طرحت السعودية فكرة تكوين تحالف دولى من أجل الاعتراف بدولة فلسطين والعمل على تنفيذ حل الدولتين – إسرائيل وفلسطين – وفقًا للمرجعيات والقرارات الدولية والمبادرة العربية الصادرة عن القمة العربية فى بيروت فى مارس 2002. وانضمت فرنسا إلى السعودية وتبلور اتفاق على عقد مؤتمر دولى فى مقر الأممالمتحدة فى نيويورك فى الفترة من 17-20 يونيو 2025، ليأخذ صفة العالمية وليكون متاحًا حضوره ليس فقط للدول التى اعترفت حتى الآن بالدولة الفلسطينية (نحو 148 دولة) أو الراغبة فى الاعتراف بها خلال المؤتمر، وإنما يكون الحضور متاحًا لكل أعضاء الأممالمتحدة المؤيدين والمعارضين. كان مقررًا عقد اجتماع لوزراء خارجية مصر والسعودية والأردن والبحرين ومعهم أمين عام جامعة الدول العربية، ممثلين للجنة الوزارية العربية الإسلامية، مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس فى رام الله فى الضفة الغربية، لكن إسرائيل رفضت السماح لوفد الوزراء دخول الضفة الغربية. وعُقد الاجتماع فى الأردن يوم 1 يونيو 2025، وشارك معهم عبر الفيديو كونفرانس الرئيس محمود عباس، حيث تمت مناقشة جهود وقف إطلاق النار فى غزة ورفع الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية، والمؤتمر الدولى المقرر عقده فى نيويورك للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووضع خريطة طريق لتنفيذ حل الدولتين. واعتبر وزراء الخارجية أن رفض إسرائيل زيارة الوفد للضفة الغربية تأكيد لرفضها طريق السلام والحلول الدبلوماسية، وعزمها إضعاف السلطة الفلسطينية وتقويض إمكانية قيام الدولة الفلسطينية، وأن هذا لن يثنى اللجنة الوزارية عن مواصلة جهودها الدبلوماسية للوصول إلى حل الدولتين. وإن إسرائيل لا تريد إلا العنف رغم أن حربها الوحشية على غزة لن تؤدى إلى حلول ولن تحقق الأمن والاستقرار لأى طرف، وأنه لا بديل عن الحل الدبلوماسى على أساس حل الدولتين. • • • إن إسرائيل تريد قطع الطريق على المؤتمر الدولى فى الأممالمتحدة المقرر أن يعمل على وضع خريطة طريق لمفاوضات سلام تناقش الملفات العالقة للوضع النهائى للتسوية السياسية للقضية الفلسطينية، وتشمل ملفات الأمن، والحدود، ووضع القدس، واللاجئين الفلسطينيين. ولا تريد إسرائيل مواجهة أى التزامات تتعارض مع خطة اليمين الإسرائيلى المتطرف بزعامة نتنياهو، وممارسة المزيد من الاستقواء فى ظل ما حققته من مكاسب على حزب الله فى جنوب لبنان، وعلى إيرانوسوريا، والتوسع فى مشروعها الاستيطانى فى الضفة الغربية، والتصعيد العسكرى فى غزة وعلى الحوثيين فى اليمن، كل ذلك دون تعرضها لعقوبات إقليمية أو دولية تؤثر عليها وتردعها. بل أنها ازدادت عدوانًا وغطرسةً وارتكاب المزيد من جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية. يتوقع أن يصدر عن المؤتمر بيانًا ختاميًا يكون بمثابة خارطة طريق لقيام الدولة الفلسطينية، وتقوم بإعداد خارطة الطريق عدة لجان تم تشكيلها لتقديم مقترحات عملية تغطى كل جوانب النزاع الإسرائيلى الفلسطينى، وعلى نمط المؤتمر نفسه سترأس كل لجنة دولتان، وتشمل الموضوعات قيام الدولة الفلسطينية، والمسائل الأمنية وكيفية ضمان الأمن للطرفين الفلسطينى والإسرائيلى، وكيفية توفير المقومات الاقتصادية للدولة الفلسطينية، والشئون الإنسانية وعملية إعادة الإعمار، وتقديم مقترحات بشأن المحافظة على ديمومة اتفاق السلام الذى يتم التوصل إليه، إلى جانب بعض الموضوعات الأخرى ذات الصلة. • • • يأتى انعقاد المؤتمر فى ظل تحول حل الدولتين إلى مجرد جملة تصاغ فى قرارات أو بيانات أو مطالب دولية وإقليمية، ومما زاد الأمر تعقيدًا تولى حكومة يمينية متطرفة السلطة فى إسرائيل، واستمرار الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة لنحو 20 شهرًا متصلة ودعوة بعض الوزراء الإسرائيليين إلى إعادة احتلال غزة وإعادة إقامة المستوطنات الإسرائيلية فيها، وتهجير سكانها بالقوة، هذا بالإضافة إلى تسريع معدل إقامة المستوطنات فى الضفة الغربية وإصدار قرار إسرائيلى بإقامة 22 مستوطنة جديدة على نمط الكيبوتزات، أى يكون المستوطنون مسلحين ومدربين على صد أى هجوم مماثل لطوفان الأقصى إلى أن تلحق بهم قوات الجيش الإسرائيلى. وإزاء تأكيد