مقتل 23 شخصاً على الأقل جراء حريق بملهى ليلي في الهند    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الأحد 7 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    تأجيل محاكمة 68 متهمًا في قضية خلية التجمع الإرهابية    رانيا علواني: ما حدث في واقعة الطفل يوسف تقصير.. والسيفتي أولى من أي شيء    أقرأ تختتم دوراتها الأولى بتتويج نسرين أبولويفة بلقب «قارئ العام»    تحذيرهام: «علاج الأنيميا قبل الحمل ضرورة لحماية طفلك»    زيادة المعاشات ودمغة المحاماة.. ننشر النتائج الرسمية للجمعية العمومية لنقابة المحامين    بعد ألاسكا، زلزال بقوة 6.36 درجة يضرب اليونان    للمرة الثانية خلال يوم.. زلزال بقوة 6.3 درجات يضرب اليونان    جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقتي «المراسل التلفزيوني» و«الأفلام القصيرة» لاكتشاف المواهب| صور    قلت لعائلتي تعالوا لمباراة برايتون لتوديع الجمهور، محمد صلاح يستعد للرحيل عن ليفربول    محافظ الإسماعيلية يتابع تجهيزات تشغيل مركز تجارى لدعم الصناعة المحلية    إصلاح كسر مفاجئ بخط مياه بمنطقة تقسيم الشرطة ليلا بكفر الشيخ    "الراجل هيسيبنا ويمشي".. ننشر تفاصيل مشاجرة نائب ومرشح إعادة أثناء زيارة وزير النقل بقنا    رحمة حسن تكشف عن خطأ طبي يهددها بعاهة دائمة ويبعدها عن الأضواء (صورة)    إحلال وتجديد خط مياه الشرب الرئيسي بقرية الضوافرة ببلطيم كفرالشيخ | صور    «الصحة» توضح: لماذا يزداد جفاف العين بالشتاء؟.. ونصائح بسيطة لحماية عينيك    مجدي مرشد: لا مساس بسيادة مصر ولا قبول بمحاولات تهجير الفلسطينيين    الفيلم التونسي "سماء بلا أرض" يفوز بالنجمة الذهبية لمهرجان مراكش (فيديو)    مصدر أمني ينفي إضراب نزلاء مركز إصلاح وتأهيل عن الطعام لتعرضهم للانتهاكاتً    المشدد 3 سنوات لشاب لإتجاره في الحشيش وحيازة سلاح أبيض بالخصوص    برودة الفجر ودفء الظهيرة..حالة الطقس اليوم الأحد 7-12-2025 في بني سويف    بدون أي دلائل أو براهين واستندت لتحريات "الأمن" ..حكم بإعدام معتقل والمؤبد لاثنين آخرين بقضية جبهة النصرة    أسعار الذهب اليوم الأحد 7-12-2025 في بني سويف    محسن صالح: توقيت فرح أحمد حمدى غلط.. والزواج يحتاج ابتعاد 6 أشهر عن الملاعب    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    هشام نصر: هذا موقفنا بشأن الأرض البديلة.. وأوشكنا على تأسيس شركة الكرة    جورج كلونى يكشف علاقة زوجته أمل علم الدين بالإخوان المسلمين ودورها في صياغة دستور 2012    الإمام الأكبر يوجِّه بترميم 100 أسطوانة نادرة «لم تُذع من قبل»للشيخ محمد رفعت    أصل الحكاية| ملامح من زمنٍ بعيد.. رأس فتاة تكشف جمال النحت الخشبي بالدولة الوسطى    أصل الحكاية| «أمنحتب الثالث» ووالدته يعودان إلى الحياة عبر سحر التكنولوجيا    AlphaX وM squared يعلنان انطلاق سباق قدرة التحمل في المتحف المصري الكبير    وزير الاتصالات: رواتب العمل الحر في التكنولوجيا قد تصل ل100 ألف دولار.. والمستقبل لمن يطوّر مهاراته    أخبار × 24 ساعة.. متى يعمل المونوريل فى مصر؟    أول صورة لضحية زوجها بعد 4 أشهر من الزفاف في المنوفية    9 قتلى و10 جرحى فى حادث انقلاب حافلة بولاية بنى عباس جنوب غرب الجزائر    الاتحاد الأوروبى: سنركز على الوحدة فى مواجهة النزاعات العالمية    عمرو أديب بعد تعادل المنتخب مع الإمارات: "هنفضل عايشين في حسبة برمة"    آخر مباراة ل ألبا وبوسكيتس أمام مولر.. إنتر ميامي بطل الدوري الأمريكي لأول مرة في تاريخه    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. الحكومة البريطانية تبدأ مراجعة دقيقة لأنشطة جماعة الإخوان.. ماسك يدعو إلى إلغاء الاتحاد الأوروبى.. تقارير تكشف علاقة سارة نتنياهو باختيار رئيس الموساد الجديد    أسوان والبنية التحتية والدولار    وزير الاتصالات: تجديد رخص المركبات أصبح إلكترونيًا بالكامل دون أي مستند ورقي    اللجنة القضائية المشرفة على الجمعية العمومية لنقابة المحامين تعلن الموافقة على زيادة المعاشات ورفض الميزانية    هيجسيث: الولايات المتحدة لن تسمح لحلفائها بعد الآن بالتدخل في شؤونها    تموين الغربية يضبط 28 كيلو دواجن غير صالحة للاستهلاك    نقيب المسعفين: السيارة وصلت السباح يوسف خلال 4 دقائق للمستشفى    الحق قدم| مرتبات تبدأ من 13 ألف جنيه.. التخصصات المطلوبة ل 1000 وظيفة بالضبعة النووية    محمد متولي: موقف الزمالك سليم في أزمة بنتايج وليس من حقه فسخ العقد    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ يتفقد مستشفى دسوق العام    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    وزير الصحة يشهد انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها ال32    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    السيسي يوجه بمحاسبة عاجلة تجاه أي انفلات أخلاقي بالمدارس    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المَزْبَلة
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 09 - 2025

فى أحد النقاشات الصَّريحة المُوجِعة، تطرَّق الجالسون إلى أحوالِ معظم البلدان العربية؛ إذ تتعرَّض مدنها وضواحيها وعواصمُها واحدة تلو الأخرى للهَجمات البربريَّة، وتُستبَاح حدودُها من العدوّ الإسرائيليّ دون خِشية، ودون أن يُرى منها ردٌّ حاسم. كان الغضب باديًا على الوجوه وحاضرًا فى نبرات الصَّوت؛ لكنَّ الحسرةَ بدت أكبر وأمضى، وبينما جعلَ البعضُ يندب الحالَ، وينعى ما أظهرت أمةُ العَرب من تخاذُل وضَعف وهوان؛ راح آخرون يُلوحون بمزبلةِ التاريخِ؛ التى ستحتوى عما قريب جملةَ المواقفِ المُخزِية والصَّفحات المَشمولة بالعار.
• • •
المَزْبَلة اسمُ مكانٍ من الفعل زَبَل؛ وهى مكان اجتماع القِمامة والجمع منها مَزابِل. الفاعلُ زابلٌ والمَفعول به مَزبول، والمَصدر زبْل بتسكين الباء، أما الزِّبل بكسر الزاى وتشديدها؛ فمفردة يُشار بها فى أغلب الأحوال إلى فَضلاتِ الطيور.
• • •
إذا نَفَرَ الناسُ من شَخص واجتمعوا على الابتعاد عنه، ورَفضوا أن يلتحقَ بهم فى أيّ مناسبة أو يشاركهم فى ما يرتادون من مَحافلٍ؛ بل وتفرقوا ما ظهر وسَعوا للالتقاء فى غيابه؛ قيل إنهم قد زَبَلوه. الاستعمالُ دارجٌ لا تأتى به المَعاجِم؛ لكن الصُّورةَ البلاغيةَ قويةٌ صارمة، تُظهِر مدى الاستياء والرَّفض اللذين يحظى بهما المزبول.
• • •
الزَّبالُ كما جَرت العادةُ بأغلبنا على وَصفِه؛ هو الشَّخص الذى يجمع النفاياتِ أينما وُجِدت. قد يُمارس عملَه فى حماية صِيغة رسميَّة مُقنَّنة؛ فيرتدى الزيَّ المُقرَّر ويركب العربةَ الضَّخمة ذات المحرك، ويُسعده الحظُّ بقفازاتٍ تحمى يديه من المواد الخَطرة، وبحذاء ذى رقبة طويلة تقى قدميه الأوساخ التى يَخوض فيها، وقد يعمل لحسابه الخاص؛ فيستعمل ذراعيه العاريتين، ويمضى دون اتخاذ أيّ احتياطات أو إجراءات وقائية، بل دون أن يخشى إصابةً أو مرضًا. رفع القِمامة من أمامِ البيوت مِهنةٌ قديمة؛ احتكرها الزبَّالون الأوائل الذين عرفوا قيمةَ ما يتخلص منه الناس، واستطاعوا بجهود ذاتية تدوير بعضِ محتوياته؛ بل واستقلوا بأحياءٍ ومناطق كاملة، تسَع نشاطَهم المُتمَدد، وتَسمح لهم بمزاولته فى أريحيَّة.
• • •
عُرِفت منشية ناصر بأنها حيّ الزبالين؛ أرضٌ واسعةٌ وأعدادٌ من البشر الذين لا يَعرف أغلبهم مِهنةً أخرى له، أما صاحبةُ أول مصنع تدوير للمخلفات؛ فسيدة مُوسرة تنتمى لكبار العائلات، ويقال إن لها سبق الالتفات إلى الثروة المَطمورة، وتكوين امبراطوريةٍ عظيمة تُعيد للأوراقِ والزُّجاج وما فى حكمها من مُهمَلات؛ رونقها ومَجدها. اعتدت فى وقت سابق على زيارة المكان، وابتياع الأوراق المقواة التى يعاد تصنيعها، فتحمل ملمسًا خشنًا متميزًا، وتعطى الألوان والصبغات عند الرسم عليها مذاقًا شديد الخصوصية والجمال.
• • •
زَبلُ الأرضِ؛ تعبير قليل الاستخدام يشير إلى إضافةِ السِّماد الطبيعيّ؛ أيّ رَوث الحيوانات، بهدف تحسين جَودةِ التُّربة. بعضُ المزارعين يفضل استعمال المَواد الكيميائية والمُركَّبات التى ترفع مُعدَّلات الخُصوبة، وتدفع النباتات للنموّ والنضوج خلال زمن قصير؛ لكن شتان الفارق بين ما تجيء به الطبيعة وما يَصنعه البَشر، بين ما يُترَك ليأخذ وقته وما يُستحثُّ عنوة لاختصار المُدَّة اللازمة، كذلك شتان الفارق ما بين تأثير الوسيلتين المتاحتين على صِحَّة الجَّسد وسلامة أعضائه، وقدرته على مُقاومة شتى الكائنات التى قد تتجرأ فى لحظة غدر على مُهاجمته.
• • •
بعضُ الأحيان تحلو النميمةُ وتأتى سِيَر الآخرين على الألسنة؛ فإن ذُكَر اسم بعينه؛ قفزت من الفمّ قولة جارحة: دا بنى آدم زبالة. القَّصد لا يتعلَّق هنا بمَظهره إن كان مُشعثًا مُغبرًا، أو برائحته إن كانت غير طيبة أو حتى خبيثة؛ القَّصد ولا شك مَجازيٌّ، مُرتبِط بأخلاقه ومَسلكه وتعامُلاته. فى أعراف السامعين؛ يتَّسم الشَّخص الزبالة -ما كان القولُ صادقًا- بأسوأ الصِفات، وإذ تحملُ الكلمة فى ذاتها وقعَ السُّباب ووطأته؛ فالغرض أن المَوصوفَ يُماثل فى قيمته الفَضلات؛ لا يحتاجها الناس ولا يتمنّون سوى التخلُّص منها.
• • •
ثمَّة كلامٌ هو بدورِه "زبالة"؛ لا يُعقَل ولا يُستسَاغ ولا يمكن قبوله تحت أيّ عنوان. كلامٌ مُنكَر يؤذى الأذن ويُجافى فى مُجملِه الحسَّ السَّليم، ويعمد دون وجه حقّ لإضفاء الشرعية على كلّ ما يأباه العقلُ والمنطق والشعور. الكلامُ الزبالة يخرج عن إطار النقاش الجادّ الرزين؛ يتعذَّر معظم الأحيان الردُّ عليه أو حتى الإنصات لصاحبه، والأفضل أن يتجاهله الواحد ويمضى بعيدًا عنه، يتناساه ويعدُّه عدمًا. كلما تحدَّث رئيسُ الوزراء الإسرائيلى أو ظهر فى حوار أو مؤتمر صحفيّ؛ كلما خرجَت من فمّه كلماتُ العنصريَّة والهمجيَّة التى تستوجب ردًّا مباشرًا صريحًا؛ لا فى سياق الشَّجب والاعتراض والتنديد؛ بل فى صورة فعلٍ ماديّ رادع، يصُدُّ التجاوزات المُفجِعة، ويضع النقاطَ فوق الحروف، ويُعيد ما انفلت من أمورٍ إلى نصابِها.
• • •
تشهد أماكنُ تجمُّع القمامة فى الشوارع والميادين لقطاتٍ مثيرة. ثمَّة صراعاتٌ خفيَّة بين عربات الكارو التى يجرها حمارٌ مَسكين، وتلك ذات المُحركات الهَادرة التى تتبع الأحياء؛ وصراعاتٌ أخرى بين جحافلِ القطط الباحثة فى ترفع عما يعجبها، الزاهدة دومًا فيما تكره، وبين قطعان الكلاب التى لا تمانع اقتناص ما يلوح أمامها، فضلًا عن صراعات وجود بين بشرٍ يرغبون جميعهم فى التحصُّل على ما يكفيهم شرَّ سؤال المُوسرين، ويحفظ لهم ماءَ الوجوه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.