أشاد الكاتب الصحفي سيد محمود بكتاب "إعلام الجماهير.. ثقافة الكاسيت في مصر" الصادر عن دار الشروق، معتبرا أنه يتناول فترة هامة في التاريخ المعاصر، وهي فترات لا تحظى بحضور كافٍ في الدراسات الأكاديمية، على عكس ما نجده في كتابات الباحثين الأجانب. وأشار محمود، في مستهل حديثه خلال ندوة مناقشة الكتاب، الخميس، والتي أقيمت في مبنى قنصلية، إلى أن أبرز مميزات الكتاب لفت الانتباه إلى ما وصفه المؤلف ب"أرشيف الظل"، أو أرشيف الصوت، بوصفه أرشيفا مهمشا في الدراسات التاريخية المعاصرة، موضحا أن الأرشيف المتعارف عليه إما رسمي أو غير رسمي، لكن الحقيقة أن هناك أرشيف ظل. وتابع أن المؤلف يعرف أرشيف الظل من خلال أماكن، مثل سور الأزبكية وغيرها من أسواق الكتب القديمة، ومن خلال هذا الأرشيف، إلى جانب المصادر من المقابلات والكتب التاريخية، استطاع أن يكون "كولاجا" معرفيا عن فترة تاريخية تمتد من سبعينيات القرن الماضي وحتى ثورة 25 يناير. وأوضح أن الكتاب في أصله رسالة دكتوراة قُدمت في جامعة ستانفورد، ووقف خلفها عدد كبير من الأساتذة المتميزين، لافتا إلى قدرة المؤلف على التعامل مع مصادر وأرشيفات متنوعة، خاصةً ما يسميه "الإمكانية غير المستغلة للأرشيف الصحفي" كمصدر أساسي لأرشيف الظل. ولفت سيد محمود، إلى أن من مصادر إلهام الكتاب أن الباحث آندرو سايمون عاش فترة إعداد أطروحته خلال ثورة يناير، وكان قريبا من ميدان التحرير، حيث استمع إلى أصوات الثورة والنداءات المختلفة، ولاحظ إعادة توظيف أغاني تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، ما دفعه إلى تعميق اهتمامه بالصوت بوصفه أداة للتعبئة والاحتجاج. وأشار إلى أن الكتاب ينبه كذلك إلى إسهامات باحثين مصريين في مجال تاريخ الصوت، من بينهم زياد فهمي، الذي لم تترجم أعماله إلى العربية، رغم أهميتها في دراسة أرشيفات الصوت. وأكد أن الكتاب يقارب فترة زمنية يعرفها الجميع، وهي مرحلة الانفتاح الاقتصادي وما تلاها، وأن القارئ يلمس حجم الجهد المبذول فيه، ومعرفة المؤلف الدقيقة بالواقع المصري. ورأى أن سايمون حاول أن يكون موضوعيا إلى حد كبير، وإن لم تخفي هذه الموضوعية بعض انحيازاته، إلا أنه نجح في إبراز الدور الذي تلعبه الأصوات في تشكيل الهوية خلال لحظات التحول التاريخي. وأوضح أن الكتاب يدرس ظاهرة الكاسيت انطلاقا من مفهوم "تاريخ الأشياء"، مقدما نماذج مقارنة من مجتمعات أخرى، مثل فهم التاريخ المعاصر لإيطاليا عبر صناعة السجائر، ليطبق الفكرة نفسها على تقنية الكاسيت ولحظة ظهورها عالميا. وأشار إلى أن خطورة الكاسيت، من منظور الكتاب والدراسات الثقافية، تكمن في ما يسميه "ديمقراطية الوسيط"؛ حيث أسهمت الوسائط الجديدة في تقويض احتكار الدولة لوسائل الثقافة والإعلام، وقلصت قدرتها على تشكيل المواطن وفق شروطها وسياساتها. وأكد سيد محمود، أن سايمون يتتبع ظاهرة الكاسيت بوصفها ظاهرة مصرية أسهمت في تشكيل هوية ثقافية تواجه الثقافة الرسمية، من خلال الاشتغال على أصوات تبدو متناقضة ظاهريا، لكنها تقود إلى فهم أعمق لما يسمى بالثقافة الجماهيرية أو الشعبية. وأشار إلى وعي المؤلف بالتقابلات الأيديولوجية، مستشهدا بكيفية استقبال أغاني أحمد عدوية، وتحول هذا الاستقبال من الرفض إلى الاندماج، مع بقاء رمزيته مرتبطة بنقطة اشتباك دائمة بين التصورين الرسمي وغير الرسمي. وقال إن آندرو سايمون لفت الانتباه إلى أن امتلاك الأفراد لأجهزة الكاسيت ونسخ ما يشاؤون يمثل أحد أشكال القرصنة والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية، موضحا أن الكتاب يتتبع أشكال هذه القرصنة وكيف تطورت إلى حد إنشاء وحدة داخل وزارة الداخلية لمتابعة الظاهرة في سياقاتها المختلفة. وتابع كما يضع الكتاب القارئ أمام مسألة التواطؤ المحتمل بين أطراف متعددة في الصناعة، حيث تتداخل عمليات النسخ مع القرصنة ومع الإنتاج الرسمي. واختتم حديثه بالإشارة إلى توقف الكتاب أمام الأصوات المهمشة، مثل "الإسلام المسموع" الذي برز في سبعينيات القرن الماضي، باعتباره جزءً أساسيا من مشهد الصوت والثقافة في مصر خلال تلك المرحلة.