نوايا إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية والتمهيد لضم الضفة الغربية لإسرائيل، اقتضى الأمر إعادة تأكيد أنه لا بديل للحل السياسى وأنه من الخطورة تجميد النزاع أو ترحيله أو تغييبه، وخطورة تمسك إسرائيل بالحل العسكرى فى تحدٍ صارخ للأغلبية العظمى لدول العالم. ويواجه الحل السياسى تعقيدات وعوائق تحول دون تنفيذه كما حدث على مدى العقود الثلاثة الماضية. أكد الرئيس الفرنسى أن الحل السياسى هو وحده الذى يمكن من استعادة السلام والبناء على المدى الطويل، وأن المؤتمر سيعطى زخمًا جديدًا للاعتراف بالدولة الفلسطينية ودولة إسرائيل، وإعادة إحياء الأفق السياسى لتسوية سلمية لهذا النزاع. ويتجه المؤتمر إلى إعمال فكرة الاعتراف المتبادل بدعوة الدول الغربية إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعوة الدول العربية والإسلامية التى لم تعترف بعد بإسرائيل إلى الاعتراف بها، وتطبيع العلاقات معها وفقًا للمبادرة العربية والتى تتضمن قيام الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 وانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها فى كل من سورياولبنان. وقد عجلت إسرائيل بإعلان أنها ستفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية إذا أقدمت دول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. هذا وتعترف كل من أسبانيا وأيرلندا والنرويج وسلوفينيا بالدولة الفلسطينية، وقد انضمت إليهم مؤخرًا مالطا. لا شك أن الموقف الأمريكى المنحاز لإسرائيل سيكون له تأثير بصورة أو أخرى على نتائج المؤتمر، رغم أنه سيظهر واشنطن بموقفها المعارض بأنها تتحدى الأغلبية العظمى من الدول أعضاء الأممالمتحدة الذين يرون أن الحل العملى للصراع الإسرائيلى الفلسطينى هو إقامة الدولة الفلسطينية وانضمامها عضوًا كامل العضوية إلى الأممالمتحدة. كما ستظهر واشنطن بتأكيد تناقض مواقفها بين تصريحاتها عن حل الدولتين وفى نفس الوقت معارضة أى خطوات عملية لتحقيقه، ومما يشير إلى أن الموقف الأمريكى سيؤيد إسرائيل بقوة فى رفضها المطلب المهم للمؤتمر بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وصياغة خريطة طريق لتنفيذ حل الدولتين، هو استخدام الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن ضد القرارات التى تطالب بإنهاء الحرب على قطاع غزة وإعادة الإعمار، وكان آخرها مشروع القرار الذى تم التصويت عليه يوم 4 يونيو 2025 وأسقطه الفيتو الأمريكى. عبر السفير الأمريكى فى إسرائيل مايك هاكابى، مسبقًا، عن الموقف الأمريكى بإبداء الاستنكار للموقف الفرنسى الذى يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويعتبره اعتداء على سيادة إسرائيل. وطالب هاكابى فرنسا باقتطاع جزء من الريفييرا الفرنسية وإقامة دولة فلسطينية عليه إذا كانت مهتمة بذلك فعلًا. • • • يعد المؤتمر فرصة جيدة للغاية لإعادة قضية الدولة الفلسطينية إلى الواجهة، وإطلاق موجة من الضغوط الدولية بحيوية سلمية من شأنها إعادة تفعيل الحل السياسى للقضية الفلسطينية. وكذلك تعبئة قوى السلام فى كل من المجتمع المدنى الإسرائيلى والفلسطينى، وإبراز أن الحروب لا تحقق الأمن والاستقرار، بل تنمى العداوة والكراهية وإهدار الموارد. تؤكد فرنسا أنها لا تريد أن تحل محل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأنها تعمل مع مجموعة من الدول العربية والأوروبية من أجل تحقيق أوسع تعبئة ممكنة، وأن ثمة رغبة لدى أغلبية الدول أن ينتج عن المؤتمر شيئًا مفيدًا وبناء، لا أن يكون فقط تعبيرًا عن مجموعة مبادئ ومواقف. ثمة ملابسات بالغة الأهمية تخدم المؤتمر وتجعله مختلفًا عن أى مؤتمرات سابقة عن الدولة والقضية الفلسطينية، وهو ما ارتكبته ومازالت ترتكبه إسرائيل من جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى حق الشعب الفلسطينى فى قطاع غزة والضفة الغربيةوالقدسالشرقية، وانتهاكها جميع القوانين الدولية والإنسانية بصورة غير مسبوقة وغير مبررة، أدت إلى تغيرات لا يستهان بها فى نظرة ومواقف شعوب وحكومات العالم تجاه إسرائيل وتجاه كل من يتمادى فى تأييدها ومساعدتها على العدوان وعلى إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى.