شهدت مدينة الإسكندرية، فجر اليوم السبت، حالة جوية غير مسبوقة، إذ اجتاحتها عاصفة رعدية عنيفة، صاحبها تساقط كثيف للأمطار والثلوج، بالإضافة إلى رياح شديدة السرعة، في مشهد نادر الحدوث في هذا الوقت من العام، هذه الظاهرة غير الاعتيادية أثارت حالة من الدهشة والقلق بين سكان المدينة، وفتحت باب التساؤلات حول تصاعد آثار التغيرات المناخية التي باتت تؤثر بوضوح على المدن الساحلية. وفي إطار التعامل الفوري مع الأوضاع الجوية الطارئة، كلف الفريق أحمد خالد حسن سعيد محافظ الإسكندرية، جميع الأجهزة التنفيذية في المحافظة برفع حالة الاستعداد القصوى، وتكثيف التواجد الميداني على مدار الساعة؛ لمتابعة أعمال تصريف مياه الأمطار التي غمرت عددًا من الشوارع، بالإضافة إلى التأكد من تحقيق السيولة المرورية في مختلف أنحاء المدينة. وجرى اتخاذ قرار بتأجيل موعد بدء امتحانات الشهادة الإعدادية لمدة ساعة؛ لتبدأ في تمام الساعة العاشرة صباحًا بدلًا من التاسعة، وفقًا لما أعلنته الصفحة الرسمية لمحافظة الإسكندرية على موقع فيسبوك. وفي التقرير التالي نوضح ما المقصود بالتغيرات المناخية، ونناقش أبرز الأسباب التي أدت إلى هذا التحول الكبير في أنماط الطقس حول العالم، والذي باتت الإسكندرية مثالًا حيًّا عليه. - ما المقصود بالتغيرات المناخية؟ تعرف منظمة الأممالمتحدة، تغير المناخ بأنه "تحول طويل الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس"، والذي ينتج بشكل رئيسي عن ظاهرة الاحتباس الحراري، هذه الظاهرة بدورها ترتبط بزيادة تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون والميثان ومركبات الهيدروكلوروفلوروكربون. وتعمل هذه الغازات على حبس حرارة الشمس داخل الغلاف الجوي؛ مما يؤدي إلى ارتفاع متوسط درجات الحرارة على سطح الأرض، وبالتالي يتغير النظام المناخي المعتاد، فتظهر الظواهر الجوية المتطرفة مثل ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير طبيعي، أو تساقط الثلوج في غير موسمها، كما حدث في الإسكندرية. • ما أسباب التغير المناخي؟ أولا: الظواهر الطبيعية بحسب موقع "Natural Resources Defense Council" الأمريكي، فإن بعض الظواهر الطبيعية تساهم في تغير المناخ، من خلال التفاعل بين مكونات الغلاف الجوي والعوامل الجيولوجية والكيميائية والبيولوجية الأخرى. من أبرز هذه الظواهر: - الانفجارات البركانية: والتي تطلق كميات كبيرة من الرماد والغازات إلى الغلاف الجوي، مما قد يؤثر مؤقتًا على المناخ. - التقلبات في الإشعاع الشمسي: التغيرات في نشاط الشمس قد تؤثر على درجات الحرارة على الأرض. - التحولات التكتونية: التي قد تغير شكل القارات والمحيطات وتؤثر على أنماط الطقس. لكن يجدر بالذكر أن تأثير هذه الظواهر محدود مقارنة بالأنشطة البشرية المستمرة والمتصاعدة. ثانيًا: الأنشطة البشرية (السبب الرئيسي) تشير معظم الدراسات، إلى أن النشاط البشري هو العامل الأساسي وراء تسارع وتيرة التغير المناخي في العصر الحديث؛ نظرًا لزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة. ومن أبرز هذه الأنشطة: - إنتاج الكهرباء: تعتمد محطات توليد الكهرباء بشكل أساسي على الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي؛ مما يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز في الجو. - أجهزة التبريد والتكييف: الاستخدام الواسع لأجهزة التبريد أدى إلى إطلاق مركبات الهيدروكلوروفلوروكربون (HFCs)، وهي من الغازات الدفيئة ذات القدرة العالية على احتباس الحرارة، وساهمت في رفع متوسط درجة حرارة الأرض بما يقدر ب1.9 درجة فهرنهايت خلال القرن العشرين فقط. - الصناعات كثيفة الكربون: وتشمل صناعات مثل الحديد والصلب، والأسمنت، والألومنيوم، والزجاج، والورق. وتُعرف هذه الصناعات بأنها "كثيفة الكربون"؛ لأنها تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، وتستهلك قدرًا هائلًا من الطاقة، بسبب الطلب الكبير على منتجاتها. - الأسمدة الكيماوية في الزراعة: على الرغم من أن الزراعة تُعد أحد حلول مكافحة التغير المناخي من خلال امتصاص الكربون، إلا أن الاستخدام المفرط للأسمدة الكيميائية والإنتاج الزراعي الكثيف أسفر عن إطلاق غازات دفيئة مثل أكسيد النيتروز والميثان، وهي من أشد الغازات تأثيرًا على المناخ. - التوسع العمراني على حساب البيئة: شهدت السنوات الأخيرة موجة من إزالة الغابات والمساحات الخضراء لصالح التوسع العمراني، مما أدى إلى انخفاض معدلات إنتاج الأكسجين وارتفاع نسب ثاني أكسيد الكربون في الهواء، وبالتالي تسريع عملية الاحتباس الحراري. • هل نحن أمام نقطة تحول مناخية؟ ما شهدته الإسكندرية فجر اليوم، قد لا يكون مجرد ظاهرة جوية عابرة، بل جرس إنذار قوي يُشير إلى حجم التغيرات المناخية التي باتت تؤثر على مصر والمنطقة بأسرها، فالتساقط الثلجي في أحد أيام شهر مايو يعد أمرًا نادرًا للغاية، ويعكس اضطرابًا غير مسبوق في الأنماط المناخية الموسمية. ولم تعد التحديات المناخية، قاصرة على ارتفاع درجات الحرارة فقط، بل تشمل زيادة الكوارث الطبيعية، وتغير مواعيد الفصول، وتهديد الأمن الغذائي والمائي؛ لذا، فإن التعامل مع هذه التغيرات يتطلب تضافر الجهود على المستويات المحلية والعالمية، من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتشجيع استخدام الطاقة النظيفة، وزيادة التشجير، وتبني أنماط حياة أكثر استدامة.