنار أونرى ليفى وألان فينكلكروت. بل إن رئيس أكبر جمعية خيرية موالية لإسرائيل فى بريطانيا شدد الشهر الماضى على حق يهود الشتات فى التعبير علنا عن مواقفهم، وأبدى أسفه إزاء افتقاد الحكومة الإسرائيلية لاستراتيجية للسلام. وسوف يؤدى هذا التحول إلى القضاء على أى شعور بالرضا عن الذات من جانب إسرائيل، لأنه ينبع من عمق التيار السائد الموالى للصهيونية. ولا يمكن رفض هذه الكلمات بالقول إنها تأتى من الأعداء اللدودين لإسرائيل أو اليهود، لأنه من الواضح أنها ليست كذلك. كما لا يمكن تجاهل هذه العبارات. فقد بدأ مقال بينارت بالإشارة إلى ما أظهره أحد المسوح حول شعور الاغتراب والبعد عن إسرائيل لدى شباب اليهود الأمريكيين، حيث عبر الكثيرون منهم عن «الغياب شبه الكامل للمشاعر الإيجابية نحو إسرائيل». ويجب أن تثير هذه العبارة المخاوف لدى جميع من يهتمون بمستقبل إسرائيل فى الأجل الطويل. وحتى الآن، ما زال القلق بعيد المدى الأهم بالنسبة لليمين الإسرائيلى ديموجرافيا فى طبيعته، حيث يتعلق بالخوف من أن يصبح عدد العرب، الذين تحكمهم إسرائيل أكبر من عدد اليهود فى نهاية المطاف، عند الأخذ فى الاعتبار عدد سكان إسرائيل والضفة الغربيةوغزة مجتمعين. والآن أصبح لديه مصدر آخر للقلق هو «الافتقار إلى الشرعية»، أى ما يتصورون أنه حملة عالمية لنبذ أو مقاطعة إسرائيل، حتى يتم إخراجها من أسرة الدول. ولا يمكن إنكار أن لدى إسرائيل أعداء لدودين. لكنه كلما استمر الاحتلال زادت مخاطرتها بفقدان أصدقائها. وعلى نتنياهو إدراك أن الوقت ليس فى مصلحة إسرائيل، وأنه لابد لها من إنهاء هذا الصراع بأقصى سرعة.